الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يحبونني موافقاً، يكرهونني معارضاً: من سمات الشخصية العربية في زمن التبعية

ناجح شاهين

2014 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية




يمكن لهذه العبارة أن تلخص ثقافتنا القومية الشاملة. نحن لم نتعود أن نقبل الاختلاف مهما كان صغيراً. ولذلك لا بد من التظاهر بالاتفاق التام حتى لو لم يكن موجوداً.
كنا في ندوة حول الشعر، لم يكن الأمر يتصل بالدين، ولا السياسة ولا الجنس. الشعر فقط، على الرغم همس في أذني الدكتور الذي شاركني الحديث في الندوة: "توقف عن هذا الاتجاه في الكلام، بلاش يفكرونا مختلفين مع بعض." يا إلهي كم صدمني القول. الاختلاف مخيف، يجب أن نتفق أو أن نتظاهر أننا متفقون. لا بد من رأي واحد صحيح يسود المدينة، وإذا كان هناك رأيان وقعنا في حيص بيص؛ إذ أي الرأيان يكون صحيحاً رأي أم رأيه؟ بالطبع لا يجوز أن يخطئ أي منا فكلانا أستاذ جامعي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
مهما كان الاختلاف في الرأي بسيطاً فإنه –عكس المثل الشائع- يفسد أسباب المودة كلها ويقود إلى القطيعة إن لم يكن إلى التنازع الذي قد يصل حد التناحر الجسدي. ألم يقل درويش في "لقطة" جميلة: "وربما تقتلني أو أقتلك إذا اختلفنا حول تفسير الأنوثة!" لا بد أن فرصة القتل عندما تتصل الأمور بالمال، والتنافس السياسي، أو الاجتماعي الوجاهي، أو العاطفي –مثلاً على كسب قلب امرأة يهواها أكثر من رجل- يمكن أن تكون مناسبات مميزة للصراع العنيف الذي لا بد أن نكون سعداء إن اقتصر على العنف اللفظي وما لف لفه من مؤامرات اجتماعية تأتي في باب النميمة والمقاطعة والتشهير...الخ
يبدو لنا أن تضخم الأنا الفردي في التربية العربية يمكن أن يكون أساساً لهذا التوتر المبالغ فيه. ولكي نوضح هذا أكثر نحيل إلى الصراع المجهد نفسياً المتصل بقضاء الوقت في اللعب سواء أكان لعب الورق أو النرد أو ما شئتم. نجد الفائز يتيه كالطاووس على الرغم من أنه لم يفعل شيئاً باستثناء إلقاء حجر النرد الذي يتفق أن يأتي لمصلحته، فيفوز. تظن أنه قد نجح في تقديم الرؤية الفيزيائية الرابعة للكون باعتبار رؤية بطليموس/أرسطو، ثم نيوتن/كانط، وأخيراً آينشتاين/ميكانيكا الكم. من هنا لا يستطيع أحدنا أن يتقبل فكرة أن رأياً آخر غير رأيه يمكن أن يكون له فرصة في مقاربة الصواب. ومن نافلة القول إن التربية الوثوقية في البيت والمدرسة والجامعة والسياق الاجتماعي والتراثي كله ترسخ هذه النفسية وهذا التوجه. وأرجو أن لا يظن أحد أن هذا شأن سياسي، كلا القصة أعقد من ذلك بقليل. وغالباً ما ترتبط بعدم تجاوز المجتمع العربي لنمط الإنتاج الخراجي وما يترافق معه من اهتمام بالمظاهر وروح جماعية بدائية لا تتقبل استقلال الفرد الذي لا يتحقق في التاريخ إلا مع الرأسمالية التي يغدو فيها كل شخص ذاتاً حقوقية لها موقعها في الإنتاج الاجتماعي الذي لا يرتبط بالضرورة بسياق من علاقات الدم أو التجاور المكاني. كذلك تنهي الرأسمالية بضربها للقيم والموروثات السابقة هيمنة الحقيقة المطلقة أياً كان مصدرها، وتسمح بالتعددية والاختلاف في إطار مقدس وحيد هو السوق الذي يستوعب السلع المختلفة بما فيها السلع الفكرية المختلفة ما لم يصل الأمر إلى حد رفض المطلق المقدس ذاته أي السوق.
في بلادنا لم تتحقق حتى اللحظة معجزة الثورة الرأسمالية على الرغم من دخولنا عالم الرأسمالية مكرهين لا طائعين مع احتلال نابليون لمصر في العالم 1798 لكن تلك الرأسمالية ولدت مشلولة وفي علاقة تبعية تامة تستدعي الاستمرار في فكر الطاعة لا فكر التنوير مثلما أوضح التحليل الصارم المقدم من الشهيد مهدي عامل وكذلك من مدارس النظام العالمي والتبعية. من هنا بقيت المؤسسة التي تربي في المنزل والمدرسة والإعلام تظهر استمرارية على صعيد بنية الفكر والأيديولوجية الموروثة مع تزيينها ببعض المفردات الليبرالية أو اليسارية بحسب الاتجاه الذي يتوهم صاحب هذه المؤسسة أو تلك أنه ينتمي إليه. في الجوهر ظل التفكير التسليمي الإحادي سيد الموقف في ميادين وتمظهرات الحياة الاجتماعية المختلفة. ولذلك لا نجد فارقاً جوهرياً بين التسليم الديني من ناحية، وهو تسليم يعتمد الإيمان والنقل لا النظر والعقل، والتسليم اليساري الذي قدس العبارات والجمل المنقولة حرفياً بدقة أو بغير دقة من كتب آباء الاشتراكية، ولا بد أن الليبرالية المحلية لا تختلف في شيء من ذلك. فالليبرالي مؤمن بليبراليته بشكل أصولي يسمح له بقمع المخالفين وبترهم عندما يختلفون معه في فكرة حق الناس في الاختلاف على سبيل المثال. مثلاً يكون الليبرالي ديمقراطياً مخلصاً، فإذا قلت له إنك لا توافق على الديمقراطية، قام بحذفك من قائمة المشاركين في المؤتمر أو الندوة أو أي شيء، باعتبار أنه يجب عليك أن توافق على الديمقراطية، وتمجدها وتمجد قبول الغير حتى تقبلك الديمقراطية وأفكارها. وبالمناسبة يجدر بنا أن نذكر هنا أن الليبرالي في الشمال يشبه الاشتراكي ابن بلده أكثر مما يشبه الليبرالي العربي أو الفلسطيني، وهذا ينطبق بالطبع على الاشتراكي وعلى المتدين...الخ يعني هناك إشكالية محلية نعيشها جميعاً وتنطبق علينا على الرغم من أية بضاعة أيديولوجية نروجها، ويظهر في سياقها أننا ننتمي إلى مدارس مختلفة. من هنا نظن أن هناك هماً "قومياً" ينطبق علينا جميعاً لا مناص في سياقه من إنجاز الأوليات الخاصة بنا من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة في حياتنا: لا بد من إنجاز الاستقلال، ولا بد من إنجاز الثورة الصناعية الأولى، وما تلاها، ولا بد قبل ذلك كله، ومن أجل ذلك كله، من فك الارتباط بالأجندة القادمة من الشمال، وخصوصاً في مستوى السياسة، والاقتصاد، والثقافة. وربما أن الفعل الثقافي هو الأداة التي يجب أن توظف لمصلحة الهدفين الآخرين: علينا أن نشرع في بناء أولياتنا باستقلال عن نصائح "العلم" الغربي، وبالاستناد إلى جهد محلي خالص، يعتمد اللغة العربية وسيطاً وحيداً في بناء التواصل الذي سيشكل على الأغلب بذراً لبذور بناء متعدد الأوجه على طريق بناء الأمة الواحدة بكل ما يعنيه ذلك من تعقيدات ومخاضات معقدة.
قد يبدو غريباً أننا بدأنا بعدم التقبل للاختلاف الذي يظهر وكأنه شأن فردي، لننتقل إلى السياسة والاقتصاد، ونصل إلى فكرة الأمة؛ ولكن السمات السلوكية جزء لا يتجزأ من بنية كاملة تتقاطع بأشكال مختلفة مع السياسي والاقتصادي والثقافي، ولو كانت شأناً فردياً يخص هذا أو ذاك لما وصلت إلى مستوى الانطباق على معظم الناس إن لم يكن كلهم. إنها شأن جماعي لا يسهل تغييره إلا في سياق التغيير الذي يطال الكلية الاجتماعية بمكوناتها المختلفة. وبهذا يغدو مثل هذا التفصيل السلوكي الصغير على أهميته، جزءاً من سيرورة كاملة تتضمن السياسة، والاقتصاد والصحة والتعليم، وكل ما يمكن أن يعد هماً جمعياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 6 فلسطينيين في هجوم عسكري إسرائيلي على مدينة جنين بالضف


.. الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية: تابعوا النت




.. بريطانيا: سوناك يقر بهزيمة حزبه ويستقيل من زعامة المحافظين


.. عواصف رملية، جفاف، تصحر.. الوضع حرج في العراق! • فرانس 24 /




.. صورة حقيقية لطائر فلامنجو -بلا رأس- تثير ضجّة بعد الفوز بمسا