الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القس إيميل حداد في ذمة الله

جهاد علاونه

2014 / 7 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


فجر هذا اليوم أبلغتني الدكتورة وفاء سلطان بخبرٍ سيء, قالت: لك عندي خبر سيء, قلت لها:وما هو؟ قالت: القس إيميل حداد توفاه الله, كانت مصدومة وصدمتني, كانت مفجوعة وفجعتني, كانت حزينة وكئيبة بسبب رحيل القس : إيميل حداد, وغادرتني وتركت ما بنفسها بنفسي, حزنت عليه حزنا كبيرا, فمنذ يومين اتصل بي على الهاتف من أمريكيا, ومنذ يومين كلمني وكلمته, آهٍ من هذه الدنيا التي تأخذ الطيبين من حولنا وتترك لنا الأشرار.

وهكذا تركنا مؤسس رابطة سفراء السلام, التي نذر نفسه لها لكي ينعم الكبير والصغير بالسلام وبالمحبة..وهكذا تركنا القس أميل حداد ورحل بعد أن قال لنا كلمته الأخيرة عن السلام , لم يستطع أن يحبس دموعه عن الذين يسقطون قتلى في كافة أنحاء العالم جراء الأخطاء والاجتهادات الدينية,كانت عيناه تذرف بالدموع على كل الذين يموتون يوميا في سوريا والعراق وفلسطين, كان لا يستطيع أن يخبئ دموعه عنا, سمعت نحيبه مراتٍ ومرات, سمعتُ البحة في صوته عشرات المرات, صحيح أنني لم ألتقي به شخصيا وجها لوجه,ولكنني لمحت ذاك الوجه من خلال كتاباته ونشاطاته السلمية, لقد كان يرى من الصعوبة بمكان تأسيس السلام بين الأديان السماوية ولكنه كان على الأقل مؤمنا بالسلام بين الأفراد والجماعات, كتحقيق أشكال التعاون بين المسيحيين والمسلمين من خلال خلق فرص عمل مشتركة بين الجانبين على أساس نسيان الخلافات الدينية والعقائدية, وتأسيس مشاريع ربحية بين اليهود والعرب لتخلق جوا من المؤانسة والإمتاع بينهما لكي يتمتع الجميع بالحياة ناسين خلافاتهما الدينية.

إن القس إيميل حداد ترك بصمة واضحة في عقولنا وفي قلوبنا ولو كتبت عنه عشرات المقالات سأبقى مقصرا بحق هذا الرجل الذي اقتحمت كتاباته حياتي كلها من كل الجوانب, إنه إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى وكان على أغلب الأحيان يعمل بالذي يؤمن به على عكس الناس أو غالبية الناس الذين يقولون ما لا يفعلون, لم يكن في يوم من الأيام منافقا بل مدافعا ومنافحا عن حقوق الإنسان وحق كل إنسان بأن ينعم بالحياة وبما لذ وطاب فيها, كان يدعو إلى نسيان الخلافات الدينية بين السنة والشيعة وبين البروتستنت والكاثوليك وبين المسيحيين والمسلمين وبين اليهود والمسلمين, وكان يرى أن هنالك أيضا صعوبة في الحياة بين الطوائف والمذاهب الدينية التي تنتمي أصلا إلى عقيدة واحدة ويرى أن حوار الأديان أصعب بكثير من حوار الطرشان, لذلك دعا إلى نسيان الخلافات الدينية بين كل المذاهب والطوائف والأديان لنتجه أو لتتجه جميع تلك الطوائف إلى نسيان الخلافات وتجاوز الصعوبات لكي يتطلع الجميع إلى حياة أفضل.

نشأ القس إيميل حداد في عائلة مسيحية متدينة جدا وكان أبوه وكافة أفراد العائلة جميعهم ناذرين أنفسهم لنشر كلمة الرب, كلمة المحبة والعدل والتسامح , وأصله من الأردن من مدينة(عجلون-عُرجان) وقد شهد في بيت أبيه منذ نعومة إظفاره الناسَ وهم يتجمعون للصلاة وللذكر, فأثرت فيه هذه البيئة تأثيرا واضحا سيطر على معظم تفكيره طوال حياته حتى بعد أن هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لينشط هنالك كما كان في الأردن.

إيميل حداد رحل عنا وترك وراءه رائحة الكتاب المقدس وحبه لتجميل صورة كل الأديان السماوية, كان يأخذ الجانب الإيجابي من كل ديانة ولا ينظر إلى الجوانب السلبية, رحمه الله, رجل يستحق الرحمة والذكر وسأذكر أنا تاريخ وفاته في كل عام لأقف على ذكرى هذا الرجل الذي حفر بوجداني وفي ذاكرتي صورة جميلة عن المسيحية وعن كل الأديان, هذا الرجل المتزن عقليا تشهد له كل جوارحي وعواطفي بأنها نبشها من الداخل, رحل عنا وترك وراءه رائحة العطر والياسمين, رحل عنا وبيده المصباح الذين ينير للعاقلين قبل الجهلاء الطريق, رحل عنا بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس بأفكاره ومعتقداته, كل من رآه أحبه,وكل من سمع به أحبه, وكل من صادفه في الطريق أحبه,وكل من ناقشه وجادله أحبه, لم يكن محبا للجدل كثيرا كان يختصر في كلامه لكي لا ينجرف وراء الخزعبلات والأفكار المتطرفة, رجل يحب الناس ولديه شهوة كبيرة لحب الناس,رجلٌ يؤمن بأن المحبة هي مفتاح السعادة,ويؤمن بأن التسامح مفتاح للمحبة وللسعادة, رجلٌ بكل المقاييس عرف الدنيا واختبرها كما اختبرته هي,لنطلب له الرحمة, ولنصلي جميعا من أجل أن يدخله الرب في ملكوته, لنصل له جميعنا مسلمين ومسيحيين لأنه أحب كل الناس,أحب المسيحيين وأحب المسلمين وأحب كل من يمشي ويدب على الأرض, لم يسمع منه أحد ولا أي كلمة نابية أو جارحة, لم نرَ منه جميعا إلا كل خير, ولم يكن يخبئ في قلبه ملا يظهره على قسمات وجهه ولسانه, وبكل الأسى والحزن ننعى فقيد الإنسانية القس إيميل حداد, ونطلب من الله أن يلهم أهله آل حداد الصبر والسلوان في داخل المملكة الأردنية الهاشمية وخارجها, ونتقدم بالعزاء من كل أصدقائه وخصوصا الدكتورة وفاء سلطان,وأعزي نفسي به وأطلب من الله أن يلهمني الصبر والسلوان على فقيد الإنسانية جميعا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: لم نكمل إزالة التهديد لكننا غيرنا مسار الحرب


.. عاجل | وسائل إعلام إسرائيلية: مقتل إسرائيلية وإصابة آخرين في




.. حرائق وأضرار في كريات شمونة والجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مس


.. ماذا تريد إسرائيل من ساحة غزة؟




.. لماذا مخيم جباليا؟