الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التفرقة وجذور الإرهاب

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 7 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


القليل يكشفون عن جذور الإرهاب في التربة المصرية، فما بال من يحاولون إقتلاعها، وتحرير العقل من الأفكار القائمة علي التفرقة بين البشر التي نتربي عليها منذ الطفولة، هناك علاقة وثيقة بين ثقافة التفرقة والسلوك العنيف، فالطفل المسلم الذي يتربي في البيت والمدرسة، علي أنه أفضل من زميله القبطي، وأفضل من أخته أو زميلته الطفلة يصبح رجلا رافضا لفكرة المساواة بينه وبين الأقباط والنساء، ويعبر عن رفضه بالعنف الصريح الواعي أو العنف المكبوت، فيضرب زوجته إن رفضت التفرقة بينها وبينه، أو يؤنبها في صمت، ويكرهها في اللاوعي، حتي يتخلص منها بالطلاق غيابيا، أو الزواج بأخري تقبل وضعها الأدني، أما زميله القبطي فهو يعنفه إن تعامل معه علي قدم المساواة، ويصفه بالكافر، أو يكبت الكراهية له في صمت، حتي يأتي الوقت فينفجر فيه أو يشارك في حرق كنيسته.
ظاهرة العنف والإرهاب ليست مقصورة علي جماعات إسلامية معينة في هذا العصر، ولكنها ظاهرة تاريخية في جميع الأديان، إذ تذوب السلطة الدينية في السلطة السياسية بالدولة والعائلة، تاريخ المسيحية واليهودية لا يقل دموية عن تاريخ الإسلام أو أي دين آخر، تختلف الأديان من مجتمع الي آخر، وتقل حاجة البشر للأديان بازدياد معرفتهم لظواهر الكون، وتطور علومهم الطبيعية والإنسانية، منها التاريخ والفلسفة والطب، كانت الكنيسة في أوروبا العصور الوسطي، تحتكر وسائل علاج الأمراض الجسدية والنفسية، وتتهم كل من يستخدم وسائل أخري بالكفر وتأمر بحرقه، الملايين من البشر في العالم ينقدون الفكر الديني، والملايين يؤمنون منذ الطفولة، وهناك ملايين تنكر الأديان والآلهة، وهناك من يؤمنون بوجود خالق أول أو قوة غيبية تملك سر الوجود، ينبع العنف والإرهاب بسبب التفرقة بين طقوس الأديان وتقاليدها وقوانينها وشرائعها التي يضعها عدد قليل منهم، ويعتبرونها مقدسة من أجل السيطرة السياسية والاقتصادية علي الأغلبية الساحقة، وتلقين دينهم الموروث لأطفالهم، بالتربية والتعليم والسمع والطاعة والتخويف والعقاب أو المكافأة، يصبح الإيمان الديني جزءا من القلب والوجدان والوعي واللاوعي، ومعه الخوف والعنف والتفرقة بين الناس باختلاف الدين والجنس والعرق والطبقة وغيرها، يتشكل العقل منذ الطفولة علي الإيمان الشعوري واللاشعوري، بكل ما يقوله رجال الدين وتفسيراتهم للكتب والأحاديث الدينية، حتي الفتاوي الخرافية المناقضة للبديهة، تصبح مقدسة، يطلقها الأئمة من المذاهب المختلفة لأغراض سياسية معينة، ومن هنا صعوبة القضاء علي العنف أو الإرهاب الديني السياسي، طالما أن تربية الأطفال وتعليمهم قائم علي التفرقة الجنسية والدينية والعرقية، ينص الدستور المصري علي حرية العقيدة مع ذلك يظل التعليم المصري كما كان منذ العصور الماضية، يتهم بالكفر كل من يفكر بعقله الحر، أو ينقد ثقافة التفرقة الدينية أو الجنسية الراسخة في المذاهب علي اختلافها، تعصف الأديان القائمة علي التفرقة الجنسية والدينية بأي دستور ينص علي المساواة والعدالة والمواطنة والحرية والكرامة للجميع، وحل الصراعات والخلافات بالحوار والعقل وليس بالعنف والإرهاب، ومن هنا الدعوات المستمرة لتجديد الخطاب الديني ليتمشي مع مباديء الدستور أو مباديء الثورة، التحدي يواجهنا اليوم للقضاء علي جذور التفرقة التي تشكل الوعي واللاوعي لدي الرجال والنساء والمسلمين والأقباط والأغنياء والفقراء، العلاج السطحي بالمسكنات لن يجدي، نحن في حاجة الي الشجاعة والصدق لتشخيص المرض، وإقتلاع الأسباب العميقة الراسخة في صلب النظم التعليمية والتربوية والأخلاقية والثقافية.
بلاد متعددة في العالم، لم تنهض علميا وأخلاقيا إلا بتغيير القيم والمفاهيم التي تلقن للأطفال تحت إسم الدين، وإبدالها بقيم إنسانية عليا لا تفرق بين البشر لأي سبب يتعلق بالدين أو الجنس أو العرق أو الطبقة، تتجسد خطورة التعليم الديني للأطفال علي ترسيخ التفرقة بين البشر، التي يمتزج فيها الديني بالسياسي بالثقافي بالاجتماعي بالجنسي بالاقتصادي بالدعاية بالرقابة بالترغيب والترهيب، تخلصت كثير من البلاد من التعليم الديني التقليدي، الذي يزيف الوعي ويرسخ فكرة التفرقة بين الناس، وبالتالي العنف والإرهاب، المباديء الإنسانية العليا: الصدق، الحرية، العدالة، المساواة، الكرامة، الأمانة، هي جوهر الدين الصحيح، وهي تحقق الطمأنينة والسلام والتوازن النفسي والسعادة للإنسانية وللإنسان، في علاقتهما بنفسيهما وبالآخرين، بعد أن يكبر الأطفال ويبلغون النضج، يمكنهم الاطلاع الحر، واختيار العقيدة التي تلبي حاجتهم النفسية أو أسئلتهم الوجودية.
إن الدين الصحيح لا يفرض علي البشر بالحكومات أو وزارات التعليم، ولا يورث عن الآباء والأجداد، فالإيمان بالوراثة باطل، والإيمان الصحيح ثمرة اختيار حر غير قابل للتسويق تعليميا أو سياسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا د.نوال
أحمد فتحي ( 2014 / 7 / 9 - 13:23 )
شكرا د.نوال... مقالات وكتب حضرتك دائما تنير الأجزاء المظلمة في عقلي وأنا دوما
في انتظار المزيد منهما
شكرا لحضرتك مرة أخرى

أحمد فتحي
ثلاثين سنة


2 - ثقافة
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 7 / 9 - 21:29 )
الديانات تفرق بين الشعوب وتتسبب في الخلاف المزمن الذي يؤدي للإرهاب ولهذا نجد عالمنا العربي اليوم كله فتن وحروب كما يحدث الآن في عدة أقطار عربية مثل العراق واليمن وليبيا وغيرهم
كما أن التعليم هو سبب هذا البلاء في البلاد العربية عندما يحشون عقول الأطفال بفكرة مفادها أن ديننا هو الأفضل بينما الآخرون كفار
كما أن دساتر بعض البلدان تنص على حرية الأديان لكن ميدانيا نجد عكس ذلك فنحن العرب نعيش في تناقض خطير لا يزيدنا إلا تأججا
ولحد الآن لم يجد العرب طريقا تخرجهم من الجهل والتخلف والبؤس الفكري والمعرفي
بينما الدول المتقدمة تخلصت من أفكار الدين ونهجت سبيلا مختلفا عن الأفكار التي كانت لديهم في العصور المظلمة وأصبح المواطنون متسامحين فيما بينهم ولديهم الحرية المطلقة في اختيار ما يناسبهم من عقائد أو أفكار وهذا هو سر تقدمهم فبنوا مجتمعاتهم على أساس الحرية والحرية المسؤولة وكرامة المواكن الحر

اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر