الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حق الأرض وحق الإنسان

علاء عبد الهادي

2014 / 7 / 7
حقوق الانسان


أسفرت الحرب العالمية الثانية, عن تغيير الوعي الإنساني على مستويات عدة, ارتبط أحدها بصدور ما يسمى "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان", الذي اهتم على نحو جوهري وشامل بمسألتين: إحداهما عالجت حقوق الهويات الفردية, والأخرى ارتبطت بما أشار إليه الإعلان حول متخيل عن هوية إنسانية شاملة, لها نظريًّا الحقوق أنفسها, بصرف النظر عن الجنس, واللون, والعقيدة, والوطن.

كما ارتبط هذا الإعلان بمستوى آخر تمثل في وعي الإنسان المعاصر بخطورة وجوده على الأرض, بعد أن عاش آلاف السنين خائفًا منها, فقد كان قصف الولايات المتحدة الأمريكية لهيروشيما في السادس من أغسطس, عام 1945, ولنجازاكي في التاسع من الشهر نفسه, إعلانًا صريحًا لقرب دخول العالم في منافسة نووية محتدمة, قادرة على التأثير على سلامة الأرض ذاتها, على نحو قد يجعلها مكانًا غير صالح للحياة. والغريب أن الدولة "الراشدة!" الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي هي التي تثير أكبر ضجة الآن حول الملفات النووية للدول الأخرى, في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن كيانات تمتلك ترسانة نووية منذ الستينيات مثل إسرئيل.

وقد انتبه عدد من المفكرين -على المستوى السياسي آنذاك- إلى وهم أي طروحات تدعي حيدة الاختراعات العلمية, ذلك بعد أن تكشفت قدرة التوظيف السياسي للمكتشفات العلمية بدءًا باحتكار المعرفة العلمية, وانتهاءً باستخداماتها العسكرية, فقد اتضح أن المسافة بين العلم والأيديولوجيا ليست بعيدة كما كان يُظنّ: "ان عالمنا المعاصر يواجه أزمة، لا يستطيع الذين يمتلكون قدرة الاختيار بين الخير والشر إدراكها, ولهذا ترانا ننجرف نحو كارثة فريدة من نوعها" كما يعلن آينشتاين (1879- 1955) في نهاية عام 1946.

يصعب أن نغض الطرف في هذا السياق عن آثار التكنولوجيا المدمرة على مستقبل الأرض, على المستويين الصناعي, والعسكري, وذلك في ظل استمرار البلدان الصناعية في استخدام الطاقة الرخيصة, واستغلال الموارد الطبيعية دون ضوابط, على نحو جعل الكوارث البيئية أمرًا محتومًا، فزادت مخاطر النهضة الصناعية على البيئة وضوحًا، وكان من أبرزها التغير المناخي نتيجة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون, وتجدر الإشارة إلى أن "ربع سكان العالم في البلدان الصناعية هم مصدر ثلاثة أرباع الغازات المحدثة لأثر الاحتباس الحراري". ويتفق المجتمع العلمي الدولي على "أن الزيادة المستمرة في تركيز الغازات المسماة الغازات المسببة لأثر الدفيئة في الجو, يمكنه أن يؤدي إلى تغيير التوازن الحراري لكوكب الأرض, ويلزم الآن تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية بنسبة (60%), حتى يمكن تثبيت نسبة تركيز غاز الكربون في الجو، فمن المعروف أن التركيب الكيميائي للغلاف الجوي قد تغير, وأن التوازن بين العناصر الأساسية المكونة للبيئة الأرضية – الجو، والمحيط الأوقيانوسي، والمحيط الحيوي – يشهد تحولاً خطيرًا في الوقت الراهن, ذلك فضلاً عن أخطار تخزين المخلفات النووية, وازدياد التلوث البيئي الناتج عن الصناعة, وكلها أخطار تمثل آثارًا بالغة الخطورة على كل شكول الحياة الطبيعية, إنسانية, وحيوانية, ونباتية, وعلى جميع البلدان, على نحو لا يمكن التنبؤ بآثاره. وهذا تحدّ يعدّ من أعظم التحديات التي واجهتها البشرية على الإطلاق.

ومن أبرز الذين اهتموا بهذه القضية المفكر الأمريكي نعوم تشومِسْكى (1928) الذي ذهب إلى أن هناك ثلاث نهايات محتملة, لرحلة الحضارة الحالية, أولى هذه النهايات, هي تدمير بيئة الكرة الأرضية, ذلك بعد أن اتخذت هذه الحضارة مع الطبيعة -منذ بداية الحداثة- شأنًا "استغلاليًّا"، يتزايد مع زيادة ربح رأس المال بوصفها هدفًا من أهدافه. فأصبحت الطبيعة -أول مرة منذ بداية حياة الإنسان على الأرض- مادة مجرّدة بحتة لاستخدام الجنس البشري, أما الاعتراف بأن الطبيعة قوة في حدّ ذاتها فقد انتهى تمامًا. أما حدّ النهاية الثانية للحداثة، فهو تدمير الإنسانية نفسها، أي تدمير العمالة البشرية، وهي وسيلة رأس المال الأساسية, فالشأن الإنساني هو العامل الوحيد الذي يستطيع أن يخلق قيمة جديدة (فائض الربح وقيمته). وإذا لم يستطع، يجب أن يزيد الإنتاج من خلال توظيف التكنولوجيا على نحو متصاعد, حينها تتحول معه العمالة البشرية إلى فائض عن الحاجة. ثم نأتي إلى حدّ الحداثة الثالث، وهي صعوبة إدراج مفهوم السكان الضمني في مفهوم آخر, هذا المفهوم الذي ظل يتعرض إلى الهجوم منذ بداية الحداثة التي استبعدته من أفقها, وتركته معزولاً في ركن الفقر, من خلال خطة "لاستبعاد إرادات أفريقيا, وآسيا, وأمريكا اللاتينية, التي تناضل من أجل تغيير أحوالها".

يتضح مما سبق أن هناك سمة تطرح نفسها بقوة الآن على الصعيد العالمي, ونتوقع أن يزداد الاهتمام بها في السنوات العشرين القادمة على نحو متنام, وهي سمة تشيرإلى شعور إنساني مشترك بالهوية الإنسانية الكلية, ليس ارتباطًا بالإنسان كما جاء في إعلان وثيقة حقوق الإنسان, ولكن ارتباطًا بالأرض, والحفاظ على سلامة الكوكب الذي يقع الآن تحت نِيرٍ تشكله مجموعة من التهديدات غير المسبوقة منذ نشأة الحياة الإنسانية حتى الآن.

لقد أصبح الإنسان المعاصر بدءًا من العقد الثالث من القرن العشرين, أول مرة منذ نشأة الكون, أكبر من الأرض التي يعيش عليها, وأكثر عنفًا ووحشية من أشد حيواناتها ضراوة, بل أصبح وجوده على هذا النحو يمثل خطرًا على وجود الأرض ذاتها. وهي سمة تبدو منعطفًا مهمًّا للحضارة الإنسانية, نقل الشعور بالخطر على الحياة الإنسانية ذاتها إلى مستوى كلي هو وجود الأرض من عدمه, وهذا ما رمى بثقل هائل من المسئولية على الإنسان؛ الذي امتلك أول مرة, قدرة تحطيم الفضاء الفيزيائي لوجوده, ذلك فضلاً عن وعيه بهذه القدرة, بصرف النظر عن اختلافات الهويات, والأعراق, والأوطان, والعقائد, والثقافات. وهذا في ظني, هو أول إعلان عن بدء مرحلة فكرية مختلفة, تستطيع أن تطرح بعدًا جديدًا على مستقبل الحضارة المعاصرة, هو ضرورة ارتباط التطور العلمي بالحكمة, وبفكرة المسئولية.

* (شاعر ومفكر مصري).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مع استمرار الحرب في غزة.. إسرائيليون يتظاهرون ضد الحكومة في


.. اليونيسف: 9 من كل 10 أطفال في غزة يعانون فقراً غذائياً حاداً




.. إسرائيليون يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو بعد مقتل 8 جنود في رفح


.. عشرات الهندوس يتظاهرون لطرد امرا?ة مسلمة من حيهم في الهند




.. مدير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بغزة: القتال وغياب