الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكال الهوية ما بعد الاستعمارية

مالك الحافظ
كاتب وباحث

2014 / 7 / 3
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أفرزت العواقب الاستعمارية كما هائلا ومفجعا من التمثلات المنقوصة، تلك التي تتبدى في طريقة التعامل مع المنجزات المادية التي قدمها الغرب للمجتمعات التابعة، إنها المظاهر التي تبرز في المجال العمراني الهجين، في عربات النقل التي يتم وضع العلامات والملصقات الفظة عليها، في تناشز الأزياء، في الاستخدام الملفت للمزيد من المفردات الأجنبية ، بغية توكيد الأهمية والتميز على الآخرين، في البيروقراطية المفرطة التي تعم الإدارات الحكومية، والتي تصل إلى حد إذلال أصحاب المصالح، في بروز النماذج التي تتبنى نموذج الغرب وتهيم به وتستغرق بالنهل عنه،في غياب الوعي بالتحول الحضاري، وبالتالي في سوء التقدير المزمن للسياقات الثقافية، والذي ينجم عنه الصراع الحضاري.
ان التطلع نحو النهل الكثيف عن المناهج الغربية ، جعل النظرة إلى التراث تعيش حالة من الابتذال والدونية، ومن هنا استعر التنافس للحظوة برسم الحداثة، والتي راحت تعاني من الفهم المجزوء، لاعتبارات تتعلق باللحاق بركب الموضة، لتتحول مفردات ومفاهيم قيم الحداثة إلى مجرد علامات لغوية خالية من المضمون العميق، هذا بحساب توظيفها خارج السياق الذي صممت لأجله.لقد تفاقمت حمى التعالي على الثقافة الأصلية، حتى بلغت حد استبشاع الدرس التراثي الذي راح يعاني العزلة والارتهان ، هذا بحكم ظهور دور الجامعات في البلدان المستعمرة ، والتي ارتهنت إرادتها بالمناهج الغربية، بل ان مركب النقص راح يبرز في طريقة التقويم لجهودها الذاتية، من خلال النظرة الدونية لخريجيها مقابل الاحتفاء المفرط بخريجي الغرب.
ملامح التجميل للواقع كانت هي الأشد حضورا في البلدان المستقلة عن الاستعمار وذلك في ستينيات القرن الماضي، إلى الحد الذي راحت فيه ملامح المداهنة تتبدى في التداولات الثقافية، حيث الانبهار بثقافة العناوين اللافتة والشعارات البراقة، وبالقدر الذي يكون النسج وفقا للرؤى التوفيقية ، فإن ملامح الفرز الحدي، بين التقدمي والرجعي، المتقدم والمتخلف ، باتت تشكل حضورا بارزا في الحياة العربية ، إنه التشظي الذي يجعل من المواقف في أشد حالاتها انقساما، فالأنا يمثل المجمل من مرتكزات الهوية والأصالة والتراث العميق ، لا سيما على الصعيد الروحي، فيما يبرز حضور الآخر المتقدم والحديث والقادر على الانجاز، لكنه الموغل بالمادية والقهر والقمع والاستغلال.
تعكس حالة التأثير التي أبرزتها الحقبة الاستعمارية على الأمم والمجتمعات، في إبراز ملامح ثقافة ما بعد الاستعمار والتي تتداخل فيها فعاليات المواجهة بين سطوة وقوة الحضور التي أفرزتها حقبة الاستعمار ، والتطلع نحو الإفلات من هذه المؤثرات عبر السعي نحو تنقية النص من تراكمات الأنشطة التي قامت بها المؤسسة الاستعمارية، وعلى مختلف القطاعات والحقول المعرفية منها والثقافية.إنها الفعالية التي يتم فيها تحديد غاية الدرس وموضوعه والذي يتمثل في القوة الغربية ، تلك التي قيض لها أن تفرض قيمها ومثلها ورؤاها وتصوراتها وتحدياتها ورهاناتها على مجمل التفاصيل التي تزخر بها الحياة، وعلى هذا فإن مهمة قراءة ما بعد الاستعمار تنطوي على ( إعادة النظر) في المجمل من العلاقات والتراكمات والوقائع والأحداث والموضوعات التي أنتجتها العملية الاستعمارية.

المراجع:
*هنري إيكن، عصر الأيديولوجيا
*هربرت ماركوز، الثورة والثورة المضادة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم