الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!ما لهذا الدستور ينسى تلكم الكبيرة

علي شايع

2005 / 8 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الغالب العراقي ينتظرون،وبحذر، مرحلة ما بعد الدستور،الذي نريده دستوراً لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها في توثيق وكتاب مبين، لطيّ صفحات مريرة،بينها وأهمها مرحلة الحواسم وما تلاها!..

ترددت في وضع كلمة الحواسم ضمن هذا السياق،لولا ما وجدته من حاجة توصيفية ماسة لحالة عراقية أعقبت سقوط النظام العراقي وباتت تعرف بهذه التسمية بعد إنزياحها عن معنى المعركة التي أطلقها الديكتاتور، لتكون لاحقاً أصدق كلمة وأشجع معنى قاله في حياته بعد أن توقع الحسم فعلاً،حتى كانت التسمية مصداقاً لزواله.

ومن غريب المصادفات أن تكون"الحواسم"؛ التسمية التي عرّفت النهب أثناء وبعد معركة انهيار النظام،لها صلة تاريخية أيضا بالقول عن السرقة،حيث يرد في الحديث الصحيح: "أَنه أُتيَ بسارقٍ فقال اقْطعوه ثم احْسِموه"!، أَي اقطعوا يده ثم اكووها لينقطع الدم،غير أن الدم في حواسم أخرى مازال يسيل!.وما حدث بعد زوال الطاغية من حوسمة وتحسيم،فعّلَ وبشكل كبير لنمط همجي تلبّس الحياة العراقية،حيث سخّرت فوضى التحرير علينا ريحها، فكان عصفها أشد من "سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا" لحظة كان فرهوداً ديموقراطياً مريراً،سرعان ما تحوّل إلى سياق الدولة الجديدة،ليورثها لعنة الحسم..

في مرحلة ما بعد الحواسم،نسمع،ومن أغلب العراقيين،حكايا كثيرة عن حواسم ديموقراطية يستتر فرهودها ويعلن،بين الحين والآخر،وحكايا عن الرشوة واستفحالها في بنى المؤسسات العراقية- أو ما يسمى بالمؤسسات جزافاً- حد غياب النزاهة وشروطها،غياباً يوجب المراثي حقاً،أكثر من الكتابة،حيث لا تجدي من سرور للفائدة..

ولن نحار كثيراً لسبر أغوار الفجيعة العراقية فيما تراكم من أيادٍ عابثة مرّت على سنوات المضطهدين فيه،وأوغلت بالبعد عن كلّ نزاهة..

وعراقياً،سيطول الحديث عن غياب النزاهة،فالتأريخ تكفـّل بالتوثيق المفصل-رغم غياب نزاهة أكثر المؤرخين أصلاً- بسرد الصفحات حتى صار الحديث المستفيض موصفاً بالألم الذي كنّا شهوداً على فجائعه تحت ركام نظام قمعي،غابت النزاهة فيه عن الحكم بل حوربت،كحقيقة الإخلاص للإنسان شريكاً في الوطن.وكان كلّ تنظيرٍ بعثي؛حديثاً يدلّ في كلّ تفصيلاته على النقيض،لأن معيار النزاهة الفكرية للقائلين بها منعدمة ولا تؤسس لأية مصداقية وتجاوب،فالسلطات القمعية على اختلاف مشاربها تحاول التأكيد تكراراً على صفات وسمات لا تتخذها هي،بل تكون شعارات مرتجلة يبقى مداها ومنتهى حضورها -الممل- إعلاميا كخطاب مقيت لا يعتني في الجوهر ببنية الدولة في علاقاتها المالية والإدارية وتداولاتها القضائية في منظومةٍ و سياق علمي وموضوعي وأخلاقي محكوم بالقانون والمتعارف الأخلاقي،حيث تتشكل القاعدة الأساس للنزاهة.

لقد ولى الديكتاتور مثالاً سيئاً لتابعيه كمفسد إداري من الدرجة الأولى يفعل المحسوبية ويشجع عليها،ويدفع الرشوة،ويرضى بها ولو كلمات تحابي سيئاته الكثيرة،وطالما دفع النفط العراقي عطايا و رشى لإحقاق باطله إعلامياً..إلى آخر الحكاية المعروفة..

لقد ولى الديكتاتور ليترك حسماً في نفس كلّ ضحية، يشتعل بالتوق للانتقام من دولة الرعب،لكن هذا التوق صار هدماً لبنى الدولة العراقية وكياناتها الوظيفية الأولى،وهو خطر مبير سيشكّل لإعاقة هيكلية مرعبة،وثمناً اجتماعياً باهظاً،يقرع أجراس الخطر،ولكن لمن تقرع الأجراس؟..



قيل قديما:

إذا كنت في حاجة مرسلاً وأنت بها كلف مغرم

فأرسل حكيمًا ولا توصه وذاك الحكيم هو الدرهم

انقرض الدرهم العراقي ليحلّ مكانه الدينار،والدينار صار عملة هزيلة،وبعضهم صار يطالبك بالدولار..

وحين تسأل مسئولا عن هذه الظاهرة يقول ويقول..ويتوعد المرتشين والمفسدين،حداً يضحك منه السامع ليهمس: فأبشر بطول سلامة يا مفسد

فحتى هذه الساعة لم يصدر حكماً قضائياً بحق مفسد ما،أو مرتشٍ في عداد الملايين..

والأمر يتعدى هذه السرقات الصغرى إلى إرهاب مدني يتهدد الدولة بضياع الأموال والموارد في زيف العقود وباطل التعاملات..

وإذا كنت بصدد قراءة لمسودة الدستور المطروحة للمناقشة في هيئة كتابة الدستور،فلي هنا أن أشدد على أول فقرة وردة في مقدمة تلك المسودة كهدف أساس لهذا الدستور :" إقامة العدل على أسس راسخة لضمان حق كل إنسان ومواطن دون رهبة أو تحيّز طبقاً لمبدأ سيادة القانون"..وأتساءل هل نحن بلا قانون الآن،لترحّل هذه القضايا إلى مرحلة ما بعد الدستور؟.

ثم في فقرة مجاورة،وتحديدا في الفقرة السادسة من سياق أهداف وضع الدستور،لأكتشف أن هيئة إعداد مسودته ما مرّ بعد على أسماعهم خطر الفساد الإداري في العراق الذي أصبح يوازي الفقر والمرض والجهل في التوصيف كحالة رعب للإنسان العراقي،حداّ يوجب إضافته إلى ما وضعوه من هدف في" تحرير المواطنين من آفة الفقر والمرض والجهل والخوف بإقامة نظام اقتصادي واجتماعي صالح يحقق العدالة ويؤمن الضعيف والخائف ويوصل كل مواطن إلى خيرات وطنه"،لأن في التأكيد على مخاطر هذه الحالة وتثبيتها دستورياً ضمان لإقرار عراقي جماعي- حال الاستفتاء على هذا الدستور- بضرورة وضع حد لآفة خطير تشتمل على كلّ فعل مخالف للقانون والنظام الإداري والمالي هدفاً لتحقيق منافع شخصية على حساب المصلحة العامة حيث هي أول أساس دستوري،يتوجب الإشارة إليه بنص مكتوب ومتفق عليه في الإجماع العراقي،وفي عقد التعايش العام.

هكذا نريد دستوراً لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها..فسجلوا هذا يا هيئة كتابة الدستور!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية