الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار العيون الحلقة الثامنة

الرفيق طه

2014 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لما دخل بيته ، وجد امه و قد ارتدت اجمل الثياب و تزينت ووضعت على وجهها كحلا و على شفتيها احمرا . تفاجاً لذلك ، بعدما كانت الكلمة التي نطقتها قبل خروجه اشعلت فيه نار الفرح . فرح انتظره حتى فقد الامل بعد توالي الزيارات للاطباء المختصين .يوًلمه حالها . لا تتكلم و ان نطقت لا تقول كلاما مفهوما يشبه ما ينطقه البشر . لم تعد تهتم باي شيء في ذاتها او حولها ، تاكل كل ما تجده امامها ان جاعت و تشرب اي شيء ان عطشت . و في حالات ناذرة تغسل اطرافها و وجهها . كانت مسالمة مع الخادمة الخاصة حد الطاعة . تتميز بليونتها و لطافتها في التعامل . لا ترفض الدخول للحمام او استبدال ملابسها ، لذلك كانت داىًما انيقة في مظهرها و لا تظهر عليها حالة المرض . الخادمة ليست لها اي مهمة سوى الاهتمام بها و متابعتها في كل صغيرة و كبيرة .
نظر احمد لوجه امه بخجل و ابتسمت له ، ابتسامتها هذه فارقتها منذ زمن طويل . شيء ما تغير في الام ، نطقت كلمة ، تزينت و ابتسمت .
نظرت الخادمة في وجه احمد باحترام و ابتسمت ، سالها بصوت خافت ما الجديد ؟ اشارت له بعينيها و وجهها بنعم . فهم ان الامر يتعلق بشئ خاص او غريب . اتجه نحو الدرج و تبعته الخادمة . لم يبلغ الاثنين باب غرفة نومه حتى لحقت بهما الام . تحاشت الخادمة الوقوف و اتجهت نحو البهو . بعدما ايقنت ان ابنها دخل غرفته وحيدا و احكم اغلاقه ، عادت الام الى الاسفل .
على سريره وجد اشياء كثيرة تهم الرضع ، فراش و ملابس ...ابتسم بتعجب و قال ما هذا ؟؟
فتح باب الغرفة و خرج بتاًن ، وجد الخادمة امامه و كانها تنتظره . سالها ماذا هناك ؟ اجابته ان السيدة منذ ان خرج و هي تجمع الورود من الحديقة . حتى تلك الورود البلاستيكية تنزعها من اماكنها و تصع منها باقات . كما انها دخلت للاستحمام وحدها كما اختارت ملابسها التقليدية و اول مرة راتها تتقابل مع المرات .. كما انها تجمع اشياء تخص الرضع . و طيلة الليل و هي ترقب باب الفيلا و كانها تنتظر شيئا . و ان تعاملها مع الخادمات الاخريات تغير بشكل ملفت للنظر . و اهم شيء انها نطقت كلمات لم يسبق ان اسعفها لسانها لنطقها .
نزل احمد ، وجد امه جالسة مرتخية في البهو و حالة الفرح تشع من وجهها . عادت ذاكرته الى ايام كان يجهلها اما له ، شابة جميلة ، كل اثار ذلك استحضرها الان ،
رفعت عينيها تنظر اليه ، قالت " احمد م م م م م ... " احس بالبكاء لكنه كتمه ، و جمد دموعه قبل مغادرتها العينين ، و قال هيا امي للنوم . رافقها الى غرفتها رابطا يدها بيده ،و يقبل وجهها ، راسها و جبينها ، الى ان اتكات على سريرها . وضع الاغطية عليها و قبل وجهها مرة اخرى و خرج .
وجد الخادمة امام الباب ،تتابع ما يحدث عن بعد ، و كانها تريد ان تقول ما لم تقله له من قبل . استبق نطقها و قال لها بصوت خافت اتركي الامر حتى الغد .
دخل غرفته الخاصة ووضع راسه على المخدة ، يعيد شريط ليلته الحافل بالاحزان و المسرات . الفرح الممزوج بالاضطراب و التردد ، يشعر بانشراح عميق و قلق يغالبه . متمدد على السرير و يديه مربوطة الى صدره و وجهه متجه نحو اليسار و اشعة اضواء خارج الغرفة ترسم اشكالا متفاوتة على حيطان الغرفة و ارضيتها و حتى على وجهه . لكنها اشكال بلا معنى و حتى ان كانت لها فان احمد غير مهتم الا بدواخله و اطرافه التي يغلب عليها التعب . اما الافكار و الصور التي رسخها يومه الحابل بالاحداث المتوالية و المتعددة في الزمان و المكان بما تحمله من غموض و جدة كالصخور المتساقطة من اعلى . يشعر بنفسه محاطا بعالم لا يتحكم في اي من معالمه و لا يعرف الكثير عن ابطاله ، ذكر بين امراتين ، ام يجهل حقيقة مسارها الذي بلغت في نهايته هذا الحال الحرج بين البكم و الحمق ، و امراة لا يعرف عنها الا ما تبوح به له و هي في حالة من الاضطراب اللا متناهي ، المليء بالمتناقضات . و بين الام و المراة حسناء يجد نفسه ذا قلب يتسع لهما معا دون ان يعلم كيف يوازي بين رغباتهما و متطلباتهما .
في حال بين و الامل و الخيبة ، بين الحيرة و الاضطراب يغفو احمد نائما، ربما بسبب الالم الذي يقض مضجعه والتعب الذي يدغدغ عضلات جسده او هروبا من ثقل ما تحمله الافكار التي تخالجه . بل قد يكون الفرح الذي يسري في اعماقه تلذذا باللحظات الجميلة التي عاد منها او اشارات الطيب التي بزغت من والدته.
اما حسناء ، و بعدما ترجل احمد السيارة ، فقد جهتها و بسرعة مرتفعة نحو مسكنها . لان خروجه من جانبها جعلها كالسجين الذي اعادوه الى معزله في الزنزانة الانفرادية . لم يعد امامها غير باب الفيلا متسائلة عما ينتظرها من مجهول .
بالباب و قبل الدخول تعمدت الخادمة ، الاسيوية الماكتة بالمقعد الخلفي للسيارة طوال مدة الرحلة ، ان تتظاهر بالمرض و الوجع في احشائها . ذلك ما اتفقت عليه مع السيدة حسناء . لما ارتكنت السيارة بمدخل مربضها ، تسابقت حسناء تساعد الخادمة على النزول و المشي نحو داخل الفيلا .
في تلك اللحظات ظهر الرجل الملتحي الاربعيني واقفا قرب مصباح بالحديقة يحاول اكتشاف ما يجري ، و عينيه يجد صعوبة لفتحهما . و دون ان يبدي اي ليونة او رد فعل عما يرى عاد الى من حيث خرج .
استمرت الخادمة و حسناء في اللعبة دون تردد ، الخادمة في حالة من الوهن و الضعف و حسناء تساعدها على المسير و الصعود في الدرج و كيس الادوية بيد احداهما ، ربما دليلا على انهما كانا في زيارة لطبيب . سارت السيدتان الى ان التحقت خادمة اخرى و قد نهضت من نومها مفزوعة ، لتعوض حسناء في المهمة و هي تتساءل عماذا يقع . و تدخل الثلاثة لغرفة نوم المريضة .
بعد حين التحقت حسناء بغرفتها الخاصة ، ارتدت ملابس النوم و الارتباك باد على مظهرها و تصرفاتها . ارتمت على السرير و استسلمت للهموم و الوساويس تتقاذفها من كل جانب . تحاول التجاوز و النسيان ، لكن كلما اعادت صورة الملتحي و وجهه متجهم و لم يبد اي استعداد للمساعدة او حتى السؤال عما يجري ، تشعر بان لعبتها قد انكشفت . كما انه اذا ابلغ شيوخه بما جرى ستكون الكارثة الكبرى . ذلك ان كل الصبر على المعاناة و هذا الاعتقال الذي تجد نفسها فيه طوال هذه السنوات سيذهب سدى . و الاخطر من هذا و ذاك هو ان تخلي الجماعة عنها سيقوي جد ابنها الوحيد و يجعلها فريسة لهم جميعا . خاصة انه لا ينتظر الا الفرصة السانحة لينقض على السيدة و حفيده .
و سرعان ما تنسط لقلبها يخفق فرحا بما رات و سمعت من احمد . الوقت الذي عاشته معه وحده يكتسب قيمة منذ وفاة راشد ابو اسعد . تلك الاحاسيس لم يشعلها الا هو وحده ، و هي التي اغتالت الالم و احيت الامل فيها . وحده يجعل القلب يرتبط بالجسد و العقل يعلق بالروح الخفاقة في اعماقها . وحده احمد صانع الابتسامة التي تنبع من قعر الخوالج لترسم على الشفتين و العينين . مع احمد، وحده ،المصاعب ذليلة و المستحيل محققا . هو احمد وحده يعطي للمكان معنى غير الذي يحمل و للمكان طعما غير الذي يشير . الخلاء صحبته عمارة و الليل رفقته نهارا .
غاصت السيدة بين الكوابيس و الاحلام حتى الصباح . في اول لقاء لها بالملتحي بالحديقة سالها عن حالة الخادمة و سبب الوجع . اجابتها متلعتمة انه وجع نسائي لا خطر فيه . اعتقدت ان لعبتها مع الخادمة نجحت . لكن رده الصارم شكل الصدمة الغير منتظرة . " عليك انت تعلمي جيدا انك تحت امرتي ، و خروجك في ذلك الوقت مهما كان السبب يجب ان ارافقك او على الاقل ان اعلم به " هكذا قال . اخبرته ان وضعه لم يكن عاديا ليلا و ان خروجه ثملا ليلا سيشكل فضيحة له و لها . انتفض صامتا و عاد الى بيته .
بعد وقت وجيز اتصلت السيدة باحمد هاتفيا ، و عبر عن سعادته بعودة والدته للشفاء حيث نطقت كلمات عديدة هذا اليوم ، كما اخبرته بدورها بما جرى مع الملتحي ، كما عرضت عليه سفرا الى قبرص للاحتفال بعيد ميلاد ابنها اسعد ، و وافق على الفور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط