الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية -مذكرات من تحت بين الدرّج-

علي ياسين عوض عبيدات

2014 / 7 / 6
الادب والفن


قراءة في رواية "مذكرات من تحت بين الدرّج"

بقلم: علي ياسين عبيدات.




قبل أن تكون الرواية العربية ملاذاً للعاطلين عن العمل، وقبل أن نكون قبالة هذا الزخم الروائي العجيب، كنا سعداء، بل كنا في ذروة السعادة كلما صدرت رواية جديدة لروائي جدير باللقب، فبالكاد كنا نحافظ على سلامة الورق ونحن نقرأ الرواية لننتّشي بين مد السرد وجزره، وعبر براعة المُكثف وترميزه، منبهرين باستجلابه لما في أنا متّلقيه وتقاطعه مع ذاته ومُخاطبه.

هنا وبعيداً عن الإنحدار الآنف الذكر، سينشده القارئ بين الاستذكار والاستهجان، وبين النزّق والمهّادنة وبين المواء والزئير وبين السهل والمُرّمزْ، وبين السيمياء وما يخنس فيها والسهولة وما يتجلى من على متنها.. كل هذا سيراه من سيصعد أدرّاج نائل العدوان العمّانية.

"مذكرات من تحت بيت الدرّج" رواية للدكتور نائل العدوان، وهو قاص وروائي وفنان تشكيلي أردني، وعضو في رابطة الكتاب الأردنيين والفنانين التشكيليين، وله مجموعة قصصية بعنوان المرفأ صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع عام 2013. وهذه الرواية "مذكرات من تحت بيت الدرج" صدرت مؤخراً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع هذا العام ..

لو تساءل القارئ عن حاكي الرواية لأخذه التأمل صوب الإحتمالات المتقاربة، فكأن نائل العدوان يصور لنا بطله "سحنون" شاهداً على الخيبات وقريباً مقرباً من كل مُتعبٍ ومُتعِبْ، فجدلية براءة سحنون في بوابة الرواية وبسالة سحنون وقوله للحق فيما يتقدمها هي انطلاقة المشهد الروائي المتين والمُعبر عن كوامن النفس وعن المحيط، بكل ما فيه من بشاعة وبكل ما يترتب على أهله الودعاء من ضرائب استحقت وتستحق الدفع.

سحنون صرخة الضمير والواقف في وجه ورم الإنتهّازية الخبيث، سحنون الوفيّ الذي بمجرد أن يلمح طيف أمه (باعتباره الضمير) يصرخ ويزمجر، سحنون هو صندوق المدلول الرمزي للـ القطة، المفاتيح، الهذي، الإنشداه، الجيب الصغير، الهروب، الصراخ، الأم، الفّقد، الصدق، الإنهزام، الشوق للعودة، الكبت، التفريغ، العجز، العفة القديمة.. ليتدفق الإستهجان عبر هذه الرواية متشحاً بالنقد والإنتقاد.

هذا التواءم (بين السارد والمُستّذكر والمراقب عن بعد) يبرهن لنا مدى حرفيّة الروائي الذي تشك في علاقته بالنص بينما أنت تبرأه منها، عبر الإندامجية والتداخلية التي سرّدَ من خلالها روايته - في جابنها السردي - وعلى صعيد الزمكان والشخوص، ليتوه القارئ في بناء هذا النص الشاهق، والذي يبرهن لنا مدى براعة نائل العدوان في هندسته الأخرى (هندسة النصوص الأدبية). فأن يتساءل القارئ يعني أن قضية ما ستلتئم أجزاؤها أو ستزداد تباعداً أوصالها، فعبر مشاهد الرواية الحية سيكون بوسع القارئ أن يرى عالم الرواية المُتخيل - بالنسبة له كقارئ- والمُعاش بالنسبة لكاتب الرواية. وهذا ما نفتقده اليوم.. (التساؤل)..!

تجول نائل العدوان في صميمية النص الروائي وهو ينتّحل شخصية القارئ، ويبرهن هذا تقسيمه للذروة ووضعها في محطات تتطّلب الوقوف التام بينما كان قد جعل وتيرة الأحداث أسرع من سريعة في مواطن أخرى، وعلى صعيد الدرجات باعتبارها بنية للتطور والتدفق والإندلاق الزمكاني، فلنا أن نلتمس تغير المكان مقروناً بالزمان الشبه ثابت وبالشخوص التي تُقبل وتُدبر على غرار ما يتطلبه النص من ضيوف وما يتوجب على كاتب النص إهماله لخدمة البنية الأم للرواية، ومن هذا تباين البطاقة التعريفية لسحنون "بطل الرواية" في الدرجة الأولى، الثالثة، الخامسة، العاشرة.. الخ...!

حاول نائل العدوان أن يتجول بين مخاديف روايته متقمصاً أكثر من صفة ومؤدياً لأكثر من دور، وقد تفادى شر الضياع بين محاور العمل الروائي الذي يُفقد النص نكهته المحكية والمؤطرة والخادمة لكل الأطراف أكثر من خدمتها لطرف واحد، فلا يتمخض عن الفشل في حفظ توازن المشاهد إلا أن يفشل الروائي ويسقط سقطة التعبير المباشر والجاف والخالي من الحدث، أو أن يغرق في ظلمة النص النثري (الأقرب للشعر) ما دام محور النص سيتحدث عن أنوانته واستبطانه بصفة السارد فقط لا الروائي المستفيد من سرده لإتمام عمله الروائي.

وعلى صعيد الحُبكة المتوازنة، فقد حمل نائل العدوان بطل روايته مسؤلية الكثير مما هو فيه دون أن يغفر للمجتمع خطاياه التي غيرت وبدلت حالاته وتحكمت في مصيره وبؤسه الذي اندلق عليه سابغاً حياته بسبغة المأساة، وكان هذا عبر وظائفية البطل في الرواية، ذلك البطل الذي لم يثقل كاهل مؤلف الرواية في تعاطفه معه ودعمه، فما كان البطل خارقاً ولم يكن ضحيةً بالمطلق، وهذه من مسوغات نجاح نصه الروائي الذي كان بين المُذكرات والسرد والواقع والمُتخيل، فالبطل الذي تعرض لرقابة مدرائه هو ذات البطل الذي صرّخ في وجوههم، وكان هذا بعيداً عن انتصار الخير على الشر وجدلية البطل الخّير وأعدائه الأشرار وباقي الرتابة القصصية المبتّذلة، فالبطل انتصر لأن الضمير استفّاق، رغم أن هذا الضمير بالكاد يفيق وإن أفاق فما من شيء بوسعه، لكنه انتصر بعيداً عن ملائيكة القصة و وجوب فوز الأخيّار وحتمية القضاء على كل شرير.

طرح نائل العدوان مواضيع زاخرة بالحياة وهي عمود تفاعل أبناء المؤسسة البشرية، ومنها المرأة – بين المُعاش والمنشود- الفساد الذي دفع الإنسان الكثير قرباناً للفكاك منه، الكبت الجنسي، العسر والعوز، الجشع والتواطؤ، والكثير من القضايا التي تمس صلب المؤسسة البشرية وأهلها، فقد اتخذ من شخصيات روايته مادةً خام ومررها بمراحل المعالجة (فرن المشاهد الروائية) باعتبار هذا الإتحاد بين القضية والفرد هو "نيرفادا" التفاعل البشري، والذي ينداح من مزج الطابع النفسي بالطابع العام تأثيراً وتأثراً وعاكساً ومعكوساً، ولم يكن بالهين على نائل العدوان أن يخرج لنا بهذه المعالادت النفسية ونتائجها، إلا أنه أفلح في أن يكون ضابط سيطرة يواضب على الدمج والتفريق والإستقراء والخروج بنتيجة، وقد تجلى هذا في المشاهد الروائية التي اندلعت على سلالم تلك الأدراج واصفةً لنا براعة نائل العدوان في قراءة معادلة الكيمياء البشرية التي وازنها وأخلَّ نظامها ليخرج لنا بنصه الروائي العميق.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة