الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصخّمة الدستور المهزلة ... نضح الإناء بما فيه

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2005 / 7 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المواطن العراقي أصبح أمام الخيار الوحيد الذي يفيد " تريد غزال اخذ أرنب، تريد أرنب اخذ أرنب!" . ولا يمكن أن يطلب المرء من الديك أن يبيض، وإلا ستكون ثمة معجزة ، وحالات من الجنون تنتاب مجتمعنا العراقي. فأفراد ذاقوا طعم ما درّ عليهم الفلتان الأمني وتفكك بنيان الدولة العراقية ليعيثوا فسادا ونهبا ، وقوات الاحتلال التي تدّعي أنها جاءت محرّرة من الظلم والدكتاتورية تتفرج ، أو ربما تدعم تلك العصابات . هذه العصابات الاسلامية و القومية والطائفية المسلحة تتسابق في هذه الأعمال المخالفة لأبسط القيم الخلقية والإنسانية. فأي رجاء في أناس لا تهزهم هذه المصائب و أنهار الدماء التي تجري في العراق، و الأحياء من العراقيين يعيشون جحيم البطالة و الجوع والحرمان؟ هذا الجحيم الذي ترى فيه أفراد هذه العصابات جنتهم ونعيمهم ، فهل أصبحوا مجانين لكي يعملوا على ازالة هذا الجحيم؟
وما أعنيه بعبارة "نضح الإناء بما فيه" واضح وضوح الشمس ، فأني أقصد أن الامتيازات و الحكم والسلطات التي يتمسك بها حكام اليوم في العراق كانت نتيجة المحاصصة و تكريس الطائفية و النزعة القومية المتطرفة ، فلا يمكنهم أن يتخلّوا عن مصدر نعمتهم الالهية هذه ، فاقترحوا دستورا يلبّي حاجاتهم و يضمن مستقبلهم في حكم العراق و التحكم بخيراته و مقدرات الجماهير ، دستورا سيشكّل عقبة كأداء أمام تقدم شعب العراق وتطوره و تحرره.
إن مسوّدة الدستور التي انتشرت في وسائل الإعلام تثير القرف في النفس، و التشاؤم من مستقبل العراق ، ويأسا واحباطا لدى الذين كانوا يتطلعون إلى مجتمع مدني حديث، ودولة القانون التي تضمن للمواطن حرياته وحقوقه بغض النظر عن لغته و شكله وجنسه وطائفته و دينه ومعتقده . و أية مهزلة هذه أن يجعل كتّاب المصخّمة من أنفسهم ممثلي شعب العراق بإرادة الله و رغبة الشعب الحرّة ؟؟؟؟!!!
لا أريد أن أعلّق على كل بنود هذه المسوّدة الآن ، فهي من الباب للمحراب كما يقولون ، لا تلبي حاجات المواطن العراقي و تطلعاته ، ولا أظن أنها تشبه دستور أي بلد من بلدان العالم. إن المصادقة عليها تعني الاتيان بنظام حكم ولاية الفقيه أو ما شابهها من الأنظمة الدينية. وهذا تؤكده المادة الثانية
" التي تنص على أن الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو المصدر الأساسي للتشريع، ولا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه(ثوابته المجمع عليها ) ويصون هذا الدستور الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي (بأكثريته الشيعية وسنته) ويحترم جميع حقوق الديانات الأخرى."
ويمكن للعراقيين أن يقبلوا بصفة اسلامية العراق في الشكل فقط ، إن كان الدولة بمضمون علماني تقدمي يكون الدين فيها لله و الوطن للجميع.
وإن التأكيد على أنه لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام وأحكامه كفيل بحرمان المرأة من حقوقها الإنسانية في المساواة مع الرجل ، و يمكّن الحكم العراقي من انتهاك معظم حقوق الإنسان وحرياته التي أكدتها المواثيق الدولية و منظمات حقوق الإنسان ، كما يجعل المرء يشكك في كل بنود وفقرات هذا الدستور المقترح، و التي تقول بكون الشعب مصدر السلطات في الدولة و تطلق وعودا بالعدل و ضمان توزيع عادل للثروة و غيرها.
فالاستبداد الديني آت ٍلا ريب فيه إذا أصبح لنا هكذا دستور غريب عن روح العصر و قيم الديمقراطية و الحرية.
و المادة الثالثة تكرّس المحاصصة و الروح الطائفية في المجتمع العراقي، و تجرّد المواطن الإنسان من إنسانيته و مبادراته الفردية .
إن الشعب العراقي ليس الشعب الوحيد على الأرض الذي يتكون من أقوام وملل و ديانات و طوائف مختلفة . و إنه لا يمكن لأي ّ دستور أن يثبت تسميات كل هذه الأطياف التي ربما تزيد على المئة عددا و عديدا . و إنّ ذكر بعض هذه المكونات سيٌشعر مكونات أخرى لم تٌذكر بالغبن أو ما يسمى بالتهميش. و كذلك إن الدرجات و التقديم و التأخير في ذكر هذه الأطياف تثير حزازات كثيرة ، إذ أن كل مجموعة تدّعي أنها الأكبر من الأخريات و الأكثر عددا ( وللضحك أنها أعرق و أشرف هههههه) . وثمة كثير من الأخوة الكورد الفيلية ناقمون على كتّاب الدستور بسبب أنهم أغفلوا ذكرهم ضمن مكونات شعب العراق. و أعجب من أحد كبار مثقفي الفيلية و قد كتب أ"لقد أحسنت المسودة بتعداد مختلف التكوينات الدينية والقومية العراقية وحتى الفرعية" . و لا أظن أن الظلم الذي لحق بالكورد الفيلية ، و المآسي و المصائب التي نزلت عليهم سيزول بتسميتهم ضمن تكوينات شعب العراق في هذه المصخمة. وإن دستورا مدنيا عصريا للعراق لا بد أن يؤكد على المواطن المتساوي في الحقوق والواجبات ، بدون أن يدمغ بهوية قومية أو طائفية أو دينية . إنه لضرورة أخلاقية و مدنية و حضارية أن تزول هذه المادة الثالثة من أي دستور في المستقبل. إن ضمان مستقبل الشعب الكوردي يمكن بالاعتراف بوجود اقليم كوردستان. و أن دستورا يضمن حقوق المواطن وواجباته ، و يؤكد على حرياته في المعتقد و الثقافة و ممارسة طقوسه وحرية استخدام لغته في مجالات الكتابة والحديث والابداع ، يكون ضمانا لحقوق و حريات أتباع الديانات والعقائد و الأقليات جميعها. ولكن أخيرا تذكرت ُ قولة للكوردي حين ينتابه اليأس من أن يتعقل صاحبه ، فيقول له ليعطي الله العقل لأولادك !
لقد ضاعت كل هذا السنوات من عمر العراق وحياة شبابه و نسائه و رجاله ، و لا بد من أن يفعنا الأمل في الأجيال القادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما رصدته كاميرا شبكتنا داخل مستشفى إماراتي عائم مخصص لع


.. تساؤلات عن المسار الذي سيسلكه الرئيس الإيراني الجديد في العل




.. وفود إسرائيلية وأميركية في مصر.. هل الاتفاق بشأن هدنة غزة با


.. مراسلتنا: قصف مدفعي إسرائيلي على أطراف بلدتي حانين وعيترون ج




.. 5 مرشحين يدعمون القضية الفلسطينية فازوا بمقاعد في مجلس العمو