الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث مع الذات

طارق المنيظر

2014 / 7 / 6
كتابات ساخرة


كانت حينها بشرتي شاحبة أكثر فأكثر، و كنت في أمس الحاجة إلى حمام ينفث عني النعاس والدوار اللذان هاجما جثتي المرتخية، استيقظت ذاك الصباح باكرا بعد ساعة من الرقاد التي فصلت بين نهاري وليلي.
اتجهت على مهل مني تجاه الحمام، أردته باردا أكثر من اللازم، لم أستغرق في الحمام سوى بضع دقائق، تنشفت بسرعة وخرجت مهرولا، فصليت الصبح، بنية بدأ يوم جديد لم يسبق أن شابهه يوم منذ ولادتي إلى هذا الحين، تملكتني رغبة غير مألوفة في القيام بما لم أقم به طوال حياتي، ابتسمت لوحدي و شرعت في المونولوج المعهود الذي آلفته مع نفسي، بعدما وجدت ان الحوار مع الآخر غالبا لا يجدي نفعا في زمن بات فيه التناقض مبدأ في الحياة. دخلت أمي على غفلة مني فنبست بكلمات تطبعها الجدية أكثر من الصرامة "ما بك يا بني؟ أراك تتكلم لوحدك هل فقدت الصواب "واش هراب ليك الريح بالفرياخ؟" بماذا أجيبها؟ كيف أفسر لها أني لم أعد أطيق الحوار والجدال مع الناس؟ كيف أفهمها أن بناء شخصية الفرد ينطلق من محاورة الذات قبل محاورة الآخر؟ أكيد أن لا أمي و لا غيرها سيفهم هذه الترهات. لا أحد سيدرك أنني لم أعد أملك تلك الرغبة البشعة للاقتراب كثيرا من الناس المدللين الفارغين عاشقي المظاهر كثيري الثرثرة والضجيج اللذين لا أجد بيني وبينهم أي لغة مشتركة التي من الممكن أن تعطي فرصة لنوع ما من التفاعل بيني وبينهم. لن يستوعب أحد أنه لا يجب أن أتردد عن مخاطبة ذاتي قبالة المرآة، عندما تخاطب بعض الكائنات البشرية و لا تقوى على فهمك، فلربما تفهمك المرآة أفضل من البشر، فبعض أنواع البشر مثلها مثل الآلة لا تجيب الا بالضغط المستمر على الأزرار، هذا في حالة إن لم تكن هذه الأزرار عاطلة.
طاردتني في أحيان عدة فكرة قد يبدو لكم أنها لا تستحق نعتها بالفكرة، لكني وجدتها هي روح الأفكار. فعلا، عندما تتولد لديك رغبة قوية في الهروب من جميع الفضاءات سواء منها الواقعية أو الافتراضية مثل الهروب من "الفايسبوك" على سبيل الحصر، هنا تبدأ نيتك الحقيقية في البحث عن ذاتك التائهة وسط حديقة اللامعنى.
قلت مع نفسي كالعادة لن أنتظر شخصا باعني، بل سأنتظر ضواء جديداً يمكن أن يتسلل إلى قلبي الحزين فيعيد لأيامي البهجة ويعيد لقلبي نبضه الجميل لن أحاول البحث عن حلم خذلني إنما سأحاول أن أجعل من حالة الانكسار بداية حلم جديد، لن أقف كثيراً على الأطلال، خاصة اذا كانت الخفافيش قد سكنتها والأشباح عرفت طريقها، لكن سأبحث عن صوت عصفور يتسلل وراء الأفق مع ضوء صباح جديد، ولن أنظر الى الأوراق التي تغير لونها وبهتت حروفها .. وتاهت سطورها بين الألم و الوحشة. "اذا كنت تظن بأني في حياتك تحصيل حاصل فأنت في حياتي فاصل و سنواصل"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس