الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أميركا: تحالف ضد الإرهاب، أم تحالف غير معلن مع الأرهاب

محمد بهلول

2014 / 7 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


يجمع الكثير من المتابعين و الإعلاميين على ان اسرائيل هي المستفيدة الأكبر من حالة الصراع السياسي السلمي و العنفي و الحراك الاجتماعي الشعبي الذي يعّم العديد من الدول العربية و الإمكانية الواقعية لامتداده على كامل البلدان العربية و بعض الدول الاسلامية.

و تستند هذه الاستنتاجات على قاعدة متوارثة في العلوم السياسية و الاجتماعية عمادها سياسية التحالفات و التناقضات اي ان الصراعات و المعارك ما بين خصوم اسرائيل الواقعيين و المفترضين و المتخيلين إنما تستنزف طاقات الجميع و تؤدي بهم في نهاية المطاف الى حالة الضعف و الوهن و عدم القدرة على المواجهة و بالتالي اضطرارهم الى الدخول في تسويات تراعي مصالح و دور المنتصر المتخيل اي (اسرائيل) لابد هنا من التوقف امام عدد من الاستنتاجات التى تم التوصل اليها و حازت على شبه إجماع المحللين الاستراتيجيين و دوائر القرار في الدول التي تعتمد في سياستها على ابعاد استراتيجية.

منذ سقوط الدول الاشتراكية و انهيار الاتحاد السوفياتي ، باتت الصراعات تحصل ضمن إطار منظومة اجتماعية و اقتصادية واحدة تلتقي في أهدافها الاستراتيجية (الحفاظ على النظام الرأسمالي) لكنها تتصارع و تتناقض على الاستحواذ الاقتصادي (السوق. -المواد الأولية...) و هو ما يتمظهر في سعي الدول المؤثرة للحفاظ و تطوير و توسيع موقعها الجيو-سياسي و تشكل الحروب - بما هي شكل من أشكال الصراع السياسي الذروة ل ( خسارة او ربح) هذه المواقع وهو ما يعني ان الدول التي لا تشارك مباشرة سواء بقواها الذاتية او بالواسطة عبر قوى حليفة و مؤتمرة ، يكون ربحها منعدماً او ضئيلاً الى حد التلاشي ، في حين ان خسارتها واضحة نتيجة تراجع دورها المؤثر على الصعيدين الإقليمي و الدولي لصالح القوى المنتصرة ( ان الدول الغير مشاركة تخسر بخسارة الحلفاء ، لكنها لا تربح مع ربح الحلفاء) ، و لعل روسيا في حرب العراق و ليبيا مثلاً ساطعاً ، و على النقيض نرى الدور المتقدم و المتعاظم ل (روسيا) في الحرب السورية الحالية و التى دعت اكثر من مسؤول أميركي رسمي الى الاعتراف العلني بأولوية المصالح الروسية في سوريا حتى على حساب المصالح الاميركية .

ان النشوة الاميركية العارمة لتقدم دورها الريادي كقطب أحادي في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي جعلها تجري بوتائر سريعة و بتهور احياناً لقطف مخلفات الامبراطورية الساقطة دون احتساب الأبعاد الاستراتيجية ، فرأينا عدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة ترتقي للعب ادوار إقليمية منفوخة لا تستند الى واقع سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي يؤهلها لذلك ، تحولت خلال فترة قصيرة نسبيا الى عبء على المصالح الاميركية.

ان الولايات المتحدة التى عادت لتخسر جزءاً مهماً من نفوذها المستحصل في منطقة الشرق الاوسط لصالح التمدد الجيو-سياسي الروسي و الاقتصادي الصيني إنما تخسر ذلك من عباءة حلفائها و ليس من كيسها المباشر و هو أدى و سيؤدي الى تراجع العديد من ادوار حلفائها في المنطقة، و سقوط مدوي لرموز بارزة ، قطر مثال ساطع و على الطريق باقي الحلفاء بما فيهم اسرائيل. من الاستنتاجات الهامة أيضاً على موقع القطب العالمي ، بروز قوى مؤثرة خارج سياق الدول ، حزب الله في لبنان ، القوى الاسلامية الجهادية المتطرفة - القاعدة و تفرعاتها و أيضاً المجتمع المدني و المحلي ، و اذ كان حزب الله واضحاً في انتمائه العقائدي و سريانه في إطار البعد الجيو-سياسي للمصالح الإيرانية، فان القاعدة و تفرعاتها و على الرغم من تبلور مشروعها الخاص المتمثل بالدولة و الخلافة الاسلاميتين الا انها و في إطار التجاذب و الصراع على المستويين الإقليمي و الدولي تدخل في شباك التناقض و التحالف على المستويين الإقليمي و الدولي ، فنراها بالمجمل في إطار المواجهة للاحتلال الأميركي في أفغانستان تنساق ضمن بوتقة المصالح الإيرانية و تخدم المصالح السورية في إطار المواجهة للاحتلال الاميركي ، في العراق في حين تخدم اليوم مصالح الدول المنزعجة من تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة.

اما المجتمع المدني و المحلي و ان كان غير متجانس و غير مبلور كمشروع مؤثر ، الا ان عناوينه الاساسية التي يلتف حولها جزءاً واسعاً من شعوب المنطقة تتمثل بالمطالبة بألديمقراطية و الدولة المدنية و حقوق المرأة ....الخ، الا انه بحكم تنوع الانتماءات الطبقية -الاجتماعية و تشرب نخبة الفاعلة المتعلمة للثقافة و الحضارة الغربية و بحدود اقل للتقاليد و العادات يبدو هجيناً و غير متوائم مع الجمهور الشعبي الواسع المؤمن بهذه العناوين و عاجزاً بالتالي عن تشكيل آلية ضغط فعلية .

ان العناوين التى يسعى المجتمع المدني الى بلوغها تبدو غير منسجمة حقيقة مع تحالف نخبه المعلن و المستتر مع سياسات الدول الغربية وهو ما يجعله في حالة اغتراب حقيقية و فعلية مع شعوبه ، و يسهل بالتالي استخدامه المتناقض من قبل القوى المتصارعة على الصعيدين الإقليمي و الدولي .

ان غالبية القوى المؤثرة ما دون الدولة بقدر ما هي متشابكة مع المصالح الدولية و الإقليمية بقدر ما هي متفلته منها ولها أجندتها الخاصة . التي تتيح إمكانية الاستخدام المتبادل و هو يؤدي الى ضبابية واضحة و تبدل سريع و مفاجىء في موازين القوى و التحالفات.

ان الدخول في تفاصيل الأحداث يعطينا صورة ضبابية ، الا ان التجريد و الانطلاق من أساسيات الصراع يعطينا صورة أوضح ، انه الصراع في إطار المنظومة نفسها اي ( النظام الرأسمالي؛ و هو ما يسمح (للبراغماتية) ان تصبح عقيدة متكاملة و ليست فقط أسلوب و منهج لادارة الصراعات، انه صراع النفوذ و الجيو-سياسة، دول و قوى تتقدم و اخرى تتراجع ، الولايات المتحدة آلتي فرحت بنشوتها الانتصارية المؤقتة عادت لتسلم بتراجعها لانها لم تتمكن من ربط اقتصاديات العديد من الدول بمنظومة اقتصادها الخاص و تبعيتها المباشرة له، ليس على الصعيد الدولي فحسب (روسيا-الصين) إنما على المستوى الإقليمي المحلي واحد من اهم ، ان لم يكن الأهم على الإطلاق في محاربة ايران طيلة السنوات الخمس و الثلاثين الماضية هو التنمية الاقتصادية و العسكرية و العلمية التي يخوضها البلد ، هو أيضاً من أسباب الاحتلال و التامر على كل من العراق و سوريا.

تراجع الدور الاميركي على المستوى العالمي و الإقليمي لن يدفعه بالواقع الا الدول المتحالفة ضمن فلك الدورة السياسية و الاقتصادية الاميركية ، و اسرائيل من اكبر الخاسرين لسلسة من الأسباب لعل أهمها:

اولاً: اسرائيل الدولة النووية الوحيدة في المنطقة و التي تقدم نفسها في مصاف الدولة الأولى على المستوى العسكري و الأمني ، عجزت أساساً عن حماية نفسها و مصالحها الذاتية امام النفوذ الإيراني بالمعنى الجيو-سياسي في لبنان (2000-2006) و في غزة (2008-2009) و امام التبدلات في الهيكليات العسكرية ولاسيما امام القوى و الدول التي طوّرت استراتيجيتها العسكرية و العلمية و الأمنية و نقلت الحرب من مواجهة مباشرة تقليدية الى حروب بالواسطة سواء عبر المقاومة المتعددة الأشكال و الأساليب او المواجهة العسكرية عن بعد سواء بواسطة سلاح الجو ( التفوق الاسرائيلي) او سلاح الصواريخ ( التفوق الإيراني غير المسبوق) ان اسرائيل بجغرافيتها و مواردها البشرية المحدودة غير قادرة على التكافىء مع الاستراتيجيات العسكرية الجديدة.

ثانياً: لعبت السردية الصهيونية للتاريخ الحديث (1948) و الحروب و المجازر بما فيها (1967) ذات الطبيعة الاحتلالية التوسعية بما يتجاوز الاراضي الفلسطينية ، وسياسة التعنت و التصلف و الاستيطان و التمييز العنصري حتى تجاه مواطني الدولة من العرب في الاراضي المحتلة عام (1948) و غيرها الكثير دوراً رئيسياً في ابقاء حالة العداء الواضحة و المتزايدة ما بين الاسرائيليين و الشعوب العربية و الاسلامية و هو ما اثر على قدرة اسرائيل على لعب ادوار إقليمية في الحروب و الصراعات على النفوذ في المنطقة منذ احتلال العراق حتى اليوم، و هو ما أدى تلقائياً الى تغيير نوعي و مهم في دور اسرائيل المتخيل في المنطقة في إطار المصالح الاستراتيجية الاميركية و الغربية ، ان اسرائيل تحولت منذ حرب العراق حتى اليوم الى عبئاً حقيقياً على تلك المصالح ، بدل ان تكون محركاً و ضامنا لها .

ان استخدام الصراع الفلسطيني -العربي-الاسرائيلي و العلاقة مع اسرائيل هو ورقة رابحة بيد محور على حساب كونها ورقة خاسرة على محور اخر . الأمثلة هنا اكثر من ان تحصى ، و لنورد البعض للدلالة فقط ، ان المسيحيين في لبنان و هم عماد المسيحيين في المشرق لم يتراجع دورهم و يتهمش تأثيرهم بسبب سياسة المحاور الإقليمية و التطرف الاسلامي كما يشاع ، بل نتيجة التحالف و التعامل مع الاسرائيليين منذ العام (1976) كما ان الأكراد فقدوا الكثير من التعاطف الشعبي العربي مع قضاياهم العادلة منذ بداية العلاقات مع الاسرائيليين. ان اسرائيل و على رغم قدرتها العسكرية و الامنية غير قادرة على التدخل و التأثير المباشر في طبيعة الصراعات في المنطقة ، هم على ضفاف المشهد ، جلّ ما يمكن ان يقدموه معلومات أمنية استخبارية لا يمكن ان تترجم اي كانت النتائج واقعاً على الارض .

ان تراجع المقدرة الإسرائيلية على المواجهة العسكرية و الامنية - بمعزل عن النتائج المباشرة الامنية احياناً و التبدل النوعي في الدور الاسرائيلي المتخيل في شبكة المصالح الامريكية من حاجة أولوية الى عبء حقيقي، مترافقاً مع التراجع الملموس في التعاطف و الاحتضان والتأييد في أوساط الرأي العام العالمي و التزايد المضطرد للسكان الفلسطينيين بما يؤدي الى تبدل سريع في الخارطة الديمغرافية ، يضاف الى كل ذلك تغييرات جدية و ان حذرة في أوساط اليهود المقيمين في اسرائيل او في أماكن العالم المتفرقة تجاه السردية الصهيونية و نظرية الوطن الأمن و القوى.

كل هذه العوامل هي مثار جدل حقيقي في أوساط النخب الإسرائيلية و التى تلقى مداها في تقدم السؤال الوجودي عن غيره من الأسئلة .

اسرائيل في مأزق حقيقي ، و اي تكن النتائج مما يحصل في المنطقة ، ستكون من أوائل الخاسرين ، لاسيما ان الولايات المتحدة تبدو ميالة للدخول في تسويات تحفظ ما تبقى من المصالح لا ان تخوض حرباً حاسمة من المحتمل الكبير ان تزيد الخسائر لا ان تنقصها ، اي يكن الخيار الاميركي ، التحالف لمواجهة الإرهاب ، او التحالف غير المعلن مع الإرهاب ، اسرائيل لن تجد محطة للدخول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب