الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منزلنا الريفي (53)

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2014 / 7 / 5
الادب والفن


يوم انتحرت طفوليا

الانتحار الأول
يوم اندسيت بين القطعان البشرية، وهي تهتف احتفاءا بالعامل الجديد، كان يقطع أرض كرزاز، كنت منتشيا انتشاءا مخدوعا، كنت أعمى، ولم تر أن تلك القارعة التي كنت تقف عليها، كانت مثقوبة بالحفر، والمدرسة التي خرجت منها، كانت مظلمة كالسخام، لم تكن تتوفر على ماء أو كهرباء، بل حتى كرة محشوة بالهواء، ليفرغ رفاقك التلاميذ مواهبهم وطاقاتهم المتفتقة بالحياة . نسيت أيها المنتحر أن ذلك العامل شيد سدا من عرق الكادحين، بل أكثر من نصفهم قضى نحبه، ومات ظلما، فطمره الزمن مع الغابرين، بكل تأكيد نسيت ذلك، لقد تشربت العقلية القطيعية، بدءا من اللعاب الذي سال في حضرة الانتظار، والهتاف الذي تزامن مع المرور، كنت ولم تكن، فبين القطيع لا يمكن أن نميز بين القطيع والقطيع، فكل شيء ينتمي إلى القطيع .....

الانتحار الثاني

في ذلك العرس المثخن بالكذب، وقف الفقيه كعادته وراح يتوسل إلى السماء، والدموع المنافقة تنهمر من عينيه الخائنتين، كنت تنصت إليه، فلم يتوان في الدعاء للكافرين بالعذاب المحيق، وللمؤمنين بالنصر المبين، كان يكذب كعادته حينما تهجد للسماء قائلا بأن المسلمين مظلومون في هذا العالم، وأنهم يخضعون للمؤامرة، لكنه تعمد عدم القول أن المسلمين يتآمرون على أنفسهم، وراحوا يمجدون حقوق الله على حساب حقوق الإنسان، فطاقات الإنسان وعظمته لا تساوي حتى حشرة في عقلية المسلمين الموسومة بالنفاق والقتل والهدر والإعدام وقطع الأيادي والسحل والجلد والرجم ...
لقد تعمد هذا الرجل المهجوس بالموت عدم قول الحقيقة، ففي نظره أننا أمة متكاملة حباها الله بالإسلام، ولكن هذا لا يوجد إلا في خيال من يعنعون ويحمدلون ويبسملون بالترهات الفارغة، ويكفينا تحديقا في وطننا العربي لنرى الصراع الديني الذي مصدره الدين ساهم في حرق الطاقات الإنسانية العربية، وسالت بسببه أنهار من الدماء، وعاشت أجيال معتوهة لا تجيد سوى التسبيح والتحميد، ولم تفكر يوما في الواقع بالجدية المطلوبة، فكيف تفكر في ذلك وعينها في السماء معتقدة كل طائفة أنها من الفرقة الناجية، بينما الفرق الأخرى من الضالين ؟؟!! إن الدين هو المصدر الحقيقي لكل هدر يطال الكرامة الإنسانية، ولا أعتقد أن هذا الفقيه القروي يريد فصل الدين عن الدولة، أي فصله عن الحياة اليومية، فبه يقتات، وبه يمتص دماء الكادحين، والأمر ينطبق على كل الفقهاء الذين يستحوذون على الشاشات حاثين الناس على الجهاد، ومتهمين المفكرين بالمروق، فهؤلاء يشكلون ما يسمى بمحاكم التفتيش العربية، بفتاويهم الفارغة، فيفكرون محل الناس، ويقودون الشعوب العربية نحو القرون الوسطى ماكثين فيها أبد الدهر، وكأننا تقدمنا ووصلنا إلى الازدهار بنعمة الإسلام، ولكن هذا لا يعدو هراءا، فالإسلام بات عائقا أمام أية نهضة ممكنة، الأمر الذي يستدعي فصله عن الحياة العامة، وهذا يتيح لنا تقويض سلطة رجال الدين في تكفير المفكرين والعلماء والفلاسفة، عندئذ سيصبح الدين مسألة شخصية تخص الإنسان وحده، فالإنسان يتميز بالعقل، لذا فهو المسؤول عن دينه، ولن يكون مسؤولا أمام أي شخص آخر، فلا أحد يمكن له أن يحدد له درجة إيمانه، على اعتبار أن الإيمان رعشة روحية خاصة، ولا يمكن أن يكون محكوما من لدن مؤسسة سياسية معينة تتسم بطابع عام، ومن ثمة فهذه ضربة قاصمة لسلطة رجال الدين الذين لطالما عنعنوا قائلين أنهم هم المسؤولون عن العقيدة ذارفين دموع التماسيح، بأي منطق يذرفونها وهم يستغلون إيمان المسلمين، فراحوا يمتصون دماءهم بلا رحمة ساحلين أجسادهم، قاطعين أياديهم، وجالدين نساءهم، ومدعمين الاستبداد السياسي، وهو يراكم الثروات باعثا إياها صوب بنوك سويسرا، والشعوب تتضور جوعا، بينما الملوك يذهبون إلى جزر مالديف، وإلى جبال الألب ...من أموال شعوب تتضور بؤسا وفاقة، إن الدين يحث المسلمين على الخنوع، وعلى طاعة ولي الأمر، ولا يجوز محاسبته درءا للفوضى، لكن أليس كل هذا هو الفوضى بعينها ؟ إن الجماهير المغبونة تعتقد أن ولي الأمر هو حاميها، ومجنب إياها عذاب الدنيا والآخرة، ولكن هذا لا يوجد إلا في الخيال، إنه أسلوب من أساليب التعمية، فنظرا لبؤس الواقع، تلجأ القطعان البشرية إلى الاستيهام، فنجدها تتعلق بالإله جلادها الأول، وبالسلطان جلادها الثاني، إنها تذوب فيهما كسلوان وهمي لتحافظ على حياتها البئيسة، وهذا ما نجده حاضرا في الوطن العربي، فالشعب المصري تعلق بالسيسي بحثا عن خلاص وهمي، ولم يستمر في ثورته حتى يكون هو سيد هذه الثورة مختارا في ذلك الرئيس الذي يخدم مصلحته، ويبقى هذا المثال منطبقا على كافة الشعوب العربية القطيعية ..

الانتحار الثالث

انتهى الفقيه من تضرعاته، فخرجت شاة من القطيع، فصاحت :
نسيت كل شيء من توسلاتك كلها، فأنت لم تتضرع إلى السماء من أجل راعينا المبجل .

ع ع / المغرب – 05 يوليوز 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده