الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى بلاد العم سام (2)

سهر العامري

2014 / 7 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الى بلاد العم سام (2) سهر العامري
في اليوم الثاني من زيارتي لمدينة نيويورك نهضت مبكرا عند الساعة الرابعة صباحا ، ويبدو أن هذا النهوض المبكر سببه هو الفرق في الوقت ما بين القارة الأوربية ، والقارة الأمريكية ، فأنا لم اعتد بعد على العيش في مكان اختلف فيه زمان بزوغ الشمس وغروبها ، وهذه حالة تمر بكل العابرين الى المحيط الأطلسي ، ففارق الوقت بين ضفتي هذا المحيط قد يصل الى ست أو سبع ساعات تزيد أو تنقص حسب المكان الذي تنتقل منه في أوربا ميمما وجهك الى الشواطئ الأمريكية .
نزلت من غرفتي كي أتعرف على حركة الناس في باحة الفندق عند الساعة الخامس صباحا ، فوجد الكثير من النزلاء قد سبقوني الى الجلوس في تلك الباحة ، أو لإجراء بعض مما يتعلق بسكناهم مع ادارة الفندق ، ولهذا السبب عزمت على الخروج الى الشارع قبيل الساعة السادسة ، فوجدت المطعم ، الذي تناولنا فيه الافطار أنا وزوجتي في اليوم الأول ، مشرع الأبواب ، وقد سبقنا إليه بعض الزبائن ، وهذا ما جعلني أوقن أن هذه المدينة لا تعرف النوم ، فهي في حركة دائبة ، ليس في أيام العمل فقط ، وإنما حتى في أيام العمل والعطل الاسبوعية .
أول الناهضين من النوم في هذه المدينة هم الشريحة الرثة من الطبقة العاملة ، مثلما يسميها كارل ماركس ، هؤلاء الذين يتمثلون بعمال المطاعم والمقاهي ، وكذلك كناسي الشوارع الذي تعتمد عليهم بلدية نيويورك في تنظيف شوارعها التي لم شاهد فيها سيارة تنظيف خاصة ، مثلما عليه الحال في السويد التي تسخر شوارعها النظيفة من شوارع مدينة نيويورك المتسخة باستمرار ، ولهذا شاهدت أصحاب الحوانيت يهبون مبكرين لتنظيف ما يقع من الرصيف في مواجهة تلك الحوانيت ، وبخراطيم مياه تستمد مياها من حنفيات مياه تقف عند جدران البنايات التي تشتمل على تلك المحلات . ولا يفوتني أن أذكر هنا أن من بين الناهضين أولئك كذلك سواق الحافلات وسيارات الأجرة والعاملين في قطع التذاكر في محطات قطارات الأنفاق ، وسواق القطارات نفسها ، والذي جلب انتباهي هو أن هؤلاء العمال خاصة سواق حافلات نقل الركاب ينحدرون من أصول أفريقية سواء كان هؤلاء السواق رجالا أم نساءً ، فما شاهدت قط سائقا أبيض يقود حافلة من حافلات النقل العام ، ورغم أن المجتمع الأمريكي يحاول تخطي مشكلة " التمييز العنصري " بانتخاب الرئيس ، باركا أوباما ، الذي ينحدر من أصول أفريقية ، لكن تلك المشكلة لازالت مستحكمة بسبب من أن الأسر الفقيرة لا تستطيع إرسال أبنائها الى الجامعات الأمريكية التي تكلف الدراسة فيها مبالغ طائلة لا تقوى تلك الأسر على دفعها ، ولهذا يظل أبناء الأسر الغنية هم من يستحوذ على المراكز المهمة في الدولة والحكومة ، يضاف الى ذلك أن قضية التمييز العنصري لا يمكن حلها بسهولة بسبب من أنها لصيقة بالانقسام الطبقي في المجتمع الأمريكي ، وهذه القضية تشكل مظهرا من مظاهر مساوئ النظام الرأسمالي.
سارعت الى محطة قطار الانفاق القريبة ، وركبت القطار رقم واحد على الخط الاحمر ، وهو ذات القطار الذي يحملني الى الحي الصيني أو شارع القناة (Canal Street) والذي صرت أذهب إليه فيما بعد ، ومن ذات المكان بالحافلة رقم (20 ) بدلا من قطار الانفاق المشار إليه ، ولكن في هذه المرة علي أن اتجاوز تلك المحطة بعدد قليل من محطات التوقف والى أن يصل بي القطار الى محطة وقوفه الأخيرة ، وهي المحطة التي تدعى ساوث فري (South Ferry) ، واسم هذه المحطة يتعلق بالسفن البخارية أو العبارات التي تنقل السياح من سواحل مانهاتن (Manhattan)* والى جزيرة الحرية حيث ينتصب فيها تمثال الحرية الشهير .
حال خروجي من تلك المحطة صرت أمام حديقة فسيحة يخترقها طريق ضيق يؤدي الى أماكن قطع تذاكر ركوب العبارات تلك ، قطعت تذكرة لركوب واحدة من السفن الصغيرة المصطفة على ذلك الساحل بقيمة ثمانية عشر دولارا ، وهذا المبلغ على صغره يشكل ثروة طائلة ، ودخل عظيم للولايات المتحدة الأمريكية ، فقد بلغ إجمالي ما جنته الولايات المتحدة الأمريكية من السياحة للسنة الماضية 2013م هو 7ر180 مليار دولار ، إذ دخلها في هذه السنة أكثر من سبعين مليون سائح ، وهذا ما حدا بالرئيس الأمريكي ، باراك أوباما ، الى أن يطالب بتسريع اجراءات اتمام معاملات المسافرين لدى وصولهم الى المطارات بهدف تشجيع المزيد من السياح الأجانب على زيارة الولايات المتحدة ، ومن أجل إنعاش الاقتصاد الأمريكي ، وقال ما نصه : "اريد ان ننتقل من السبعين مليون سائح الذين جاؤوا العام الماضي الى مئة مليون سائح سنويا بحلول مطلع العقد المقبل".
وقفت برهة على الساحل قبل ركوبي السفينة ، وهو ذات الساحل الذي نزل عليه المستكشف الأول له ، الإيطالي جيوفاني دي فيرازانو في عام 1524م ، ثم أعقبه الانجليزي هنري هدسون الذي وصله في 11 سبتمر 1609م ، وكان يعمل لحساب شركة الهند الشرقية الهولندية ، وعلى إثر ذلك أقام الهولنديون مستعمرة فراء تجارية في ذات المكان سميت " بنيو أمستردام " وكان ذلك سنة 1625م ، وبعد أن قام مدير تلك المستعمرة ، بيتر مينوت ، بشراء جزيرة مانهاتن بحلى وخرز تعادل قيمتها 24 دولارا من الهنود الحمر سكانها الأصلين الذين لم أرَ وجها من وجوههم لا في مانهاتن ، ولا في المناطق الأخرى من نيويورك ، وذلك بسبب من أن القوات البريطانية أبادتهم إبادة تامة بعد أن طردت الهولنديين من تلك الجزيرة ، واستولت عليها في شهر تشرين الأول " اكتوبر " عام 1664م .
من هذا الساحل وحتى جزيرة الحرية "Liberty Island " تفصلك مسافة تستغرق ابحارا دقائق معدودة بإحدى السفن البخارية الراسية عند الساحل الذي يبعد عن تلك الجزيرة كيلومترين ونصف ، وحال وصولك رصيف الرسو على تلك الجزيرة الغير مأهولة يشمخ أمامك تمثال الحرية " The Statue of Liberty " ، الذي كان مقدرا له أن يقف على ضفاف قناة السويس في مصر ، وذلك حين بادر الفنان الفرنسي فريدريك بارتولدي سنة 1869 م بتصميم نموذج صغير لتمثال يمثل سيدة تحمل بيدها مشعلا ، وقام بعرضه على الخديوي إسماعيل كي يتم نصبه في مدخل قناة السويس التي أفتتحت في ذات السنة ، لكن الخديوي إسماعيل اعتذر عن قبول اقتراح بارتولدي نظرا للتكاليف الباهظة التي يتطلبها هذا المشروع ، حيث لم تتوفر لمصر السيولة اللازمة التي تغطي تكاليف انجاز هذا المشروع خاصة بعد أن انفقت الدولة المصرية أموالا طائلة على حفر القناة ثم على حفل افتتاحها.
كانت الجمهورية الفرنسية الثالثة (1870-1940) تتملكها فكرة إهداء هدايا تذكارية لدول صديقة عبر البحار من أجل تأصيل أواصر الصداقة بها ، لذلك تم التفكير في إهداء الولايات المتحدة الأمريكية هذا التمثال في احتفالات الذكري المئوية لإعلان الاستقلال ، والتي يحين موعدها في 4 من تموز " يوليو" سنة 1876م ، ويبدو أن الحافز الآخر ، الذي دفع الفرنسيين لتقديم هذه الهدية للولايات المتحدة الأمريكية ، وبمناسبة الذكرى المئوية لنجاح الثورة الامريكية التي قامت ضد بريطانيا ، هو مساهمة الجيش الفرنسي المتواجد على الأراضي الأمريكية في نجاح تلك الثورة حين نشبت في 19 أبريل 1775م ، واستمرت ثماني سنوات ، انتصرت في 3 سبتمبر 1783م عند توقيع معاهدة باريس بين بريطانيا والولايات المتحدة التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة ، وكما أن هذه الهدية هي كذلك نكاية بالبريطانيين الذين دخلوا في حروب طويلة مع الفرنسيين في تلك السنوات ، خاصة حرب السنوات السبع التي امتدت ما بين سنة 1756-1763 م ، وكان من بين أسبابها التنافس الاستعماري ما بين فرنسا وبريطانيا على الثروات الطائلة في أمريكا الشمالية.
نزلنا أرض جزيرة الحرية ، ثم طفنا حول التمثال وقاعدته التي صممها المعماري الأمريكي ريتشارد موريس هنت" Richard Morris Hunt " وانتهى منها في آب من العام 1885م ، وقد أخذت القاعدة تلك شكل نجمة من عشرة رؤوس ، لكن الذي يراها أول الأمر يظن أنها نجمة داود المعروفة ، وهذا ما يحمل المرء على الاعتقاد من أنه قد يكون لليهود في مدينة نيويورك ، الذي يبلغ تعدادهم الآن حوالي ربع سكان المدينة ، والذي يزيد عن ثمانية ملايين نسمة ، مساهمة مالية في الحملة التي جمعت بها أموال تصميم وبناء تلك القاعدة ، بينما تحمل الشعب الفرنسي تصميم وبناء التمثال نفسه ، وبعد سنوات من عمل متواصل تم الافتتاح الرسمي لهذا التمثال في 28 تشرين الأول " أكتوبر " 1886م .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* مانهاتن " Manhattan " تعني بلهجات الهنود الحمر ، سكانها الأصليون ، جزيرة التلال او الكثبان الرملية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط


.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم




.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة