الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أربع قصص قصيرة جدا

ناصرقوطي

2014 / 7 / 5
الادب والفن


ذكرى

مرة.. عند ناصية لجسر صغير، ليس بعيدا عن بيت الطفولة، قرب النهر وبين حبيبات رمل الجرف حفرت حفرة صغيرة ودفنت فيها قلامات أظافري، غرست في قلبها شاهدة بيضاء كشراع صغير، ريشة من جناح نورس كان قد نفق على الجرف. كانت كلمات جدتي لما تزل تتصادى مرتعشة وهي تنهي حكايتها /إنها جزء منك فادفنها كان الصوت يرن بأذني فحفرت بأنامل طفل صغير قبرا صغيرا وواريت فيه الأهلّة الصغيرة، حتى إذا عدت لاهثا بكل مرح الطفولة عرفت بأن جدتي تلفظ أنفاسها الأخيرة فيما اختنقت باحة البيت بوجوه غريبة. حين حل الغروب حملوا الجنازة وخلا البيت وألفيتني وحدي لاهثا مرة أخرى إلى الجرف، وهناك، هناك فقط كانت مياه النهر تجري على غير عادتها وهي تجرف القبر الصغير مع الشاهدة، ومنذ تلك اللحظة التي غدوت فيها وحيدا بدأت أقص الحكايا لنفسي، وغدا كل شيء حنظلا وبمرارة الذكرى البعيدة التي لن تعود، ولن تعيد لكهولتي براءتها الأولى التي دفنت هناك، عميقا في رمل الذاكرة الهرمة، التي ما زالت تذرو رمال حكاياها ـ وبكلمات باردة ـ بحثا عن ذلك الطفل الذي لن يعود.




تردد...

أعرف البنائين الفقراء..!.. مؤجري السقالات الحديد، الذين يفطرون بالبصل وكسرة خبز وكثير من الأحلام وأكواب الشاي والسجائر ليعودوا إلى ذويهم بلقمة تقيهم التسول، كما أعرف أغنياء الساسة الذين يروّجون للفرقة والذبح. أعرف طيبة وعوز جميع القصاصين والشعراء وهم يستدينون علبة دخان وصحيفة، وبحذاء مثقوب يدوسون الوحل في أزقة "البجاري" والطرق الأخرى التي يلثمها الغبار ويدفعون بكلماتهم دون مقابل، بكثير من الصدق وعناد الطفولة ليتحدوا الظلام. أعرف كل الذين يفتتون الأحلام من حولنا..!.. وأعرف جيدا جميع الجدران والسجون بدءا من قلاع أقنعة الحكام العروبيين وسرير الزوجية حتى الوظيفة وانتهاء بالأصدقاء. ولكن لم يتسن لي يوما إحصاء الجدران التي تتصاعد في داخلي والسجون التي تصفق أبوابها في وجهي، وتمد قضبانها لتطبق عليّ بين لحظة وأخرى، وتوقف جلاديها على شرفات أحلامي وتهب للشرطة السبق بأن يصرخوا بي: حذار أن تتقدم أكثر..






أمنية...

منذ أعوام خلت، قبل أن تطلي الأعوام رأسي بالفضة، كنت أنهض كل ليلة وأضيء سراج ضوء لأمي العليلة، وهي تثقل رأسها المثخن بالرؤى وتهمس مع نفسها ( ماأسرع أن تداهمنا الشيخوخة.) كنت أضحك في سرّي ولسانها يبسمل ويلثغ بالدعاء فيما تتعثر بأطراف ثوبها الأسود الطويل. والآن حين عبرت الخط الأحمر لصراط الشباب أصبحت أدرك مغزى كل كلمة كانت تفضي بها وكيف تتسرب الأعوام وتفر عصافير الأحلام من حضن أقفاصها الدافئة لتترك بقايا رفيف أجنحتها على ماخلفته من ريشات صبوتها ، حتى بت أحلم بالرجوع إلى الوراء عسى أن تكون الأعوام التي مرت تعادل ماتبقى من رماد السنين التي قد لا تجيء.





تيـه...

ما أوحش أن تخذلك الكلمات ويغلّفك وهن التعبير عما يدور في بالك ومن حولك، فيما يشرئب من قلبك ذلك الطفل العنيد، الذي يستفزك كلما حاولت نسيانه وهو يمد أصابعه الرقيقة إلى الورقة ليصنع منها زورقا يبحر فيه , يلقيه في اقرب نهر ويسافر , وحيدا , بعيدا عن كل أقنعة الوجوه. تكاد تقنعه , تفهمه ألا جدوى من الرحيل فكل المسافات قحط، وكل الدروب لا تفضي إلا لرحيل، حتى الكتابة ماعادت تفضي لشيء إلا لبوح ذليل، بينما الطفل لايني يهمس إليك وقد أدركه وهنك وفضض هامته عذاب الطريق... ( علام إذن تسوّد وجه بياض الورقة، ولم يبق من العمر ما يغري ويستحق عناء الانتظار..!! ).. ( ولكن ماذا سأصنع بما تبقى من سنين غير تيهي وترحالي في هذي السطور، ماذا تبقى سوى أن أحلم، وهل هنالك من بديل..!! ).. قلت ذلك وقد أطرق في جفول ثم همس من جديد.. ( لاشيء سوى الرحيل، سأظل أقولها، حتى تعود لرشدك، دع أكذوبة الكلمات التي لم تفض بك إلا لسوء المصير.. ألا ترى مافعلت بك حصباء السنين، فما الذي يؤنسك هاهنا غير ماتبقى من وحشة الدرب الطويل، طريقك الذي ضل تحت أقدام القساة من العابرين، وليس أمامك من خيار.. ).. و.. رأيت أصابعي _ على حين غرة _ تتسلل خلسة للورقة، تطويها باحتراز من كل زاوية لتصنع منها زورقا، وتظل عيناي ترنوان للطريق، تبحثان عن بركة أو نقعة ماء ولكن..!!.. كان كل من حولي وماحولي يكتفه العراء، وقد تاه مني الأثر والطفل الدليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_