الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترجمة وفكرة الأصل

علاء عبد الهادي

2014 / 7 / 2
الادب والفن




ربما لا نختلف على أن العمل الترجمي ليس مجرد عملية ثقافية يُنقلُ من خلالها نصٌّ مكتوب بلغة معينة إلى أخرى, بل هو نشاط إنساني يُمارَس في سياق اجتماعي, وتاريخي, فلغة أي مجتمع ومصطلحاتها ليست بالضرورة مدونةً في مراجعَ, وكتب, ذلك لأن جزءًا مهمًّا منها كامن في محيطها الاجتماعي, وبيئتها الثقافية. فالترجمة ليست عملاً إبداعيًّا فحسب, بل إن الترجمة عمل بحثي أيضًا.
هناك من يقسم حقل الترجمة بعامة إلى تصنيفين كبيرين, الأول هو الترجمة المباشرة, والثاني هو الترجمة غير المباشرة, تضم الترجمة المباشرة, والترجمة الحرفية, والترجمة بالنسخ , والترجمة بالدخيل, أما الترجمة غير المباشرة فتضم الترجمة بالتحوير, والترجمةَ بالتكييف, والترجمة بالمعادل والمقابل, والترجمةَ بالاقتباس أو التصرف .
على مستوى آخر, هناك رأيان حول الترجمة؛ الأول قديم يرى الترجمة خيانة, والخيانة لا تكون موجهة إلا إلى أصل, وهذا ما يجعل من النص المترجم نصًّا تابعًا يسعى إلى الوصول إلى كمال الأصل, والرأي الثاني, وهو الرأي الذي أنحاز إليه, يرفض فكرة الأصل من أساسها, مؤمنًا أن الترجمة العلمية هي "فعل من الإبداع اللغوي الذي يزيد النص الأصلي غنىً, بدلاً من أن يخونه, فما يسمى نص المنبع ليس أصلاً على الإطلاق, ذلك لأنه تعبير عن فكرة, أي إنه ترجمة في ذاته, كما تذهب إلى ذلك عالمة الأدب المقارن سوزان باسينيت, أما النتيجة النهائية التي ننحاز إليها في هذا السياق فتقف مع فكرة إلغاء الفصل بين النص الأصلي والمترجم, بين ما يسمى الأصل أو المنبع, ونسخته, وهذا ما يخالف الرأي الذي يحدد مكانة ثانوية للترجمة, وهناك على مستوى آخر, علماء غربيون ينظرون إلى الترجمة بصفتها "فعلاً من الاستيلاء على القيم الثقافية الأجنبية, وغزوًا لأراضي العدو, يهدف إلى الاستيلاء على غنائم الحرب وثرواتها", وهو رأي العالم التشيكي فلاديمير ماكورا, وعلى الرغم من عنف التشبيهات في هذا الاقتباس فإنه يشير إلى أهمية النظر المسبق إلى هذه الغنائم قبل الاستيلاء عليها, أي إلى الرؤية الاستراتيجية لفعل الاستيلاء هذا
يخص حديثنا السالف الترجمة العلمية, فوقوفنا مع نفي أحادية المعنى لما يسمى النص الأصلي, أو المصدر, ونص المنبع, وما يؤَسّسُ على ذلك من شك في مفهوم الدقة من الأساس, التي تفترض تبعية النص المترجم إلى النص الأصلي, بناءً على افتراضها أن هناك معنًى صحيحًا لما يسمى المصدر, أو الأصل, لا يستقيم إلا إذا كان حديثنا يخص الترجمة العلمية, ولا يخص سواها, وللترجمة العلمية مدلولان؛ الأول, يرمي إلى ترجمة العلوم, أي أن صفتها تلك تستمدها من نوع المادة المنقولة عبرالترجمة, والمدلول الثاني يشير إلى الترجمة ذات المنهج العلمي, أي أن صفة العلمية جاءت بسبب منهجها, بصرف النظر عن نوع المادة المنقولة عبر الترجمة, وفي الواقع يجب أن يضم المدلول الثاني الأولَ دائمًا. أما ما أقصده بالترجمة العلمية فهي تلك الترجمة التي يتوافر فيها شرطان:
الأول أن يقوم بها مختص في الترجمة, يُتقن على نحو علمي, اللغة المنقول منها, ويملك ناصية اللغة المنقول إليها, وهذا ما يحمي روح النص, ويحول النص المترجم إلى عمل له تميزه مثل ما يسمى الأصل تمامًا, وينطبق هذا على الأعمال الإبداعية بخاصة, ولنتأمل مثلاً دلالة ما صرحت به الروائية الفرنسية ناتالي ساروت عندما سئلت عن رأيها في ترجمة أعمالها فقالت: "إنها عمل مختلف, له بعد آخر, وتشكلَ من مادة مختلفة بما فيها من محاسن ومن مساويء, وله حياة خاصة به, بل إن النص الذي كتبته يتراجع أمام ترجمته".
يشدّ هذا التناول انتباهنا إلى نقطتين؛ تتمثل الأولى في ضرورة إتقان اللغة التي يترجم إليها المترجم, فالترجمة القوية هي التي تمثل النص في زمنه, وفي مكانه, وفي انطباعه أيضًا. وهناك من يذهب إلى أنه "ليس المترجم هو ذاك القادر على نقل أي نص, من لغة إلى أخرى, وإنما هو ذاك الذي لا يترجم إلا نصًّا في علم متخصص فيه, كي يكون قادرًا على إدراك الخطاب الذي يتضمنه النص من خلال شبكة المصطلحات التي تصله بمراجع معرفية معينة, هكذا لا تكون الترجمة ذات وظيفة, أدبية كانت أو علمية, إلا إذا نزلت إلى حيزها الموضوعي". يرتبط هذا الشرط بقضية ضبابية مفهوم المترجم في مؤسساتنا, فقد باتت مصداقية المترجم في الوطن العربي معتمدة على نحو كبير على شهرته الإعلامية, و إبداعه الشخصي، و ليس على عمله الترجمي.
أما الشرط الثاني: فهو أن تتبع الترجمة منهجًا علميًّا على مستوى اللغة, وتضم فيما تضمه قضية المصطلح العلمي والمصطلح الأدبي, وترتبط بتعددية المعنى, وأحاديته, وذلك ارتباطًا المفردة. وعلى مستوى التركيب, وهو المستوى الذي يرتبط بعناصر الجملة كافة, وهو مستوى نحوي, وقد يكون دلاليًّا أيضًا, ويبدأ من الجملة انتهاء بالنص كله, بصفته وحدة لها بداية ونهاية, وذات منطق داخلي له شعريته التأليفية. ثم على مستوى الخطاب, وهي آخر مرحلة توليفية للترجمة, وفيها يتنقل المترجم من وضعه بصفته منتجًا للدلالة, إلى وضعه بصفته مؤولاً أوّلَ للنص, وهو الجانب التداولي الأول في الترجمة, الذي يعكس قدرة المترجم على تحليل النص, وإدراكه من الداخل, وهي مستويات مشتبكة فيما بينها, ومعقدة, وتتحرك بيسر من اللغة المنقول منها, إلى اللغة المنقول إليها..
هكذا, تتدفق الترجمة العلمية دائمًا في اتجاهين, من أجل هذا كان استخدام مصطلحات الأصل, أو المصدر, أو المنبع...إلخ. بلا معنى, وهو فهم للترجمة العلمية يحاصر علاقات القوة بين ما يسمى النص الأصلي, أو السيد, والنص المترجم, أو التابع..

* (ناقد ومفكر مصري)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس


.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام




.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس