الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وأد الديمقراطية في دارها!!

محمد كمال

2014 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية




حلقة جديدة في مسلسل الدراما على مسرح المجلس النيابي، تأليف وإخراج وتمثيل أصحاب السعادة نوابنا الكرام. كل حلقة في هذا المسلسل أنكى وأدنى وأكثر مدعاة للسخرية من سابقاتها، فبعد أن كان الشعب – الناخب – يتوقع من فرسان البرلمان أن يقودوا مسيرة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك على دروب الديمقراطية إلى محطات تأمين الحقوق وبناء وطن القانون والمؤسسات ومتابعة المسيرة، والمسيرة يجب أن لا تتوقف، إلى الأفضل والأرقى إلى سمو الإنسان بالإنسان إلى تثبيت وترسيخ سلطة الشعب وتحقيق ما جاء في الدستور الذي ينص بوضوح لا لبس فيه ولا تأويل أن: «نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور»، مادة 1د، وإذا بنا نجد أنفسنا أمام برلمان مسرحي بامتياز يحيل الديمقراطية إلى «ديمودرامية» ذات طابع مأساوي ساخر، فأحالوا «سلطة الشعب» بالمعنى الديمقراطي وبالنص الدستوري إلى «مسرح الشعب»، هذا هو المعنى الذي يتناغم مع المصطلح المجازي «ديمودرامية».
مازالت آثار الحلقة المسرحية السابقة هي «منع سياقة السيارات على الأجانب» ماثلة حيّة في أذهان الناخبين ولم يمضِ عليها وقت ليستريح الناس من صدمة تلك الحلقة، وإذا بِنا أمام حلقتين مسرحيتين تتجلى فيهما كرم التنازل عن مكتسبات الشعب وبعض من حقوقه، في الوقت الذي أعطى فيه الناخب ثقته في هذا النائب كي يُأَمِّنَ حقوقه ويصون المشروع الإصلاحي لجلالة الملك ويأخذ به إلى التقدم والرقي على دروب الديمقراطية وتثبيت المؤسسات ودولة القانون.
بكل بساطة ودون أدنى وعي أو اعتبار لفعلتهم رفع النواب أكفهم والابتسامة تعلو وجوههم وهم يصوّتون لصالح اقتراح بإلغاء «مجلس بلدي العاصمة» وإضعاف صلاحية السلطة التشريعية في آلية استجواب الوزراء، من خمسة أعضاء إلى ثُلُثَيْ الأعضاء أي 28 عضواً.
بالنسبة إلى «المجلس البلدي» والذي يعود تاريخه إلى العشرينيات من القرن الماضي، وبعد غيبة – تغييب – طويلة استطاع الشعب أن يعيد بث الحياة في المجلس البلدي الذي هو أحد أعمدة النظام الديمقراطي وله أهمية كبيرة لصالح المواطنين؛ لأن هذا المجلس هو أحد أذرع التعامل المباشر بين الشعب ومؤسسات السلطة التنفيذية من أجل خدمة المواطنين والعمل على صيانة وحماية البنية الأساسية في البلاد، ولا ندري أي منطق اعتمده أصحاب السعادة نوابنا الكرام للموافقة على إلغاء (قطع) ذراع فعّال من أذرع البناء الديمقراطي الذي مازال جنينياً في رحم المشروع الإصلاحي، وهم بفعلتهم هذه كمن يقوم بعملية الإجهاض في باطن الرحم بتقطيع أوصال المكون الحي الذي تنتظره أشعة الشمس والهواء المشبع بالأوكسجين كي يعيش ويعمل وينتج. وهكذا فليس هناك من تشبيه لفعلة النواب أقرب من كونهم قتلة الأجنة في الأرحام، وهذه الفعلة تعتبر جريمة في القانون الطبيعي الذي يؤكد على حق الجنين أن تنتهي دورته الجينية بسلام إلى مرحلة الخروج من الرحم إلى آفاق فضاء الكون الرحب للعيش بسلام والعمل بفاعلية خدمة للذات وللآخر وللمحيط الحاضن للحياة، ومن جانب اخر فإن هذه الفعلة هي بمثابة خيانة في حق الناخب الذي انتخب النائب وأوْكل إليه مهمة الدفاع عن حقوقه والعمل على توسيع دائرة تلك الحقوق وليس العمل في اتجاه مغاير لحقوق الناخب.
فهذا النائب يواجه تهمة جريمتين، جرم في مستوى قتل الجنين، وجرم خيانة الأمانة الموكلة إليه، وهاتان الجريمتان تسقطان كذلك على تصويت النواب على إضعاف آلية رقابية حساسة ومهمة وهي آلية استجواب الوزراء، إذ أن تصويتهم على زيادة عدد النواب الذين يحق لهم طرح موضوع الاستجواب من خمسة أعضاء إلى ثمانية وعشرين عضواً مما يعني أنه شبه مستحيل أن تتمكن آلية رقابية جوهرية من أداء مهماتها الرقابية، وهذه هي الآلية الوحيدة وبالكاد تكون مجدية لمهمة الرقابة على سير أعمال السلطة التنفيذية. وهكذا نرى أن نوابنا الكرام قد جعلوا من آلية الرقابة البرلمانية جسماً هامداً لا حياة فيه وليس باستطاعته لا أن يرى ولا أن يسمع ولا أن ينطق جثة هامدة أقرب ما تكون إلى الجيفة.
إنها جريمة أن يحال الجسم الحي الفاعل و المتمكن إلى جسم هامد خامل مشلول، وأنها خيانة عندما لا يلتزم النائب بحقوق وسلطة الناخب الذي أوكل اليه (النائب) هذا الدور الرقابي في البرلمان.
إن هذا المنحى غير الديمقراطي وغير الأمين من النواب يضع الناخبين أمام خيارين لتصنيف طبيعة هؤلاء النواب الذين كانوا في البدء موضع ثقة الناخبين. أحد الخيارين أن هؤلاء النواب وبكل بساطة لا يعرفون ما هو دورهم الحقيقي ولا هم بوارد فهم النظام الديمقراطي وميزان السلطة بين التشريعي والتنفيذي، وهذا الخيار في التصنيف لا شك أنه ينطبق على بعض النواب بينما هناك البعض الآخر والذي ينطبق عليهم الخيار الثاني، وهو أن من النواب من هم أهل خبرة وحملة شهادات مهنية وجامعية ويشدّك منطقهم عندما تصغي إليهم، وهذا النائب الواعي والفطن ليس بجاهل عندما ينحى في اتجاه مغاير لأسس الديمقراطية، بل هو في هذا المنبر الديمقراطي من أجل عرقلة مسيرة الديمقراطية وهكذا يحيل جلسات المجلس إلى صرخات مناكفة، وهو يعلم جيداً ماذا يفعل، وحوارات سفسطة، وهو يعلم جيداً ماذا يفعل، وطبعاً هناك الجلسات المحورية التي يتبارى فيها هؤلاء النواب، غير الديمقراطيين، من أجل تقديم التنازلات وتحريف المسار الديمقراطي عن خطه السليم.
وبفعل هؤلاء النواب أصحاب الأجندات غير الديمقراطية يحوّلون النشاط البرلماني الديمقراطي إلى نشاط مسرحي ويسدلون الستار بعد الجلسات جلسة جلسة، وتنتهي الجلسات المسرحية ويذهب كل نائب إلى بيته قرير العين مرتاح البال. إن هذا البعض الواعي في حقيقته لا يؤمن بالديمقراطية ولا يريد لها أن تتنفس، وهذا البعض قد أوصل نفسه إلى كراسي البرلمان حتى يفشل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ومن المحال وصف هذا النوع من النواب بوصف آخر.
وهناك الجامع المشترك بين أتباع الخيارين, فكلاهما قد مَسَّتْهُ نعمة التحول الطبقي ذات الدلالة المادية - المالية، فهم جميعاً من راتب الطبقة المنتجة والخدماتية إلى إمتيازات مالية ووجاهة توازي الطبقة البرجوازية المرفهة.
لهذا الجانب من التحول الطبقي أثره الصادم في النفس، وهذه الصدمة قد تخل بموازين العقل وتغمم البصيرة في معظم الأحوال، وقس على ذلك القدرة العقلية على العطاء ودرجة الاهتمام بالشؤون العامة، والركون إلى الراحة الكسولة والانكفاء عن تحمل المسؤوليات.
إن هذا العراك غير المجدي مع نوابنا الكرام يضعنا أمام استفسار كبير ومهم وهو: من يحاسب هؤلاء النواب على جريمتهم المتواصلة لوأد الديمقراطية وعلى خيانتهم لأمانة الشعب؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية