الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب واثرها على علاقات جنوب السودان بامريكا ( 3 – 12 )

كور متيوك انيار

2014 / 7 / 7
السياسة والعلاقات الدولية



التاثير الامريكي للاوضاع السياسية و التحالفات الدولية والاقليمية واضحة . في تصريح للدكتورة مادلين اولبرايت لصحيفة " ديرشبيغل " الالمانية في 26 يوليو 1999م اكدت ان واشنطن واثقة من نفسها وقادرة على ان تفرض الحلول ان ارادت ذلك كما حدثت في شمال ايرلندا وفي البوسنة وفي كوسوفو وقالت اولبرايت " في الوقت الحاضر لا بديل لنا في السياسة الدولية ، ومن دوننا لا يمكن لاي احد أن يفعل شيئاً " إن حديث اولبرايت لا يمكن التشكيك في مدى صحتها او مصداقيتها ، ففي هذا العالم لا احد يستطيع إن يقوم باي شيء ما لم يكن بعلم وموافقة امريكية و إلا كتبت لها الفشل ، إن القوة الامريكية التي لا يمكن تخطيها هي التي كانت تجعل كيسنجر ينام قرير العينان رافضاً ايقاظه من نومه وذلك في حرب 1973م . الذين اطلقوا على هذا العصر باسم العصر الامريكي لم يكونوا مخطئين او دجالين ، فالاقتصاد الامريكي هو اضخم اقتصاد في العالم ، و القوة العسكرية الامريكية هي اضخم قوة عسكرية في العالم . وليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة ليست فقط اكبر قوة اقتصادية وعسكرية وتقنية في العالم المعاصر بل هي كذلك في كل التاريخ البشري الحديث .
في الثلاثينات و الاربعينات عملت اليابان الى تحقيق الرفاهية المشتركة بين دول شرق اسيا و هو ما ادخلها في الصراع مع امريكا لانها فكرت كما تفكر امريكا وحلفائها الغربيين اي التفكير الاحتوائي ومحاولة بسط سيطرتها بعد الحرب العالمية ، لم يكن لدى الولايات المتحدة مشكلة في إن تبسط سيطرتها او لا تبسطها طالما ستتم باشراف مباشر منها لذلك لم تمانع بعد الحرب العالمية الثانية بينما كانت تمانع قبل الحرب ، ولقد اقترح " جورج كينان " ان تشجع الولايات المتحدة تصنيع اليابان ، مع قيد واحد : ان تتحكم الاول في امداد الثاني بالامدادت البترولية ومنحها حق الفيتو كالية ضغط وفيتو في حال حاول اليابان الخروج من المجال العظيم و الانضباط و الولاء للولايات المتحدة ، ظلت اليابان حتى اواخر السبعينات تستورد 10% من احتياجاتها النفطية فقط ، اما البقية فخاضعة للفيتو الامريكي لكن رغم ذلك استطاع اليابان إن ينهض ، استطاعوا إن يحققوا في فترة وجيزة ، واحداً من اعظم الانجازات الاقتصادية التي عرفت في العالم المعاصر ، مقابل ذلك كان لابد لهم إن يضحوا بقرارهم الوطني ومنح الولايات المتحدة مفاتيح شريان اقتصادها وهي النفط .
الولايات المتحدة لعبت دوراً كبيراً في استقلال جنوب السودان وهذا لا يمكن إن ينكره احد إلا كمحاولة للهروب من التاريخ او تزييفها ، كما إن مساعدة امريكا لم تكن العامل الحاسم في استقلال البلاد ، لان الولايات المتحدة قبل إن تنضم الى ركب الداعمين كان الثوار يجوبون الغابات ذهاباً وإياباً ، إذن التضحيات الكبيرة لشعب جنوب السودان من اجل نيل الحرية و الاستقلال كانت العامل الحاسم في مسيرة التحرير الطويلة ، في فترة تكوين الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان كانت امريكا بعيداً تماماً عن تكوينها بل قل إنها لم تحبذها لكنها بكل تاكيد لم تسعى الى تدميرها وذلك ربما كان لها نظرة استراتيجية لشكل تلك الحركة الثورية التي تكونت في تلك الفترة ، وتركتها تنمو دون إن تقترب لاهداف استراتيجية على الرغم من إن الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان ، في فترة تكوينها الاول كان لزاماً لها إن تتجه الى المعسكر السوفيتي ونظامها الشيوعي و الذي كان يمثلها نظام الامبراطور هايلي مريام في اثيوبيا ، اتجاه الحركة الشعبية و الجيش الشعبي للتعميد من المعسكر الشرقي كان سبباً كافياً لكي تساعد امريكا الحكومة السودانية لتدمير الحركة الشعبية لكن شيئاً ما منعتها من القيام بذلك بل ذهبت اكثر من ذلك بسحب شركاتها العاملة في التنقيب عن النفط مثل شيفرون التي منحت ترخيصاً في عام 1975م ، واستمرت شركة شيفرون في العمل رغم بوادر الاضطراب الأمني ، حيث بلغ مجموع الآبار التي حفرتها الشركة بنهاية عام 1982م 52 بئراً ونتيجة لتصاعد المقاومة توقف نشاط شركة شيفرون في فبراير1984م بعد أن تعرضت حقولها إلى هجوم أدى إلى مقتل ثلاثة من العاملين . وبحلول عام 1985م كانت شركة شيفرون قد أوقفت كافة نشاطاتها في السودان . ولقد استثمرت شيفرون 880 مليون دولار أمريكي في تطوير حقول النفط بجنوب السودان . شيفرون بدأ نشاطه في العام 1981م حتى ابريل 1984م . وانتهجت الشركات الامريكية الاثنتي عشر سياسة عدم التعامل مع القادة الجنوبيين وعدم اعطائهم اي معلومات حول الاكتشافات النفطية و يعتقد إن قرار الحكومة السودانية لاعطاء امتيازات النفط لشركات كندية وماليزية وصينية وبريطانية في عام 1994م جعل واشنطن تعيد النظر في سياساتها بشان مسالة الجنوب . دون اسباب واضحة قرر شيفرون ايقاف عملها وبررت ذلك بسبب الحرب الدائرة في الجنوب إلا إن ذلك ليس بالسبب الكافي و الشافي للمراقب الحصيف ، لان الولايات المتحدة اعتادت العمل في الدول الملتهبة و المتوترة كما إنها كانت باستطاعتها حماية العاملين ومعداتهم في تلك البيئة الملتهبة لكنها لم تفعل وانسحبت فجاة ، وهذا إن دل فيدل إن المخططين السياسيين في وزارة الخارجية الامريكية قد خططوا لشيء لم يكن في حسبانهم عندما اتخذوا قرارهم بالتنقيب عن النفط في السودان وفي الجنوب خاصة .
في 9 يوليو 2012م كتب الصحفي ومراسل صحيفة ماكلاتشي الن بوسويل في مجلة السياسة الخارجية الامريكية FP مقالاً بعنوان ( لوبي الدولة الفاشلة ) في افتتاحية مقالته قال ‘ إن جنوب السودان هي من الاماكن القليلة الوحيدة في العالم التي يبدوا إن الروح الحزبية ( الجمهورية و الديمقراطية ) مازالت حية فيه وبصحة جيدة ، مشيراً إلى إن في يوم 9 يوليو 2011م كان المبعوث الامريكي سوزان رايس تجلس بالقرب من وزير الخارجية السابق في عهد الرئيس بوش الثاني الجنرال كولن باول و القس فرانكلين غراهام ، كذلك كان وزير الخارجية الحالي جون كيري حاضراً وقتها كرئيس للجنة العلاقات الخارجية عن الحزب الديمقراطي ، وهللوا سوياً بما سموه بالنجاح الكبير للسياسة الخارجية الامريكية وتتويجاً لواحدة من انجح الحملات الدبلوماسية في واشنطن الاكثر فعالية منذ السنوات العشرين الماضية لدعم الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان و التي ختمت فصلها الاول بميلاد دولة جنوب السودان . و في تقرير لجفري قيتلمان ، مراسل صحيفة " نيويورك تايمز " بعد ان حضر حفل الاستقلال في جوبا كتب : " تعاونت شخصيات امريكية مشهورة مع جمعيات مسيحية امريكية ، وسياسيين امريكيين ، لمساعدة حركة ضعيفة على تحقيق ما فشلت حركات انفصالية في دول اخرى تحقيقه ، وهو الانفصال ( الاستقلال ) ، ظل السودان هاجساً للغرب لأكثر من مائة سنة . أنها مسألة تدعو للتساؤل . لماذا كل هذا الاهتمام بجنوب السودان ؟ لماذا من دون مناطق الحرب الاخرى في العالم ؟ لماذا من دون ما تشهد أفريقيا من حمامات دم في ليبيريا والصومال وغيرهما ؟ " . وبما إن جفري يتساءل و بوسويل مستغرب ، من سبب التوحد الكبير لدى الجمهوريين و الديمقراطيين وعملهم الدؤوب من اجل تحقيق استقلال جنوب السودان ، بينما فلسطين تنتظر و الصحراء الغربية نسيت و العديد من الحركات الثورية في بقاع عديدة في العالم تنتظر حظها من الحرية التي لا تاتي لان امريكا تقف حجر عثرة ، جفري وبوسويل محتارين وكذلك نحن لماذا فعلت امريكا ذلك في جنوب السودان دون المناطق الاخرى في العالم ؟ عقب احداث الخامس عشر من سبتمبر 2013م كان الكثيرين من المواطنين الجنوبيين مستغربين مثل استغراب جفري وبوسويل حول حقيقة الرؤية الامريكية للحرب و الصراع حول السلطة ! فالبعض في الحركة الشعبية جناح الحكومة توقع إن ترسل امريكا حاملة الطائرات جورج بوش الثاني الى البحر الاحمر ، او تهبط قوات خاصة في جوبا لتقف مع الحكومة وتقاتل ضد المتمردين ، كما إن المتمردين ( الحركة الشعبية جناح التمرد ) كانوا يتوقعون تدخلاً امريكياً كما حدث في الصومال و العراق ليفرض رئيساً يداعب مخيلاتهم الخصبة ، لكن من يفكر هكذا تفكير لابد إنه من الضحالة المعرفية بالسياسات الامريكية حول العالم من ايطاليا وهاييتي فيتنام وغيرها لذلك لابد من قراءة تاريخ السياسة الخارجية الامريكية قبل توقع الافضل او الاسوء من امريكا .

نواصل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تكثف هجماتها على أوكرانيا قبيل حصولها على حزمة مساعدات


.. موسكو تصعد هجماتها بعد مؤتمر سويسرا للسلام




.. طفلة باغتها القصف قبل أن تهنأ بحذاء العيد


.. لا ماء ولا طعام.. في ثاني أيام عيد الأضحى بشمال غزة يشتد الج




.. مشاهد تظهر حريقا ضخما غرب لوس أنجلوس التهم 15 ألف فدان وتم إ