الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي هامش الثورة : الأزمة الأجتماعية التي تمر بها مصر

محمد حمدي

2014 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة :
نعيش الأيام الحالية مرحلة مليئة بالتساؤلات التي تجول في خاطر الكثير من المتفكرين فيما تمر به البلاد حاليا اسئلة كثيره مثل (لماذا تفجر فجأة موضوع التحرش بهذا الشكل – أسباب الأنهيار الأخلاقي في المجتمع – أنتشار ظاهرة الالحاد (سواء كان المتسائل ملحد او مؤمن) - الخ ) ربما يلجأ البعض بحكم أفكاره الي ربط هذه الظواهر ببعضها بصفتها السلبية وهكذا, وفي هذا المقال أطرح رؤيتي لأسباب تفجر العديد من الظواهر في المجتمع من وجهة نظري التي ربما لم تكتمل بعد او هي في حاجة للتطوير .
الدين والأخلاق في المجتمع :
ليس هناك دين واحد او أخلاق واحدة هناك مصطلحات دينية وأخلاقية أتفق عليها مع الأختلاف في تفسيرها (الحرام – الحلال – الفضيلة - الرزيلة – الأخلاق الحميدة – الأخلاق السيئة- الخ) تلك بعض من المصلطحات التي ربما يتفق أغلب المؤمنين علي وجودها والغير مؤمنين كذلك ولكن لكل طبقة في المجتمع تعريفها الخاص لهذه المعاني .
في الأسلام مثلا نري الأختلافات واضحة في تفسير كل تعريف فمثلا في الطبقات الأكثر فقرا يصبح مفهوم الزي الحلال للمرأة هو النقاب – الخمار – الحجاب التقليدي علي اقل تقدير وتصبح الغير محجبة هي اما مسيحية او مسلمة منحلة أخلاقيا ودينيا .
في الأماكن المنتشره فيها الطبقة الوسطي يصبح الحجاب هو الغالب مع تقبل الغير محجبة او عدم رؤية مايدعو لوصفها بصفات سيئة
اما بين المثقفين فيصبح الحجاب الأقل أنتشارا بين المؤمنات
مع أقرارنا بالاستثنائات إلا أن هذا هو الرأي الغالب عن الحجاب بين هذه المناطق والطبقات في نفس ذات المجتمع وجميع هذه المناطق تقر أن رؤيتها عن الحجاب او عدمه هي الأصح دينيا
كذلك في تقبل السجائر او الشتائم لكل طبقة في نفس المجتمع رؤيتها المختلفه عنها .
الثورة ليست صدفة :
يميل البعض من أصحاب نظرية المؤامرة في أن الثورة صدفة ومؤامرة علي مصر قام بها الأخوان وأجهزة تخابرات غربية بأستغلال الشباب و بعض الكارهين لحكم مبارك , والبعض الآخر من أصحاب الرومانسية الثورية أن الثورة قام بها الشباب للتخلص من نظام قمعي وفقط , إلا أن وجهتين النظر اقرب في تحليلهم الي جعل الثورة صدفة رغم التباين في موقفهم السياسي منها .
الثورة ليست صدفة هي قامت في مرحلة أزداد فيها التساؤل ادي التجريف الثقافي والتعليمي والعلمي والأقتصادي للمجتمع لحدوثها
مع تدهور المستوي الأجتماعي وتدني المستوي الأخلاقي وزيادة القمع الأمني كانت النتيجة الطبيعيةأان يصل المجتمع للنقطة الحرجة والغليان التام فكانت رصاصة الرحمة هي ثورة تونس التي لعبت دور العامل المساعد في تفجر الأوضاع في مصر وقيام ثورة 25 يناير , لسنا هنا للأستمرار في التحليل السياسي للثورة ولكن مايهمنا هي أن الثورة مع دلالاتها السياسية لم ينظر البعض للمضمون الاجتماعي لها .
ثورة 25 يناير هي لحظة بدأ أنتقال المجتمع من حال الي حال رغبته في تعديل بل وترك بعض القيم والعادات والتقاليد التي رآها الكثير في المجتمع والأخص الشباب بحكم المرحلة العمرية والرغبة في التغير وكذلك توفر فرص المعرفة السهلة .
التبدلات الشكلية والأخلاقية والأجتماعية في مصر :
من خلال مطالعتنا في التاريخ الأجتماعي لمصر الحديثة نجد انها مرت بمرحلتين منذ ثورة 1919 وأنتشار الفكر الليبرالي بين الطبقات الوسطي والحضر و كانت هناك بعض العادات التي تستغربها وتذمها اليوم الطبقة الوسطي والمدينين كانت في الماضي هي الشيء الطبيعي
لم يكن مثلا الحشيش محرم دينيا او بمعني أصح لم يكن هناك نشر لفكرة تحريم الحشيش ونري في بعض الروايات أن شخص يوصف بأنه تقي ومداوم علي الصلاوات ونراه يسهر في مقهي يشرب الحشيش مع الرجال وهنا يظهر بوضوح خصائص المجتمع الذي يشرب الحشيش بتلقائية شديده بدون خوف من التحريم الديني والتعامل مع الأجانب وترخيص بيوت الدعارة (سواء اتفقت او اختلفت معها) كل هذا جعل هناك فكر ليبرالي ينتشر بين الناس واستمرت وتبلورت هذه الأفكار في الحقبة الناصرية التي كنا نري عدم وجود الحجاب في الجامعة أطلاقا وتحرر الرجال والنساء في عاداتهم وتقاليدهم ربما يستثني من ذلك الصعيد .
الحقبة الثانية هي التي بدأها الرئيس المؤمن (كما وصف نفسه) أنور السادات عندما بدأ في أستغلال الأسلام السياسي لأنهاء الفكر اليساري الذي تجلت خطورته في أنتفاضة الخبز ومع تدهور الحياة الأقتصادية للفئات الأفقر وموظفي الدولة وبداية ظهور هذه العشوائيات أدي ذلك لأنتشار التيارات الأسلامية في هذه الاماكن بأفكارهم القادمة من الخليج الوهابية تغيرت العادات التي كانت في المرحلة السابقة .
استغرب أنور السادات في بداية ظهور الحجاب بين بعض طالبات الجامعة ورفض هذه الظاهره برغم وصف نفسه بالرئيس المؤمن ودولته بدولة العلم والإيمان وبعدها بسنوات قليلة أصبح الحجاب هو الزي الرسمي لطلبة الجامعات واللحية منتشرة ومسيطرة كذلك أصبح الحشيش محرم وبالتدريج السجائر وأصبح أستخدامة بين الشباب في مرحلة المراهقة سرا بعيد عن الأهل وربما الأصدقاء الرافضين لتدخينه.
الفضائيات الوهابية :
بدأ انتشار الريسيفر و ( وصلات الدش ) في عام 2002 و مع دخول الفضائيات للبيوت المصرية المتوسطة وشبه الفقيره دخلت معها باقة من القنوات الدينية ذات التمويل الخليجي بمشايخ من جميع أرجاء الوطن العربي الجامع بينهم هو الفكر الوهابي ودراسة أغلبهم الدينية تكاد تكون منعدمة كذلك , ومع هذه الفضائيات دخل الفكر الوهابي داخل مصر وأنتشر كالنار في الهشيم خصوصا مع قابلية المجتمع لها نتيجة التجريف الثقافي الكامل الحادث في المجتمع وأنتشار الفقر والبطالة كانت النتيجة الحتمية لهذه الأوضاع لجوء المصرين للتقرب من الله لتعويضهم مافات في الارض في الآخرة
و سريعا تحول المصرين لكائن شبه وهابي وتدريجيا أنتقل النقاب من زوجات السلفين للنساء العاديات والفتايات في سن الجامعة والمتزوجات حديثا أنتشر سريعا بل وأصبح هناك جدل حقيقي وهام بين اوساط المشايخ هل هو فرض او محبب !! وأنتشرت اللحي بين الرجال كنوع من التدين وأصبح الحجاب يبدأ من طلبة الأبتدائي والمرحلة ماقبل التعليم الأساسي احيانا .
وأنتشرت عادات تدعو للسخرية و للحزن فأصبحت الكتب الأكثر أنتشارا هي عن عذاب القبر بل أصبح عذاب القبر نفسه مفهوم ديني من المسلمات التي لاتقبل النقاش, والخيال عند الأطفال بدل من العيش في عوالم الخيال التقليدية أصبح الخيال له صفات جديدة فعلامات يوم القيامة ووصف المسيخ الدجال ونزول المهدي المنتظر وشروق الشمس من المغرب أصبحت هذه من الأشياء التي تشغل بال وخيال طلبة التعليم الأساسي .
علي هامش هذا المشهد بدأت ظاهرة التحرش الجنسي تظهر تدريجيا وفسرها البعض بأنه الكبت الجنسي الناتج عن الأسباب الأقتصادية السيئة ولانستطيع أن ننكر هذا السبب , و أظن انا من أسباب الكبت مع أنتشار الأفكار الوهابية داخل مصر وأصبح تعامل الجنسين مع بعض بعد مرحلة الأبتدائي صعب بل يكاد يكون مستحيل عند البعض جعل هناك كبت جنسي شديد فجزء من قلة الكبت يرجع كذلك لتعامل كل جنس مع الجنس الأخر بصورة طبيعية وليست بهذه القيود التي تجعل ربما النظر صدفة خطأ يستحق الأستغفار , وكان هناك تفسير آخر لهذا الكبت يدعم هذا التفسير المشايخ الوهابية وهو المرأه نفسها بلبسها المتبرج علي حد رؤيتهم ربما أستغل المشايخ هذه الظاهره في تغزيز أفكارهم بل وربما أجبار الآباء علي أجبار بناتهم علي الحجاب والملابس الواسعة لكي لاتتعرض للتحرش .
تساؤلات ما بعد الثورة :
تفجرت الثورة وبات هناك رغبة عارمة لتغير المجتمع وعاداته وتقاليده لم تعد هذه الأفكار القديمة سواء أفكار مشايخ الأزهر او الوهابية مواكبة لتساؤلات العصر ومع تزايد حالة التمرد عند قطاعات كثيرة من الشباب بعد الثورة والنجاح المبدأي في أزاحة مبارك أنجرف البعض وراء اليوتوبيا الأسلامية وحلم الخلافة الأسلامية فأتجهوا ناحية الأخوان المسلمين والسلفين وربما هذا يفسر نتيجة أنتخابات مجلس الشعب مع العوامل الأخري التي ادت لهذه النتيجة.
وأتجه البعض للتيارات أصحاب الأيدلوجيات العلمانية وبرغم ضعف هذه التيارات إلا أن أعدادها تضاعفت عن ماقبل الثورة بمراحل
نجحت التيارات الاسلامية في جذب وأدلجة من تقرب منهم جدا بشكل كامل وفقدو تدريجيا بقية الجمهور .
اما التيارات العلمانية فبرغم أنضمام الكثيرين لها إلا أنها لم تنجح في عرض أفكارها وتصحيح المفاهيم والتشويهات التي قيلت عليها وأصبح هناك الكثير من الشباب لايعرفون إلا شعارات عامة فقط عن هذه الايدلوجيات
اما من لديه اسئلة وشكوك إيمانية فلايجد أتجاه يعزز هذه الشكوك علي أساس تاريخي وعلمي صحيح او أتجاه يقوم بدور تنويري وأعادة احياء العلوم والفقه الديني بطريقة حديثه تناسب التطورات العلمية المؤكدة (مثل التطور) يصبح الدين امام مأزق وامامها اما الأتجاه التنويري والأعتراف بهذه التغيرات او الأستمرار في التشدد وخطاب التكفير وهذا ما تبرع فيه المؤسسات الدينية .
لم يعد هناك بناء ثقافي حقيقي أصبحت العملية تتم بشكل عشوائي بالأعتماد علي الفضاء الألكتروني فالمرحلتين السابقتين كانت نتيجة بناء فكري تم عبر سنوات طويلة فمرحلة الليبرالية الفكرية في مصر تمت بعد دخول الفكر العلماني في مصر عبر عملية تنوير تمت علي سنين طويلة وشجعتها وتبنتها مؤسسات الدولة بداية من محمد علي حتي جمال عبد الناصر.
اما مرحلة التدين الوهابي فتأسست برعاية الدولة كذلك وعبر الكثير من المشايخ والأموال , اما مرحلتنا الحالية فالدولة مصممة علي تبني أفكار دينية تخص سياساتها فأصبحت مؤسسة الأزهر تقوم فقط بتنفيذ رؤية الدولة السياسية وفتح ابواق التحريم والتكفير علي من يضايق الدولة او العكس اما , اما الكنيسة فلعبت دور المدافع عن حقوق المسيحين وفرض القوانين الشخصية عليهم وتؤدي في مواسم الأنتخابات دور سياسي واضح في دعم المرشح العسكري غالبا كذلك تناسيها لما تعرض له الأقباط من اضطهاد برعاية مؤسسات الدولة في أحيان كثيرة .
اما الأخوان والسلفين فقد أدوا لتزايد التساؤلات عن الدين ومع تزايد التساؤلات لم يجد السائل أجابة وحالة من الجدال والأفكار الدينية التنويرية او حتي علي الجهة الأخري نقاش حقيقي عن أسباب عدم الإيمان وخلافه كلها افكار وردود عشوائية والأمر يعود حسب تفضيل واستعداد السائل .
هكذا أصبح المجتمع في حاجة لتجديد أفكاره ويريد حالة من الجدال العلمي والتنويري في الدين والاخلاق والفلسفة وكل الأمور وتقبل الأخر والأقليات الدينية والمخالفين في الأفكار والاعتقاد ولاتوجد دولة او علماء او مفكرين كثر يشجعون ذلك بل في أحيان كثيرة يلجأ المفكرين الحاملين لأفكار تنويرية لايفصحوا عنها بحجة الخوف من هجوم الأسلاميين , هكذا تحولت الأمور لعشوائية شديدة ومن هذه الحالة أدت التغيرات المفاجئة في اشخاص قد نعرفهم خصوصا من الشباب فمن كان اسلامي يصبح يساري كذلك تحول البعض لحالة من الذاتية والعبثية الشديده مثل التي تكلم عنها نجيب محفوظ في عوامة ثرثرة فوق النيل .
ربما استمرار الأوضاع علي ماهي عليه الأن سيشجع حالة من الفوضي العامة في كل شيء وسينعزل كل شخص بأفكاره في برج عاجي بحيث لايقبل النقاش او الجدل فيها او تطويرها وتجديدها هذه هي الأزمة الأجتماعية الحالية التي تمر بها مصر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الهولندية تفرق تجمعا لطلبة جامعة أمستردام المتضامنين


.. عاجل| مجزرة جديدة.. شهداء وجرحى باستهداف إسرائيلي لمنزل من 3




.. تزامنا مع تجدد المعارك شمالا وجنوبا.. هل حققت إسرائيل أي من


.. الملك تشارلز الثالث يسلم إحدى رتبه العسكرية للأمير وليام




.. محامي ترمب السابق يقر بالكذب لصالحه في قضية -شراء الصمت-