الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نحتاج إلى وثيقة جديدة لحقوق الإنسان!

علاء عبد الهادي

2014 / 7 / 6
حقوق الانسان



تميز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عما سبقه من الجهود الدولية بشموله, واهتمامه على نحو خاص بمسألة حرية الإنسان, جاء الإعلان في أعقاب حربين عالميتين عانت البشرية من ويلاتهما معاناة شديدة, وقد نظر الإعلان إلى الفرد بوصفه فردًا مطلق الحرية, يسبق وجوده وجود المجتمع. وربما تصيبنا الدهشة إذا علمنا أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الألفية الثالثة، "شهد العالم أكثر من مئتين وخمسين حربًا إقليمية, ودولية, ومحلية, راح ضحيتها ما يقارب مئة وسبعين مليونًا من البشر, فضلاً عن تشريد الملايين من أوطانهم وبيوتهم". وهي أرقام دالة, تعبر عن تضحيات, ونضالات, واعتداءات, قامت كلها في ظل وثائق الأمم المتحدة, ومواثيقها, وعلى رأسها وثيقة حقوق الإنسان!
إن جرائم الحرب, والإبادة الجماعية, في غزة الآن, التي يرتكبها كيان صهيوني محتل وغاشم, مدعوم بجسر جوي أمريكي, وبموقف سياسي غربي رسمي, يصل إلى حدّ المشاركة, والتواطؤ, تطرح فيما تطرحه الحاجة إلى حقوق إنسان جديدة تقوم على العدل, ولا تخضع إلى منطق الأمر الواقع, وما تفرضه القوة من موازين, وأوضاع, على الضعفاء, بل تخضع إلى مباديء مجردة لحقّ أي إنسان في حصوله على مسكنٍ في وطنه, وعملٍ يرتزق منه, وأمنٍ يعيش من خلاله مطمئنًّا, فمن المعروف أن الذي دفع الأوضاع إلى ما هي عليه الآن, هو الحصار الصهيوني غير الإنساني, على غزة, وأظنني لا أعدو الحق إذا قلت إن الشعب العربي كله يراهن على صمودها, فصمود غزة إعلان لنصر استراتيجي, هو نصر لثقافة المقاومة, أيًّا كانت أهداف الكيان الصهيوني التكتيكية المتحققة, ففوق هذه الأرض ما يستحق الصمود..
صدرت وثيقة حقوق الإنسان عام 1948م, وكانت إعلانًا أقرّ ميزان القوى العالمي الجديد آنذاك, واعترف به, كما كانت انتصارًا لمجموعة من الدول على دول أخر, وتعبيرًا رمزيًّا كونيًّا عن أن فرض ثقافة غربية على الصور القانونية, والخلقية, والثقافية, والسياسية, والاجتماعية, المقبولة لحياة الإنسان المعاصر على الأرض, قد أصبح أمرًا وشيكًا, وفي الوقت الذي فرض فيه الغربيون ثقافتهم بصفتها حضارة, واصل القانون الدولي تبعيته المفرطة للدول ذات الهيمنة, والقوة..
كان إصدار هذه الوثيقة تعبيرًا عن أزمة حضارية من جهة, وجزءًا أساسيًّا منتجًا لسلسلة من الأزمات المستمرة, ومعبِّرًا عنها من جهة أخرى, فالإعلان صدر أسفل مظلة أقرَّت فروقًا بين الدول الأعضاء, بمنح حق الاعتراض, ومنعه, وهذا تعبير رمزي عن القوة في أعنف حالالتها حضورًا, فإقرار حق الاعتراض كان خضوعًا لواقع القوة الراهنة آنذاك, ولمجالات نفوذها, وهذا ما منح القوي قدرته على فرض رؤيته, بصرف النظر عن شرعيتها, فما تقبله الدول الخمس, لا يخضع للمباديء المجردة للحق والخير, والإدراكات الإنسانية المشكّلة لهذه المباديء, وهذا ما أسفر -بعد ذلك- عن تقييد قدرة الأمم المتحدة على التعهد بأية التزامات فاعلة على المستوى السياسي, لأنها افتقدت قدرة الإلزام, كما أثر هذا الوضع تأثيرًا بالغًا في تقييد أية حركة في مجلس الأمن تهدف إلى تعديل أحكام ميثاق الأمم المتحدة, استجابة للمتغيرات الدولية الجديدة, وهي ظروف أثرت دون شك على مصداقية معظم الفاعليات التي صدرت عن مختلف جهات المنظمة, وذلك بسبب قوة تأثير الدول الخمس هذه, وما نشهده من استخدام حق الاعتراض الأمريكي دائمًا لمصلحة الكيان الصهيوني أوضح من أن يشار إليه..
وقد حصر هذا الوضع دور الأمم المتحدة الرئيس, في خلق التوازنات, والحفاظ على ميزان القوى, للأقوياء, وللضعفاء على حدٍّ سواء! فأخفقت هذه المنظمة الدولية في القيام بدور العادل قضاءً وممارسة, ذلك لأن التوازنات التي تريد تحقيقها في أثناء هذه الظروف, لا يمكن أن تُقاس على قاعدة العدل في ظل الاستثناءات التي بدأت بها الأمم المتحدة حياتها, بل تقاس أولاً على مبدأ القبول, لأن من يملك الاعتراض يملك فرض الإبرام, جوازًا ومنعًا, فقد احتكم العدل إلى مبدأ القوة؛ رمزية كانت عبر استخدام حق الاعتراض, أو فعلية, باستخدام القوة العسكرية, وذلك من خلال فرض توازنات ليست لصالح الضعيف, في كل الأحوال, ويمكن التلاعب بها بسهولة, كما حدث في قضايا فلسطين, وفييتنام, والعراق, وهي أمثلة قليلة تؤكد ما ذهبنا إليه..
هكذا ظل التوازن الذي يفرضه القوي, توازنًا قد يمنع الصراع والحرب, حتى لو كان ذلك عبر الضغط على الضعفاء للتنازل عن حقوقهم دائمًا, بناء على مبدأ الأمر الواقع, فالحال لم تتغير كثيرًا عما كانت عليه بعد الحرب العالمية الثانية, في مرتكزات الصراع الأساسية بخاصة, ولكن الأوضاع الدولية اختلفت في شكولها, وتجلياتها, وفي مستويات الصراع فيها, التي لم تكن دائمًا عسكرية, هذا فضلاً عن أن مؤسسات منظمة الأمم المتحدة حين تنتقل إلى الفعل والتطبيق باسم حقوق الإنسان الكونية, أو ضد الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، مثل ما يحدث الآن في غزة, فإنها تقوم بذلك في الغالب بصورة غير منزهة عن الغرض، تقوم بذلك وهي تضع في حسبانها الاستراتيجيات المعقدة والمتناقضة في بعض الأحيان، وهذا ما يوقع قراراتها تحت رحمة الدول التي لا تكتفي بالهيمنة فحسب، بل تبسطها على معظم المحافل الدولية أيضًا.
لقد أصبحت الحاجة إلى وثيقة جديدة لحقوق الإنسان المعاصر ضرورة ملحة, ربما كانت أهم هذه الحقوق التي يجب الاهتمام بها هي حق المضطهدين, الذين يرزخون تحت وطأة استبعاد اجتماعي, أو سياسي, ضاغط ومستمر, في أن يعيشوا على أرضهم حياة كريمة, بصرف النظر عن الدين, واللون, والانتماء العَقَدي, والهوية, قال الشاعر الفرنسي لوي أراجون "ما من حكاية بعد, ولا حاجة إلى استعارة يأخذها العالم عنّا, فلا وجود إلا للتراجيديا الخالدة", فهل هي تراجيديا البؤس, والفقر, والظلم, التي تكتبها الآن روح النظام العالمي الجديد؟ وللكتابة بقية

* (شاعر ومفكر مصري)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟


.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين




.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال