الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغربة تقطنني

جوزفين كوركيس البوتاني

2014 / 7 / 3
الادب والفن


كم من الصعب ان تكون غريبًا وأنت داخل بلدك، والأصعب ان تعاني ذل الغربة وأنت في قلب وطنك المسلوب، ولعل الكثيرين مثلي راودهم هذا الإحساس، ولكن أنا إحساسي مختلف؛ إنني أتعذب حد النخاع وينتابني شعورغريب تجاه نفسي، لدرجة اشعر معها بأن الغربة تقطنني منذ ولدت وأتخيلها جالسة فوق عرش قلبي التعب. أشبّه غربتي بامرأة ساقطة جاحدة، وأتخيلها متكأة على نافذة أوهامي وهي تدخن بصمت، كأنها تنتظر عشيقًا ما. وحالما يصل عشيقها، تسرع هي اليه وتعطيه كل ما تملك فقط كي ترضيه وتشبع غروره. آه، هذا ما تفعله الغربة بي...غربتي لعينة تمارس معي لعبة قذرة، ومن خلال لعبتها هذه، تذلني حتى أشعر بأن كل شيء حولي لا يخصني...

غربتي تحيط بكل جوانبي، حتى داخل قوقعتي ومع نصفي الآخر ومع ذاتي...آه كم انا تعبة...كم انا مثقلة...آه ياغربتي اللعينة، كفي عن تعذيبي ولو لبعض الوقت...!

أراها غير مبالية بي. كم هي أنانية. غرست أنيابها بي لدرجة جعلتني أحس بأنني لست من هذا الكوكب. كأني أخر مخلوقة من سلالة انقرضت نهائيًا ولم يعد لها وجود، لذا تراني أبحث عن من هم من فصيلتي ولكن دون جدوى...

أريد التخلص من تلك التي تدخن على حافة أوهامي، ولكن كيف؟ فأنا لا اعرف كيف أتكيف مع الظروف ولا استطيع تحمل ما يتحمله غيري ولا أجيد فن التغلب على الصعوبات التي باتت لا تعد ولا تحصى ولا اعرف كيف أمثل دور المواطنة "الحرة" وأنا سجينة...كيف أكون حرة وأنا مقيدة بأغلال ثقيلة تعيق حركتي؟ كيف أكون حرة وأنا غير قادرة على ان تمثيل دور المواطنة الصالحة التي منحها وطنها امنًا وهميًا؟ واي امن امنحه لذاتي وهي بحالة خوف وقلق وشعور دائم بعدم الاستقرار؟ وماذا عن عجزي عن اتخاذ اي قرار؟

كل هذه الأمور جعلتني اكتشف بأن وطني هو من يمد يد العون والمساعدة لغربتي..! بأنه هو من يقوي من عزيمتها في داخلي، وكم هو صعب أن يفرض الوطن الغربة عليك، والأصعب حينما يخيرك بين ان تقطنك الغربة أم تقطنها أنت...

وان كنا نعاني الذل داخل بلدنا، فما حال هؤلاء الذين يقطنون الغربة؟ ترى كيف تتعامل معهم؟ كيف يتحملونها؟ الغربة تستوطنني وتذلني وانا هنا في حضن الوطن، فكيف حال أمتي المبعثرة هنا وهناك؟ ربما هم ايضًا تراهم يمارسون الدعارة والعشق المزيف بين أحضانها الملوثة...وربما يتوهمون بأنهم جالسين على عرشها اللعين بانتظار يوم السعد الذي لا يأتي أبدًا...وربما سيهبون كل ما يملكون فقط لكي ترضى عنهم غربتهم...؟

آه لمن تقطنه الغربة والويل لمن يقطنها. لذلك شكرت غربتي وقدمت لها سيكارتها المفضلة وقلت لها: افعلي بي ما شئت...مارسي معي عشقك وتعسفك كما يحلو لك وامنحيني كل آلامك، أقطني فيَّ طالما شئت شرط ان لا تجبريني على ان اقطنك يومًا من الأيام، لأني لا أريد ان أمارس تلك اللعبة التي تمارسينها معي ومع عشاقك...لأني ببساطة امرأة تعبة والويل لمن يقطنك...والويل كل الويل لمن تقطنينه...!

كتبت بتاريخ 26-08-2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا


.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح




.. انتظروا الموسم الرابع لمسابقة -فنى مبتكر- أكبر مسابقة في مصر


.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل




.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت