الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البركوس

محمد عمامي

2014 / 7 / 6
الادب والفن



لم يكن يتصور نفسه يوما ذا شأن. حين توافق على تعيينه الخبثاء اتقاء لصراعات مدمرة بينهم، واحتفاء بتوافق موارب يلتف عن كل اختلافاتهم، لم يصدق نفسه. كان يعيد على اذهان الجميع صيغا متواضعة بسيطة وشديدة العفوية. كان يسخر من نفسه زعيما ويتهكم على هيئته بيروقراطيا معتبرا. وكم ألحد في التندر بدور الزعيم الذي البسوه إياه.

مرّ الزمن متثاقلا وتحلق المريدون المخاتلون حول المنسق العام. نفخوا فيه من روحهم الماكرة وزودوه بوقود النرجسية والتصنع والهيبة. انتهى إلى تصديق التمثيلية، فاستوى منتفخا وقطب حاجبيه تقطيبا. أصبح ينطق بحساب وينتقي كلماته ويرطن بلغة الزعماء. هو رجل التوافقات، ينأى بنفسه عن مواقف التنطع وراديكالية صغار النقاد. هو رجل مسؤول، لا يحق له قول مايفرّق، ولا يجازف باصدار مواقف تخل بالتوازنات.. تلك التوازنات التي يجب عليه مراعاتها والتدخل قصد تصليبها.

اليوم دعي الزعيم إلى اجتماع توحيدي لمجمل أركان الديمقراطية.
قاعة كبيرة فاخرة، تتناثر فيها الارائك، وتتواتر على حيطانها المعلقات واللوحات الجذابة. ترنح الزعيم على الزرابي المبهرة ألوانها والرطب ملمسها قبل ان ينهال على أريكة لم يجلس على مثلها قط. أصابه الدوار واضطربت حركته وتكور باحتشام وراء زعيم سبقه خبرة وتدربا على دوار القصور.

لم يهشّ له أحد ولم يستقبله مكرّم. استمع إلى المبجلين يتناقشون ويقررون ويثبوتون على ورق ناعم ما توافقوا عليه. واكتفى الزعيم بالتصفيق وطأطأة رأسه من حين لآخر لرسم علامة الموافقة. جلب انتباه الأسياد مرة واحدة حين مخط أنفه بصوت مقزز جراء نزلة أصابته، صباحا، وهو يستحم بالماء البارد نتيجة قطع التيار الكهربائي في منزله منذ يومين.

كان لا بد من الابتسام فابتسم. كان لا بد من الانحناء فانحنى وكان لا بد من الامضاء فأمضى. امتلأ حبورا وزهوا بعد الامضاء. فقد صافحه كبار القوم وربّت بعضهم على كتفه. ها قد دخل عداد الشخصيات الوطنية وثبّت ضمن أسياد المجتمع. منذ اللحظة، ارتقى من زعيم عصبة ضيقة لا شأن لها إلى أحد ركائز الوطن. هذا الوطن الذي تحوّل بالنسبة له، منذ نفس اللحظة، إلى ابن قاصر أودع له ووضع تحت رعايته. هذا الوطن/النظام لن يستطيع التفريط فيه للفوضويين المخربين اللامسؤولين.

اضطربت خطواته وهو يقطع الطريق إلى حانة المزار. توقف في الطريق حائرا مترددا. لم يعد مناسبا له الاختلاط مع الدهماء. عليه من الآن أن يبحث له عن حانة فاخرة لا يرتادها سفهاء القوم. ولكن كيف السبيل إلى حانات رعاة الوطن وجيبه خال لا يحتوي على أكثر من مبلغ بسيط يشحذه كل يوم من هنا وهناك. فكيف السبيل إلى التزود بذخيرة مالية لارتياد الأماكن الملائمة لوضعه الجديد؟ ربما وجب عليه الاقتراض مجددا ؟ أو ربما بحث عن ممول سخي من أعمدة الوطن المتوارين خلف الزعماء، يسندونهم ويدفعون عنهم الفاقة والتسول إلا ما كان في مصلحة الوطن؟ ألم يصبح هو ذاته حارسا لذات الوطن ؟ تلك هي المعضلة المباشرة التي على الزعيم حلها قبل غيرها للقيام على الوجه الأكمل بمهامه الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا