الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مايا أنجيلو: الأيقونة السوداء

فيليتسيا البرغوثي

2014 / 7 / 2
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


مايا أنجيلو: الأيقونة السوداء
فيليتسيا البرغوثي
جلستُ أستعرض مؤلفات الأديبة السوداء مايا أنجيلو في مكتبة جامعة ولاية ميتشيغن شمال الولايات المتحدة؛ محاولة ترتيب أفكاري لعلني أنجح بصياغة مراجعة لأدب يليق بمسيرتها الكفاحية. قلبتُ صفحات مؤلفاتها الكثيرة واحدا تلو الآخر، وبات بين يديّ تجربة كاملة لإمرأة إرادتها من حديد.

عرّت أنجيلو حجم القبح والبشاعة التي عانى منها "السود التي تنتمي لهم حين تألمت روحها، وراقبت في طفولتها المبكرة الفصل بين البيض والسود، فسكنها الحزن، ولم تسعفها أسئلتها البريئة في إيجاد إجابة عن سؤال مفاده: لماذا؟
كان الفصل بين مجتمع البيض ومجتمع السود كاملا في بلدة ستامبس في ولاية أركنساس حيث عاشت طفولتها مع شقيقها "بيلي" برعاية "جدتها " آني هندرسون" ، بعد ان قرر والديهما الطلاق عام 1930. لتبدأ اكتشافاتها التي ولدت أسئلتها حول مجتمعها.

روت في مؤلفها الأول (أعرف لماذا يغني الطائر الحبيس) الذي صدر عام 1969 وسائل الايضاح التي تعرفت فيها على مجتمع البيض: رأيتُ لأول مرة سلات الغسيل التي كانت تحملها العاملات في بيوت البيض، اللواتي كن يتوقفن للاستراحة في متجر جدتي، نظرتُ بفضول الى محتويات إحدى السلال، ولاحظت أن رجالهم يلبسون شورتات قصيرة، كتلك الشورتات التي يرتديها عمي ويلي، وشاهدتُ أيضا أن حمالات الصدر للنساء البيض غير ملتصقة بفساتينهن، كما كانت تتردد الاشاعات، وتبين لي أنهم يرتدون ملابس مثل السود، واعترفتْ: "لم أمنع نفسي يوما من التفكير بهم كبشر".

كشفت في المؤلف الأول لسيرتها الذاتية التجارب والمشاهدات الخاصة بها منذ الثالثة وحتى الثالثة عشر من عمرها، وروت تفاصيل مظاهر العنصرية والعرق والاغتصاب. وبقي طيف الطائر السجين الذي يغني للحرية يسكن معظم كتاباتها فيما بعد.
صدر مؤلفها الثاني عام 1974 بعنوان (معا وجميعا باسمي) وجاء استكمالا تسلسليا للأحداث التي بدأتها في بلدة ستامبس، وخصصته لحكاياتها في ولاية كاليفورنيا حيث انتقلت للعيش مع والدتها. وصفته بأنه الأفضل والأكثر ألما وصعوبة. تزامنت أحداثه مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أرخت فيه لسنواتها الأولى كأم مراهقة لم تكمل الثامنة عشر، مصورة معاناتها وتنقلها من عمل لعمل من أجل تربية طفلها. هذا المؤلف كما وصفته هو دفعة أمل لجيل الشباب بكافة اهتماماتهم ورسالة مضمونها مقولتها الشهيرة " قد تواجهون هزائما كثيرة، لكن عليكم أن لا تهزموا".

الجزء الثالث من سيرتها الذاتية صدر عام 1976 بعنوان (غناء ومرح وميلاد سعيد كعيد الميلاد). فيه ردات الفعل المجتمعية التي واجهت أنجيلو بتجاربها المختلفة خاصة في أماكن العمل، كإفريقية سوداء، وكأم عزباء كمغنية وراقصة وأديبة ثم كزوجة ومطلقة، وارتباط كل هذه الحالات بقضايا العنصرية والجنس والعرق التي بقيت تلاحقها في كل تفاصيل حياتها.
وصدر المؤلف الرابع (قلب المرأة) عام 1981 رصدت فيه رحلتها من كاليفورنيا إلى نيويورك مع ابنها، ولقاءاتها بالكثير من الفنانين والمشاهير والأدباء السود والبيض، واحتوى على سرد تفصيلي لعلاقتها مع ابنها منذ طفولته ومراهقته وشبابه.
وحمل المؤلف الخامس عنوان (كل البشر يحتاجون أحذية للسفر) وصدر عام 1986، وقد رصدت فيه تفاصيل تجربتها في جمهورية غانا (افريقيا) التي كانت تفتخر بها جدا. وقالت عنها: "حين كان العالم مشغولا بتحسين التكنولوجيا كانت غانا مشغولة بتحسين إنسانية الإنسان."

المؤلف السادس صدر عام 2002 بعنوان (أغنية نائية للجنة) روت فيه تفاصيل معرفتها بمالكوم اكس، وعروضه الموثقة لها بالعمل معه في بناء منظمة الوحدة الإفريقية الأمريكية. كما تحدثت عن مشاعرها حين تم إبلاغها بخبر اغتياله. كما وصفت بحزن الحالة السياسية والأمنية المتخبطة التي كانت تعصف بالولايات المتحدة اللأمريكية.

المؤلف السابع والأخير جاء بعنوان ( أمي وأنا ) وقد صدر عام 2013 قبل أن يغيّبها الموت في الثامن والعشرين من مايو أيار الماضي. فيه كيف انتهت علاقتها مع والدتها فيفيان باكستر، علما أن الحديث عن هذه العلاقة بدأ في مؤلفها الأول، وكانت علاقة غير سوية ومشحونة وانتهت بعلاقة نموذجية اكتشفت فيها أنجيلو عظمة وقوة والدتها وفخرها بها.
أشارت فيه إلى بعض تكتيكات والدتها في التحايل على البيض وعنصريتهم،. وهذا حوار أوردته أنجيلو في أكثر من مؤلف ورددته أيضا في مقابلاتها المتلفزة، يظهر ردة فعل الأم حين أخبرتها ابنتها برفض قبول طلبها للعمل في شركة ريلوي بسبب عرقها:
الأم:هل تعرفين لماذا تم رفضك
أنجلو: نعم لأنني زنجية!
الأم: أما زلت ترغبين في هذه الوظيفة؟
أنجلو: نعم
الام: اذا اذهبي وانتزعي ما تحبين. تأكدي أن تكوني في هذه الشركة كل يوم قبل أن تصل السكرتيرات، وخذي معك كتابا من الكتب الروسية الكبيرة التي اعتدتي قرائتها، واجلسي هناك واقرئي. وفي استراحة الغذاء اذهبي للكافتيريا بعد ان يذهب الموظفين كافة، واطلبي أفضل أنواع الطعام، وعودي قبل أن تعود السكرتيرات لمكاتبهن، اجلسي من جديد وتابعي مطالعتك.
اتبعت أنجيلو تعليمات والدتها بدقة، وصمدت أمام سخرية الموظفات اللواتي سخرن من لونها وشعرها وأقدامها، وقد عرفت أنجيلو بعضهن، فقد كن زميلاتها في مدرسة جورج واشنطن الثانوية، وكانت تساعدهن بشكل يومي في حل وظائفهن المدرسية، كونها كانت الأكثر تفوقا، علما أن عدد الطالبات السود في هذه المدرسة، كان طالبتان إضافة إلى مايا أنجيلو، حسب ما أوردت في مذكراتها.
تابعت أنجيلو طقوسها الاحتجاجية السلمية بشكل يومي، وفي اليوم الخامس عشر، جاء رجل من المؤسسة لم تره من قبل :
ما اسمك؟
مايا أنجيلو
ما الذي تريدينه؟
أريد أن اعمل في الشركة
لماذا اخترت شركتنا؟ا
لأنني احبت الزي، وأحب الناس
هل لديك خبرات في هذا المجال
نعم (ولكن الحقيقة لا كما اعترفت لاحقا)
انتزعت الوظيفة، وفي اليوم التالي كتبت الصحف الأمريكية "مايا أنجيلو أول زنجية أمريكية تعمل في مؤسسة ريلوي".

رحلت قبل أن تكمل الجزء الثامن من سيرتها الذاتية، وكانت قد خصصته لتجاربها مع روؤساء أمريكا وروؤساء العالم، والكثير من المناضلين والمشاهير، تاركة مقولاتها تعيش في أذهان أجيال وأجيال.
أنجيلو المولودة في عام 1928 والراحلة عام 2014 هي كاتبة وأديبة وشاعرة ومغنية وراقصة وصحفية ومخرجة وممثلة ومدرسة للأدب الأمريكي، نالت أكثر من خمسين وساماً فخرياً، وحصدت مئات الجوائز، وأتقنت خمس لغات من بينهما العربية. صاحبة مؤلفات كثيرة، وأول ثائرة أمريكية افريقية تحتجز تفاصيل سيرتها الذاتية ومذكراتها بشكل أدبي في سبعة مؤلفات، لتكشف الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عصفت بالأفارقة منذ الثلاثينات. تمكنت ببراعة من عكس قيّمها في الحياة بعدد كبير من المجموعات الشعرية والأفلام والمسرحيات التي دوّنتها في ظروف مختلفة.

1960 التقت لأول مرة المناضل مارتن لوثر كينغ، قائد حركة الحقوق المدنية الإفريقية –الأمريكية، والذي عينها منسقة الشمال لقيادة مؤتمر المسيحية الجنوبي، كان لوثر دائما ممتنا لإنجازاتها، وطريقة تنسيقها للعديد من المشاريع، وأثناء عملها معه -كما أوردت في مذكراتها قلب امرأة- قامت بكتابة مسرحية (كباريه من أجل الحرية) التي نالت استحسان الجمهور، واستخدمت عائداتها لتمويل مؤتمر المسيحية الجنوبي، وتمويل حركة الدفاع عن الحقوق المدنية للسود. وكانت صدمتها لا توصف حين تزامن اغتيال كينغ في الرابع من إبريل لعام 1968 بيوم ميلادها ال الأربعين.
عام 1962 انتقلت مع ابنها وزوجها إلى القاهرة وعملت محررة في صحيفة المراقب العربي التي كانت تصدر بشكل أسبوعي باللغة الانجليزية في العاصمة المصرية أثناء الحقبة الناصرية. انتقلت مع ابنها إلى جمهورية غانا في افريقيا وعملت مدرسة للموسيقى والدراما في جامعة غانا، كماعملت محررة وكاتبة في صحيفة "غانا تايمز".
عام 1964 التقت بالمناضل مالكوم اكس، القائد والناشط في في الدفاع عن حقوق السود والأفارقة. عادت عام 1966 للولايات المتحدة لمساعدة مالكوم اكس في بناء منظمة الوحدة الإفريقية الامريكية. ولكن الرصاص الغادر عاجله وتوقف نشاط المنظمة التي حلم بها اكس.

أنجيلو منحها لونها "الأسود" بريقا أسس لمسيرة حياتها المضيئة، وبث النور في عتمة أيامها وأيام من يشبهونها. فانتصب قلمها كما قامتها شامخا محاربا كل من أراد اغتصاب ذاتها البشرية وكرامتها الإنسانية، لينتج أيقونة اجتماعية وثقافية وأدبية في المجتمع الأمريكي عامة، ومجتمع "السود" خاصة.

حياة مايا انجيلو وأدبها ورحلة كفاحها الموثقة بروح كلماتها، تحتاج أبحاثاً عميقة لترصد النموذج الحقيقي لإنسانة حرة واجهت ببطولة تفاصيل مسيرتها الصعبة؛ بحثاً عن قيّم الحرية والعدالة للإنسان، وبمواجهة العنصرية والكولونيالية والاستبداد.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة