الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطوة يجب أن تكتمل!

الحزب الشيوعي السوري

2002 / 12 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

ليس صحيحاً ما يقال في بعض الأوساط حول المعنى الفردي لخروج رياض الترك من السجن، فالرجل لم يعد فرداً في الوعي العام. بل هو رمز ودور. خروجه من السجن ليس فقط شأناً فردياً يخصه، إنما هو شأن عام بكل ما في الكلمة من معنى؛ يجب أن يعطى دلالته الكاملة، كي لا تكون فوائده الوطنية محدودة، كما يريد تيار سلطوي يضيق ذرعاً بأي جديد حتى لو كان جزئياً وخجولاً ومتردداً.

ليس صحيحاً أن خروج رياض الترك كان لأسباب إنسانية، وأنه لا يرتبط بالظروف السياسية الداخلية والإقليمية والدولية. في اعتقادنا كان على الذين أعلنوا عن خروج رفيقنا من السجن، ونخص منهم وكالة "سانا" أن يضعوا المسألة في موقعها الصحيح. فليس عيباً التراجع عن الخطأ، والاعتراف بالمعنى الحقيقي لمبادرة في أهمية الإفراج عن رمزٍ وطني ديموقراطي مثل رياض الترك.والجميع ينتظر أن توضع هذه المبادرة رسمياً في السياق الذي تنتمي إليه فعلاً، هو سياق الانفراج، الذي يمكن أن يمنح بلدنا فسحة للراحة والتقاط الأنفاس في خضم الأخطار المحدقة بنا والتحديات المتعاظمة، ويخرجها من سياسات التلعثم واللجلجة والتردد؛ التي ترجع في الأساس إلى الرغبة بالتوفيق بين متناقضات لا يمكن تحقيقه، مثل الحفاظ على شكل النظام السياسي القائم والرغبة بالتخلص من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الشائخ والمترهل، أو الرغبة بتحديث وتطوير نظام تقادم به الزمن مع النظر إلى أي شيء على أنه يشكل خطراً عليه، أو الرغبة بتنفيذ الإصلاح بقوى ومراكز سلطوية هي في الأساس يقع على عاتقها ما وصل إليه المجتمع بوضعه الراهن، ولديها الرغبة الدفينة بإبعاد المجتمع عن أي إصلاح لكونه يهدد مصالحها. لذلك نرى أي إصلاح يقوم على عاتق مثل هؤلاء الذين يمجدون القديم، في الظروف الداخلية والإقليمية والدولية الراهنة، لا يمكن أن يكون تغييراً وطنياً وديموقراطياً شاملاً، ولا يخدم غالبية الشعب، ولن يجدد حياة الدولة والمجتمع على أسس ترتكز على المواطنة والحريات السياسية الديموقراطية، ولن يسهم في نهضة تقطع مع الفساد والتسلط والجمود، ولن يحول دون تغليب المصالح الفئوية والفردية على المصالح العامة.

ليس صحيحاً أن سجن الرفيق رياض طال فرداً لم يكن في الصميم من هذا كله، وأن لا علاقة لدوره فيه، وهو الذي تسامى على عذابات ماضٍ مرير، عانى منه أفظع ما تكون المعاناة، وتقدم بالنيابة عن التيار الديموقراطي بتصور تفصيلي حول تغيير وطني ديموقراطي عميق،يعيد سورية إلى سكة السلامة ويؤسس لخروج البلاد من مشكلاتها بمستوياتها المختلفة. هذا التصور لا يهدف بالطبع إلى إحياء رميم النظام والجبهة الوطنية التقدمية، أو إلى الإصلاح بأدوات السلطة وحدها، بل كان يهدف إلى إعادة بناء حياتنا السياسية على أسس جديدة، ترتكز على وحدة وطنية تنبثق من العمل على تنوع المجال السياسي وتعدد تمثيلاته الحرة، والسبيل إليها يقوم على حوارٍ وطني عام يشارك فيه كامل الطيف السياسي والثقافي وممثلو الطبقات والفاعليات الاقتصادية في المجتمع؛ ويتناول هذا الحوار الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في الوطن من كافة جوانبها، ليعيد إرساءها على أرضية مغايرة لأرضيتها الراهنة التي تأكد فشلها باعتراف مستويات مختلفة من السلطة.

لقد سجن رياض الترك على خلفية هذه المبادرة وما رافقها من تحديدات: مثل موضوعات التغير ومراحله، آلياته وخطط تنفيذه، حتميته باسم المصلحة العليا، وتحذير من يقف في وجهه بالعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على سلوكهم، والكلام على تغييرٍ ليس جزئياً أو محدوداً أو متردداً؟ فضلاً عن دعوته إلى فتح صفحة جديدة تنطلق من اعتراف السلطة بحاجتها إلى الإصلاح والتغيير من جهة، وقبول المعارضة بالحوار والمصالحة طريقاً للخروج من النفق من جهة أخرى، مادام الاعتراف والقبول من صلب الضرورات الوطنية، التي يجب على السلطة أن تسارع لتبنيها، وأن تعمل كل ما من شأنه أن يجعلها تفضي إلى واقع سياسي جديد، يطوي صفحة بات طيها يشكل اختباراً لجدارة الوطنية السورية بتمثيلاتها ومشاربها المختلفة، الرسمية أو غير الرسمية.

لم يضعف سجن رياض الترك موقعه الرمزي، بل عززه كثيراً. ولم يغيِّب دوره بل زاد من أهميته ومن الحاجة إليه؛ ولم يحجب أهمية ما اقترحه - مع غيره - من أفكار حول حاضر البلد ومستقبله، وواقع النظام وبدائله، بل عممه وزاده انتشاراً وتأصلاً في النفوس والعقول. فخلال عام وبعض العام من غيابه وراء القضبان، تعاظم مطلب الإصلاح قوة، وتعمقت الحاجة إلى التغيير، وتزايد عجز النظام عن الخروج من مأزقه، وعن إخراج المجتمع والدولة من أزماتهما المتفاقمة، وتعاظمت الحاجة إلى موقف نضالي وكفاحي كموقف رياض الترك من أجل وضع برنامج واضح ومعلن للإصلاح، وتحديد مراحله ونقاط ثقله ووسائله وأهدافه، والاعتراف باستحالة إعادة إنتاج النظام القائم، خاصة بعد أن ظهر بجلاء أن وعد الإصلاح ليس إصلاحاً. وإن نجاح أي إصلاح يجب أن يبدأ من السياسة وأولوية الديموقراطية، ويتطلب إحداث تغييرات عميقة في بنيان السلطة ووظائف مكوناتها، وعلى الأخص السرية منها التي تمسك بالقسم الأكبر من مفاصلها لتستخدمه في الدفاع عن مصالحها الضيقة والشخصية. وخلال هذه الفترة نفسها، برزت إلى العيان أيضا ضرورة وحدة المعارضة، وتوافقها على برنامج كهذا، باتساع طيفها وتنوع مكوناتها. إن مجتمعنا في سوريا بأمس الحاجة إلى إصلاح وطني/ديموقراطي تغييري شامل، بعد أن بينت تجربة السنوات الربعين الماضية فشل التسلطية كنزعة وتيار، رغم ما بلغته من تمركز وتغول وتغييب للمجتمع.

إن الإصلاح ليس مزاجاً ركب هذا الشخص أو ذاك، بل هو حتمية لا راد لها، كما قال الرفيق رياض الترك في محاضرته التي ألقاها في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديموقراطي. فالإصلاح الذي يقتصر على تجميل السلطة ويستهدف الحفاظ عليها لن ينجح، وكذلك الإصلاح الجزئي والمحدود والاحتيالي، مهما حافظ السلطويون على نفوذهم، ومركزوا وعززوا سلطتهم، لأنه لا يوجد في مجتمعنا قطاعات ذات وزن لها مصلحة في تأييد أي منهما. ولأن قطع الطريق على الإصلاح الخارجي المفروض يتطلب إصلاحا حقيقيا، يبدو مستحيلا بقوى السلطة وحدها، فلا بد من مواجهته بقوى مجتمع ودولة تحررا من القمع والاستبداد والفساد،وتحولا إلى حامل إصلاح تغييري أكبر من ثورة (الياس مرقص). ولم يعد هناك محل في حياتنا لنصف إصلاح أو إصلاح مجزوء ومحدود. ولا سبيل إلى قطع الطريق على إصلاح مفروض من الخارج بغير إصلاح وطني ديموقراطي شامل يساهم به المجتمع بكامل تياراته السياسية والثقافية، يرتبط به إلى حد كبير مصير وطننا وشعبنا.

لقد أكدت تجربة الحقبة التي غاب فيها الرفيق رياض وراء القضبان أن لا تكامل ولا تفاعل دون حوار، ولا حوار بلا مصالحة، ولا مصالحة دون اعتراف الجميع بالجميع، ولا اعتراف الجميع بالجميع بترك أبواب السجون مقفلة على المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والضمير، وإبقاء المجتمع مغيب عن شؤونه، والسلطة بيد الفاسدين.

بخروج رياض الترك من السجن، تكون البلد قد قطعت خطوة في الاتجاه الصحيح، لابد من خطوات أخرى من جنسها: تبييض السجون وإغلاق ملف الاعتقال السياسي بسبب الرأي، وإطلاق حرية التعبير والتنظيم، وإعادة الحقوق للمجردين من حقوقهم المدنية، ووضع حد للفساد والمفسدين بدل التعاون معهم، وتحويل الإصلاح من وعد إلى برنامج عمل معلن وصريح.

 

الرأي  نشرة سياسية  يصدرها الحزب الشيوعي السوري

العدد14/تشرين الثاني/ 2002

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|