الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مصخّمة الدستور المهزلة ... نضح الإناء بما فيه
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
2005 / 7 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
![](https://ahewar.net/Upload/user/images/c1c092da-13f2-4352-a2c2-8ce6216eb2b1.jpg)
المواطن العراقي أصبح أمام الخيار الوحيد الذي يفيد " تريد غزال اخذ أرنب، تريد أرنب اخذ أرنب!" . ولا يمكن أن يطلب المرء من الديك أن يبيض، وإلا ستكون ثمة معجزة ، وحالات من الجنون تنتاب مجتمعنا العراقي. فأفراد ذاقوا طعم ما درّ عليهم الفلتان الأمني وتفكك بنيان الدولة العراقية ليعيثوا فسادا ونهبا ، وقوات الاحتلال التي تدّعي أنها جاءت محرّرة من الظلم والدكتاتورية تتفرج ، أو ربما تدعم تلك العصابات . هذه العصابات الاسلامية و القومية والطائفية المسلحة تتسابق في هذه الأعمال المخالفة لأبسط القيم الخلقية والإنسانية. فأي رجاء في أناس لا تهزهم هذه المصائب و أنهار الدماء التي تجري في العراق، و الأحياء من العراقيين يعيشون جحيم البطالة و الجوع والحرمان؟ هذا الجحيم الذي ترى فيه أفراد هذه العصابات جنتهم ونعيمهم ، فهل أصبحوا مجانين لكي يعملوا على ازالة هذا الجحيم؟
وما أعنيه بعبارة "نضح الإناء بما فيه" واضح وضوح الشمس ، فأني أقصد أن الامتيازات و الحكم والسلطات التي يتمسك بها حكام اليوم في العراق كانت نتيجة المحاصصة و تكريس الطائفية و النزعة القومية المتطرفة ، فلا يمكنهم أن يتخلّوا عن مصدر نعمتهم الالهية هذه ، فاقترحوا دستورا يلبّي حاجاتهم و يضمن مستقبلهم في حكم العراق و التحكم بخيراته و مقدرات الجماهير ، دستورا سيشكّل عقبة كأداء أمام تقدم شعب العراق وتطوره و تحرره.
إن مسوّدة الدستور التي انتشرت في وسائل الإعلام تثير القرف في النفس، و التشاؤم من مستقبل العراق ، ويأسا واحباطا لدى الذين كانوا يتطلعون إلى مجتمع مدني حديث، ودولة القانون التي تضمن للمواطن حرياته وحقوقه بغض النظر عن لغته و شكله وجنسه وطائفته و دينه ومعتقده . و أية مهزلة هذه أن يجعل كتّاب المصخّمة من أنفسهم ممثلي شعب العراق بإرادة الله و رغبة الشعب الحرّة ؟؟؟؟!!!
لا أريد أن أعلّق على كل بنود هذه المسوّدة الآن ، فهي من الباب للمحراب كما يقولون ، لا تلبي حاجات المواطن العراقي و تطلعاته ، ولا أظن أنها تشبه دستور أي بلد من بلدان العالم. إن المصادقة عليها تعني الاتيان بنظام حكم ولاية الفقيه أو ما شابهها من الأنظمة الدينية. وهذا تؤكده المادة الثانية
" التي تنص على أن الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو المصدر الأساسي للتشريع، ولا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه(ثوابته المجمع عليها ) ويصون هذا الدستور الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي (بأكثريته الشيعية وسنته) ويحترم جميع حقوق الديانات الأخرى."
ويمكن للعراقيين أن يقبلوا بصفة اسلامية العراق في الشكل فقط ، إن كان الدولة بمضمون علماني تقدمي يكون الدين فيها لله و الوطن للجميع.
وإن التأكيد على أنه لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام وأحكامه كفيل بحرمان المرأة من حقوقها الإنسانية في المساواة مع الرجل ، و يمكّن الحكم العراقي من انتهاك معظم حقوق الإنسان وحرياته التي أكدتها المواثيق الدولية و منظمات حقوق الإنسان ، كما يجعل المرء يشكك في كل بنود وفقرات هذا الدستور المقترح، و التي تقول بكون الشعب مصدر السلطات في الدولة و تطلق وعودا بالعدل و ضمان توزيع عادل للثروة و غيرها.
فالاستبداد الديني آت ٍلا ريب فيه إذا أصبح لنا هكذا دستور غريب عن روح العصر و قيم الديمقراطية و الحرية.
و المادة الثالثة تكرّس المحاصصة و الروح الطائفية في المجتمع العراقي، و تجرّد المواطن الإنسان من إنسانيته و مبادراته الفردية .
إن الشعب العراقي ليس الشعب الوحيد على الأرض الذي يتكون من أقوام وملل و ديانات و طوائف مختلفة . و إنه لا يمكن لأي ّ دستور أن يثبت تسميات كل هذه الأطياف التي ربما تزيد على المئة عددا و عديدا . و إنّ ذكر بعض هذه المكونات سيٌشعر مكونات أخرى لم تٌذكر بالغبن أو ما يسمى بالتهميش. و كذلك إن الدرجات و التقديم و التأخير في ذكر هذه الأطياف تثير حزازات كثيرة ، إذ أن كل مجموعة تدّعي أنها الأكبر من الأخريات و الأكثر عددا ( وللضحك أنها أعرق و أشرف هههههه) . وثمة كثير من الأخوة الكورد الفيلية ناقمون على كتّاب الدستور بسبب أنهم أغفلوا ذكرهم ضمن مكونات شعب العراق. و أعجب من أحد كبار مثقفي الفيلية و قد كتب أ"لقد أحسنت المسودة بتعداد مختلف التكوينات الدينية والقومية العراقية وحتى الفرعية" . و لا أظن أن الظلم الذي لحق بالكورد الفيلية ، و المآسي و المصائب التي نزلت عليهم سيزول بتسميتهم ضمن تكوينات شعب العراق في هذه المصخمة. وإن دستورا مدنيا عصريا للعراق لا بد أن يؤكد على المواطن المتساوي في الحقوق والواجبات ، بدون أن يدمغ بهوية قومية أو طائفية أو دينية . إنه لضرورة أخلاقية و مدنية و حضارية أن تزول هذه المادة الثالثة من أي دستور في المستقبل. إن ضمان مستقبل الشعب الكوردي يمكن بالاعتراف بوجود اقليم كوردستان. و أن دستورا يضمن حقوق المواطن وواجباته ، و يؤكد على حرياته في المعتقد و الثقافة و ممارسة طقوسه وحرية استخدام لغته في مجالات الكتابة والحديث والابداع ، يكون ضمانا لحقوق و حريات أتباع الديانات والعقائد و الأقليات جميعها. ولكن أخيرا تذكرت ُ قولة للكوردي حين ينتابه اليأس من أن يتعقل صاحبه ، فيقول له ليعطي الله العقل لأولادك !
لقد ضاعت كل هذا السنوات من عمر العراق وحياة شبابه و نسائه و رجاله ، و لا بد من أن يفعنا الأمل في الأجيال القادمة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. شاهد ما رصدته كاميرا شبكتنا داخل مستشفى إماراتي عائم مخصص لع
![](https://i4.ytimg.com/vi/N7tNL8eyBX4/default.jpg)
.. تساؤلات عن المسار الذي سيسلكه الرئيس الإيراني الجديد في العل
![](https://i4.ytimg.com/vi/j7AaC7VxcmY/default.jpg)
.. وفود إسرائيلية وأميركية في مصر.. هل الاتفاق بشأن هدنة غزة با
![](https://i4.ytimg.com/vi/L4CgE6675Xc/default.jpg)
.. مراسلتنا: قصف مدفعي إسرائيلي على أطراف بلدتي حانين وعيترون ج
![](https://i4.ytimg.com/vi/M9HSTBqOy5U/default.jpg)
.. 5 مرشحين يدعمون القضية الفلسطينية فازوا بمقاعد في مجلس العمو
![](https://i4.ytimg.com/vi/MJqokvqkd2o/default.jpg)