الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية المُهاجرة

رعد خالد تغوج

2014 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تستنجد الهوية بكينونة مبتورة سواء كان ذلك عن طريق تاريخ شارد ومنزوع من حيثياته ، أو محاكاة صماء للآخر الذي هو الغرب في حالتنا، فإن نصاب الهوية يفقد شرطه الوجودي الأول وهو التطابق مع الآنا ، وبعيداً عن الحفر في الهوية العربية التي تحول الحديث الصحفي والعاجل فيها إلى منطاد تكفيه إبرة صغيرة لفضحه، فإن مفهوم الهوية بقدر ما يرتكز على غُباريات هشة وسديمية ، يُعاد تركيم الضبابيات حوله في زمن ما بعد العولمة ، كأن الطاحونة تنثر كل ما يدخل في جوفها ، وقد لاحظ أوليرش بك أن مجتمعات المواطنة والعمل المؤسسي لديها قابلية لتخطي البراديمات والنماذج التأطيرية ، وهذا ما يعني دمجها وتصديرها للعقل الجمعي والتي كان أخرها هو أفهوم العولمة والهوية بما جلبته من ضجيج وصخب امتزجت فيه الخرافة مع السرعة فكانت الأحكام جزافية ويقينية دون أدنى محاكمة نقدية أو واعية.

وفي سياق يمتلك رؤى وملامح مِجهرية للواقع تحدث روبرت فيسك عن الوعي العربي كبديل عن الربيع العربي ، وما يعنينا بهذه التفرقة تلك الحساسية النقدية التي تنطلق من خبرات فكرية على مستوى الإشتغال بالقوى المفهومية ، وهي قوى تسبق الإستدلال وتمهد له الطريق.
وإذا كان حصاد المفاهيم وسط هذه العشوائيات لم يدخل مرحلة السِجالات الفكرية وبقي رهين الصرف والنحو والتقعيد الأصولي، بحيث يتم الحديث عن الأسس الفلسفية للمواطنة والهوية والمدنية بطريقة شاعرية مسخت الشعر والفكر معاً رغم صعوبة فك الإلتباس بينهما في حساسيات مفارقة كنيتشه مثلاً أو فتغنشتاين.
ومن الهويات المُهاجرة ما يحمل معه متاع اللغة، وهذه حمولة يُضاف إليها شبح الجغرافيا والحدود معاً، إلا عند من ظن أن الهوية تُحمل بالحقائب وتنتظر صاحبها في المطارات أو على عتبات السفارات، رغم أن أصواتاً ناشزة عبرتْ الحدود ولم تُصب بفوبيا المرجع مثل أمين معلوف.
فموسم الهجرة إلى فرنسا عند معلوف لم يكن مناسبة ليُعلن أن وطنه وطنان، فقد كَوّنَ نفسه عربياً ولبنانياً قبل الهجرة، وتحصن بسمرقند والأندلس وليون الأفريقي قبل أن يُعايش الحي اللاتيني ونهر السين وباريس، فكانت الجدارية التي رسمها هوائية بإمتياز كوزموبلويتي.
وفي عناوين لم تفك المُلتبس بقدر ما ساعدت في أشكلته مثل ما حصل مع صاحب "عربي بين ثقافتين" الذي هو زكي نجيب محمود، وقعت الهوية في تخوم الثنائيات الكلاسيكية من قبيل الأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة، رغم أن فكر الأنوار بما حمله من ميكانيزمات لم يُهمل التراث بقدر ما استوعبه وبالتالي فتته من كًثر قراءته وتأويله، وهذه نظرية لأمين الخولي الذي صرخ يوماً بأننا يجب أن نقرأ التراث ونعيد قراءته ثم نعيد قراءته حتى يذوب بين أيدينا.
ورغم أن القرن العشرين هو موسم الهجرة الكبير عند الإنتلجنسيا العربية، وذلك إلى أيديولوجيات تنوعت بين دار التقدم الموسكفية وحلقات ميلتون فريدمان الليبرالية، إلا أنَ هنالك من كانت هجرته سرب من الترجمات ونقد النقد القائم على الوعي المُفارق للسائد، ورغم ظلف القراء وشظف التلقي في وطنهم الأم، استطاعوا أن يتحصنوا من ثنائية اللغة والهوية، وكان الاحتراز من الارتباط بخطوط ساخنة مع ثقافة مُقطعنة ومبضع النقد هو حصيلة وميزان في آن لصوغ هوية أصيلة في منفى مكاني وليس جغرافي أو تاريخي.
هذه الهويات لم تُسافر أو تهاجر في زمن التأشيرات وأجهزة الكشف عن الوطن والعرق، لأنها تخطتْ بوعيها النقدي البُقع كلها، ومثلما حلَّ ابن رُشد سفيراً في فرنسا اللاتينية وكان صوت "فصل المقال" يعلو السُحب القروسطية كلها، ومثلُه ابن سينا والفارابي والكندي وسائر السلالة ، بحيث كان تعاطيهم بضربات المطرقة مع اللامُفكر فيه في وطنهم الذي أصبح تسليمهم عليه وداعاً كما يقول أحد أبطال القومية العربية وهو المتنبي.
بين الهجرة وفائض الهوية التي هي شوفينية بمقياس أخر يقع الملكوت المنسي من أفهوم المواطنة وخيمياء الهوية التي لا ترى ولا تُلمس كالماء لأنها في صيرورة تربوية وثقافية متجددة على مدار اللحظة بفعل النقد والتجاوز وتصويب المسار رغم أن الفروق بين النفقين بارزة من حيث النهاية المجهولة بالنسبة للهوية المهاجرة لأنها لم ولن تعد بشيء ، والتربص من أول الكهف في ثقافة القطعنة والأحكام المطمأنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام