الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرش الجنسي ممارسة اجتماعية يفاقمها غياب الأمن الاجتماعي

نورا جبران

2018 / 3 / 6
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها


بدأ الحديث عن التحرش الجنسي عالمياً منتصف القرن العشرين، بصفته ممارسة إجتماعية تنطوي على تمييز جنسي، ضد ضحايا التحرّش، والذي عرف في أواخر القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، حيث كانت الأميركيات الأفريقيات يتعرّضن للتحرش الجنسي والإغتصاب من قبل الأميركيين في العمل أو في منازل مخدوميهن.
وبعد أن تطورت محاربة التمييز ضد السود، بدأ الوعي الإجتماعي والقانوني يتشكّل بضرورة تشريع قوانين تقضي على أشكال التمييز، والتي لم تتضمن في بداية الأمر التمييز الجنسي، إلى أن جاء القانون في بداية السبعينات ليعتبر التحرّش الجنسي جريمة، بوصفه شكلاً من أشكال التمييز.
ويُعرف التحرّش الجنسي بأنه أي صيغة من الكلمات غير المرحّب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك الجسد أو خصوصية شخص ما أو مشاعره، تجعله يشعر بعدم الإرتياح أو التهديد، أو الخوف أو عدم الإحترام أو الإهانة أو الإنتهاك.
ويعتقد كثر أن التحرّش الجنسي مجرد عَرَض لحالة الكبت الجنسي التي يعاني منها المتحرَّش، أو إستجابة «طبيعية» للتعرّض للإثارة الجنسية، برؤية جسد المرأة، في حين أن الجنس لدى الأشخاص المتحرّشين لا يُعدّ تعبيراً عن الحاجة الجنسية، بل هو شكل من التعبير عن الغضب والسيطرة وتفريغ شحنات العداء ضد المجتمع، نتيجة اضطراب نفسي ينطوي على عداء للآخرين، فينتقم من المجتمع بأكمله من خلال ممارسة التحرش، والإنتقاص من المرأة.
ويتأتى هذا السلوك «ضد المجتمعي» بسب التعرّض للإساءة الجنسية أو النفسية أو الجسدية في مرحلة الطفولة، أو التعرّض للتعبئة الإجتماعية التي تقدّم المرأة كفتنة للرجل، وتابع ضعيف يمكن الرجل السيطرة عليه.
وهذا يقودنا إلى القول إن المتحرشين يختلفون نفسياً باختلاف دوافعهم النفسية والإجتماعية لممارسة هذا السلوك. فإضافة إلى أنّ بعض المتحرشين هم أشخاص مضطربون نفسياً يعانون من عدوانية تجاه المجتمع، ومن الإحباط الناجم عن عدم القدرة على تحقيق الذات، ومحاولة فرض السيطرة على من يعتقد المتحرش بأنه الحلقة الأضعف وهو المرأة، أو من يعانون من هوس جنسي مرضي، وفي هاتين الحالتين فإن المتحرشين يمارسون جريمة التحرّش في شكل دائم ومع أي أنثى بغض النظر عن لباسها أو سنها أو شكلها.
كما يمارس بعض المتحرشين تحرّشاً عرضياً، مرتبطاً بتوافر الضحية، وتوفر الغطاء المناسب للمتحرّش للنجاة بفعلته، كالتحرّش في أماكن الإزدحامات أو الإستفراد بالضحية في مكان لا يمكن كشف فعلته فيه، أو أولئك الذين يمارسون التحرّش لاستعراض فحولتهم أمام أقرانهم، ممن يشتركون معهم في فهم القدرة على التحرّش كشكل من أشكال الرجولة والقدرة على «التعليم» على الفتاة.
وفي المجتمعات العربية الذكورية، وفي دول كثيرة لا تهتم بالصحة النفسية أو بالأمن الإجتماعي كأولوية قصوى، ولا ترى المرأة سوى تابعاً للرجل، يُعتبر التبرير المجتمعي للتحرش الجنسي بأنّه ردّ فعل طبيعي لخروج المرأة وإختلاطها بالرجال وطريقة لباسها، وعلى رغم إنطوائه على مغالطات فجّة، فالتحرش يمكن أن يقع في البيت من قبل الأقارب، أو في المدرسة، من قبل المعلمين، أو في أماكن العمل.
ويعتبر هذا التبرير أسوأ محرّض على زيادة إنتشار هذه الجريمة، وإرتفاع معدلاتها، إضافة إلى غياب الرادع القانوني، والتساهل مع الجناة، وتعزيز فكرة أن المرأة ضعيفة ويمكن المجتمع والرجل استباحة جسدها.
كما أنّ هذا التبرير ينطوي على تناقض يمارسه المجتمع بأسره. ففي حين أنّ المجتمع ذكوري ويبرر تحرّش الرجل بالمرأة، بأنه ردّ فعل لسلوك المرأة ولباسها، كما في حالة مصر مثلاً، ويحمّلها مسؤوليته، إلا أنّه في الوقت ذاته يرى أنّ شرف المرأة هو جسدها، وشرفها هو شرف المجتمع.
ومصر كما يورد تقرير التنمية البشرية فيها لعام 2010، دراسات تعود إلى العام 2000، أي قبل الثورة بعقدٍ تقريباً، تفيد بأن 48 في المئة من المصريات بغض النظر عن الحجاب من عدمه، و51.5 في المئة من الأجنبيات تعرّضن للتحرش، ما يعني أن التحرّش بلغ ذروته إبّان الثورة، وأخذ أشكالاً جديدة، لكن وجوده كظاهرة سابق على ذلك.
إنّ ما يجري في مصر مما وصفته «هيومن رايتس ووتش» بعنف جنسي وبائي، نتيجة بلوغ التحرّش الجنسي فيها كما تفيد الأمم المتحدة نسبة 99.3 في المئة، وابتكار المجتمع أشكالاً غير مألوفة في إستباحة المرأة، كاستخدام العنف الجنسي وسيلة للإرهاب السياسي والفكري، وهو ما بات يُعرف بتسييس التحرّش الجنسي، يعدّ تعبيراً صارخاً عن قطع المجتمع أشواطاً بعيدة في تقبّل التحرّش وتبريره، ونتاجاً طبيعياً للمنظومة الإجتماعية والسياسية التي يغيب فيها منذ عقود دور مؤسسات الدولة في حماية الأمن الإجتماعي، لصالح الأمن السياسي، أدى إلى إنهيار المنظومة القيمية، والتســـويق الإعلامي المسعور لجسد المرأة كأداة للمــــتعة، وللمتحرّش كشخص «فهلوي»، واختزال شرف المجتمع في جسد المرأة، وتحريم بوح الضحية بتعرّضها للتحرّش، ووصف ضباط الشرطة للفتـــيات اللاتي يتقدمّن بشكاوى ضد المتحرّشين بأنهن يعانين من «عقدة» من الرجال، وفقاً لضحايا التحرّش اللاتي تقدمّن بشكاوى، وتبرير الأطفال للتحرّش، بلباس الفتاة ومشيتها، حسب لقاءات أجريت معهم بعد ضبطهم بالتحرّش.
والتناقض الذي يمارسه المجتمع بحرمان المرأة من أبسط حقوقها الجسدية والجنسية، متمثلاً في الختان الذي يعتبر من أكبر مشاكل المرأة في مصر، حيث يبلغ عدد من تعرّضن له 27.2 مليون، وهو أكبر عدد للنساء المختتنات في دولة واحدة في العالم، وفقاً لدراسة أجراها خبراء في جامعة الدول العربية، حيث يجرّدها المجتمع من رغباتها الجنسية ببتر أعضائها التناسلية، ثم يحمّلها مسؤولية التحرّش، وإستمالة المتحرّش بسلوكها، ورغبتها في الحصول على الفعل الجنسي بالتواجد في الإزدحـامات، على رغم أنها مختونة بلا رغبات، أو بطريقة لباسها على رغم أنها تعيش في مجتمع نسبة المحجبات فيه 80 في المئة، ونسبة المحجبات ممن يتعرضن للتحرّش الجنسي فيه وفقاً للمركز المصري لحقوق المرأة 72 في المئة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس