الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان بعد التفكيك

محمد عادل زكى

2014 / 7 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ما بعد الانفصال
من المفارقات أن البعض من الذين تباكوا، ولم أكن منهم، على انفصال الجنوب عن الشمال (لاحظ إنفصال عن الشمال وليس عن السودان وتلك هى اللغة السائدة بوجه عام) وقاموا بإعطاء دروس فى الوطنية والقومية، حينما بات أمامهم الانفصال حقيقة لا مهرب منها، إذ لا يرضى الجنوب بحاكمية الشمال، ولم يرفض الانفصال من الجنوب سوى 1% مقابل 99%، نقول إن هؤلاء قاموا بعمل الدراسات الموسعة التى تتعلق بأثر هذا الانفصال على الشمال(فقط)، من دون اعتناء بحثى علمى بالجزء الثانى الذى انفصل عن الوطن، فى تصورهم، وكأنه ذهب بصراعاته غير مأسوف عليه؛ فلقد أراح واستراح، من منظورهم، والقائمة طويلة.ولكن لن ننشغل هنا بمناقشة إشكالية الانفصال فى ذاته؛ إذ ما يعنينا منها هو الأثر الذى تخلفه هذه الإشكالية فى الشمال وفى الجنوب.
أثر انفصال الجنوب فى الشمال
من الأمور التى كانت واضحة للعيان أن الانفصال كان متوتراً، إذ صحبته، ولم تزل تصحبه عمليات عسكرية وانفلات أمنى كبير فى كل من الجزأين، وهو الأمر الذى سينعكس بلا شك على الأوضاع الداخلية فى كل من بلد الشمال وبلد الجنوب. وفى ضوء ذلك تظل هناك حزمة من الافتراضات يمكن النظر إلى مستقبل الشمال من خلالها، وهى تتلخص في ما يلى:
(أ) لن تجد المعارضة المتربصة،كالعادة، فرصة أفضل من تلك؛ فقد فشل النظام الحاكم بقيادة البشير فى منع الانفصال، وتلك فرصة مدهشة بالنسبة إلى المعارضة لإدانة الجبهة الحاكمة أمام الرأى العـام الشعبى داخـــل الســودان. الأمر الذى يســـرع من وتيرة الاستقطــاب السياسى بين المعارضة وحزب المؤتمر الحاكم.
(ب) بات من الواضح بعد انفصال الجنوب أن هناك ثمة أجزاء أخرى تعانى بسبب نظام الخرطوم، ومن ثم سيكون من لوازم الأمر زيادة الضغوط الدولية على السودان، فى مجالات التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ورعاية حقوق الإنسان، وتحقيق بنود اتفاقيات السلام، وغيرها، وذلك بقصد الضغط على الحكومة حتى تستجيب لمطالب الشرق وأهل دارفور وولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، أو يتغير النظام.
(ج) خروج نصيب حكومة السودان من عائدات نفط الجنوب، وهى تساوى حالياً حوالى نحو 80% من كل عائدات النفط، وهو الأمر الذى سيستتبع بلا شك انخفاضاً حاداً فى النفقات العامة التى هى متدنية فى الأساس، والتوقف عن الوفاء بالالتزامات الدولية، ناهيك بأن المديونية الدولية وتوزيع نسبتها بين البلدين محل إشكالات معقدة. وهو ما يعنى، من ضمن ما يعنى، عدم إمكانية حصول الشمال على قروض جديدة.
(د) سيؤدى ذلك، فى تصورى، إلى الدفع بالنظام الحاكم إلى محاولة إعادة فرض هيمنته على الجنوب، وبصفة خاصة أماكن النفط، وإنما بطريقة أخرى، لا تقل عسكرية بطبيعة الحال، أى بخلق بؤر التوتر واختلاق سبُل عديدة للنزاع تتيح له مساحة التدخل العسكرى، وبصفة خاصة فى إبيى، التى عادة ما يُقرن اسمها بعبارة "الغنية بالنفط".
(هـ) لن تكون زيادة نفقات التسليح، والدخول فى حروب(دولية) مفتوحة مع الجنوب، فى مصلحة نظام الخرطوم؛ إذ سيكون توقف الاستثمارات الأجنبية المباشرة هو الأمثل لجميع المستثمرين، على اختلاف جنسياتهم وتوجهاتهم.
(و) مع تردى الوضع الاقتصادى والخلل الطارىء فى الميزانية الاتحادية، لن تجد الخرطوم سوى زيادة الضرائب والرسوم الجمركية، وهى الزيادة التى من المؤكد أنه لن تصاحبها زيادة فى الأجور، وهذا يعنى زيادة العبء الحياتى اليومى على الطبقات المتوسطة والضعيفة التى ظلت تعانى لسنوات من الضائقة المعيشية، ولم تتحسن أحوالُها حتى بعد تدفق عائدات النفط، وسيُفضى ذلك إلى المزيد من الاضطرابات السياسية.
(ز) أعتقد أن انفصال الجنوب قد يغرى الشرق، كما يغرى الغرب، ودارفور تحديداً بالانفصال كذلك. الأمر الذى ينتهى بالخرطوم إلى عاصمة لدولة حبيسة.
أثر انفصال الجنوب فى الجنوب نفسه
الانفصال كان رغبة أكيدة لدى شعب الجنوب، ووافق عليه (99%) من هذا الشعب، لماذا؟ الإجابة على السؤال تحتوى الإجابة على سؤال مواز يتعلق بأثر انفصال الجنوب على الجنوب نفسه:
(أ) من الأسباب الرئيسية الدافعة إلى الانفصال، كما شهدنا، تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية التى يعانيها شعب الجنوب، على الرغم من أن الثروة تستخرج من أراضيه وعلى ذلك يرى الجنوب أن من مصلحته، بالانفصال، السيطرة المنفردة على ما فى باطن الأرض من ثروة فى سبيل تنمية ونهضة شاملتين، لاسيما أن إسرائيل والولايات المتحدة من أهم الحلفاء الراغبين فى تقديم ما يلزم من أجل تينك النهضة فى مقابل النفط.
(ب) الأمر الذى قد يشير إلى إمكانية إضافة دولة ريعية أخرى إلى قائمة الدول الريعية، مع اختلاف يتبدى فى الصعوبة الشديدة التى سيجدها أى نظام ديكتاتورى فى الجنوب يسعى للسيطرة على الحكم، فالجنوب مسيّس ومسلح وتاريخه هو تاريخ حروب، فالحراك الاجتماعى فى الجنوب يدور فى فلك الحرب؛ وما تحتويها من تناقضات.
(ج) أصدر البنك الدولى فى مايو 2012 تقريراً، لم يعد سرياً، يحذر فيه أن دولة جنوب السودان على وشك الانهيار. جوهر مشاكل جنوب السودان الاقتصادية هى الاعتماد المطلق على النفط ( يمثل النفط 98% من موارد الجنوب) ومن ثم الاعتماد الحتمى على الشمال كى يستطيع تصدير النفط. بالإضافة إلى ذلك فإن الجنوب على ما يبدو ليس منشغلاً كثيراً بتنويع اقتصاده بعيداً عن النفط. مثلاً، ما زال القطاع الزراعى بجنوب السودان يعانى ضعف الاستثمارات برغم من أن أكثر من 50% من مساحة جنوب السودان أرضاً خصبة وعالية الجودة، لكن فى موازنة 2012/2013 خصصت الحكومة 60% من نفاقاتها على الجهات الأمنية، بينما تم تخصيص 17% للزراعة ومشروعات البنية التحتية.
(د) فى ظل توحيد مختلف عناصر شعب الجنوب وقبائله (دنكا، شُلك، نوير، أزاندى،...إلخ) فى كيان سياسى متطور يجمع في ما بينهم، فربما تنبىء الأيام عن الحد من الصراعات الداخلية على الماء والكلأ، وتبلور نوع آخر من الصراع على صعيد مختلف يتبدّى حينما تنجح قوى اجتماعية معينة فى فرض سيطرتها على أرض الواقع على باقى القوى الاجتماعية.
مما سبق يتضح لنا إن الصراع الذى تم تسويقه عالمياً من قبل المؤسسة الإعلامية الغربية ليس صراعاً عرقياً، وإنما هو فى حقيقته صراع بين طبقات متفاوتة الحظوظ من الثروة والسلطة، وما الاشتباكات المسلحة إلا المظهر السياسى لهذا الصراع. الصراع الذى تكون قاعدته الاقتصادية مرتكزة على آليات تجديد إنتاج التخلف، ولا يأخذ المجتمع فى التطور والتغير إلا من خلال الصراع الجدلى على مستويين:
المستوى الطبقى: الذى يتجسد فى جدلية حرمان الطبقات الأشد فقراً من السلطة والثروة، بالتناقض مع تمتع الطبقات الأشد ثراءً بكل السلطة والثروة. ليس على صعيد الدولة "شمال/جنوب" فحسب، وإنما أيضاً داخل القبائل المتناحرة، وقد تُنتِج هذه الجدلية بعضاً من تنازل الطبقات الأعلى عن بعض السلطات، كما صرح البشير مؤخراً فى 28/6/2011 بأن منصب نائب الرئيس سيكون من حق دارفور بعد الانفصال، وكان رد دارفور جاهزاً، فالمسألة ليست متعلقة بموقع نائب رئيس وإنما هى أكبر من ذلك، وتتعلق بالثروة والسلطة وإنما بدءاً من إرادة تعاقدية حرة بين نظام الخرطوم وأهل دارفور.
المستوى الاقتصادى: الذى يتجسد فى جدلية "ارتفاع معدلات إنتاج القيمة الزائدة المتناقض مع الضعف المزمن فى أليات إنتاجها" وقد تُنتِج هذه الجدلية أيضاً بعضاً من التطوير فى حقل الصناعة والزراعة ونحوهما، كما تبدّى ذلك نسبياً فى المدينة الصناعية "جياد". ويرتبط بجدلية المستوى الاقتصادى على صعيد الاقتصاد الكلى جدلية أخرى تتعلق بتسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً إلى خارج الاقتصاد القومى، ويتبدّى ذلك بوضوح شديد حين النظر إلى جدول الصادرات والواردات بعد خصم قيمة النفط، وسنجد حينها أن هناك ثمة مليارات تخرج/تتسرب سنوياً من أجل شراء سلع (غذائية، واستهلاكية، وإنتاجية تتوقف عليها شروط تجدد الإنتاج القومى) تُنتَج فى الأجزاء المتقدمة فى معظمها: تلك المليارات هى القيمة الزائدة. إنها القيمة التى أنتجتها سواعد الشعوب الفقيرة فى الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر.
وإن التفوق فى المرتبة يكون للمستوى الأول الذى يُحدد شكل المستوى الثانى، ومستويات تطوره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن.. افتتاح أول مسجد ذكي! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. سفيرة فلسطين في فرنسا: حل الدولتين تدمره إسرائيل بشكل يومي




.. تقطيع أوصال الضفة الغربية المحتلة: قضم للأراضي وحواجز فصل تق


.. وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن يؤكد أهمية زيادة تكثيف المس




.. إسرائيل تنشر لقطات لاحتجاز حماس لمجندات وإعلان - اتخاذهن سبا