الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العشرون من مارس 56: بنود -استقلال دولة- أو شرعنة احتلالها؟من كان بورقيبة حقا؟

رضا كارم
باحث

2014 / 7 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



يتعين هذا التاريخ رسميا كموعد مع استقلال تونس عن فرنسا، و تأسيس الدولة التونسية المستقلة. في الحقيقة يبدو هذا التاريخ مبشرا بما يناقض ما جاء به.
لذلك لدي جملة من الاعتراضات على موقف مماثل، أوضحها فيم يلي:
1-الدولة الحسينية متواصلة رغم بروتوكول الاستقلال ذاك بمعنى لا وجود لدولة تونسية قومية كما رُوِّج لها لعقود طويلة من الزمان، إلا بعد عزل الباي أو الانقلاب عليه.
2-ظلت "السيادة" مجتزأة بشدة، حتى ما سمي بمعركة بنزرت و الجلاء العسكري
3-الأراضي الفلاحية الكبرى امتلكها المستوطنون حتى ماي 1964 أي 8سنوات بعد توقيع بروتوكول مارس 56.
4-موارد و ثروات تونس المعلنة مُنحت لفرنسا ضمن بنود ذلك البروتوكول.
5-فعل الاستقلال يقتضي توضيح علاقات متداخلة. من استقل عمّن؟
هل استقل ليؤسس دولته الخاصة؟ هل استقل الجهاز في تونس ، ام استقل الانسان؟ هل تحكم التونسيون اي سكان الدولة الناشئة بثرواتهم؟
عبر السيرورة التاريخية: من استفاد من المسمى استقلالا؟
و من تواصلت عبوديته القسرية ؟
لماذا ركزت كل مخططات "التنمية" على سواحل بعينها دون أخرى؟(بنزرت و طبرقة مثالا)
لا شك ان بورقيبة كمتعلم امتلك تصورا لتونسيين أفضل من زاوية المعرفة و الصحةو التقانة و معاصرة التاريخ. و قد حاول بالفعل شق ذلك الطريق الصعب محققا تطويرا ما . حاول بورقيبة أيضا إقامة جهاز ضبط و توجيه و إدارة كلياني توتاليتاري هيمني ضخم. و لو أسعفه التاريخ لتمكن من اقامة جهازه أي "الدولة".بمعنى ان بورقيبة لم يخفق كثيرا قياسا الى مشروعه كمرتبط و عميل.
بل لعله نجح في صناعة تطوير ملحوظ ، و بلورة ما سمي لاحقا" الشخصية التونسية" او ما يعادل المثقف الهووي الليبرالي القابل باستعباده.مشروع بورقيبة سار على قدمين، و افرز نتائج بعينها.
انه مشروع استند على تقسيم الارض الى ثلاثة أقسام رئيسية:
-الساحل الفقير الا من علاقات تجارية مع الشرق
-الداخل الغني بثروات الارض من مناجم و فلاحة
-الحاضرة تونس و التي سيتمركز بها كل شيء.
أفرز هذا التقسيم مثلا، استثمارات واسعة في المناجم التي عمل بها اهل الداخل و أدار شؤونها أهل الحاضرة و الساحل بالتناوب.
تم ايضا نقل مياه وادي مجردة الى الوطن القبلي ، لتطوير بنية الفلاحة هناك. مقابل إهمال فاضح لوسائل تطوير الانتاج الفلاحي عبر ربطه بشبكة ري و مكننة وسائل الاستغلال و تكوين الفلاح و مرافقته لتجويد الانتاج و رفع معدله.
و ظهرت نتائج ذلك مليا في :
-تراجع كبير في إنتاج القمح الصلب . و تحولت تونس من مصدر للحبوب الى مورد تابع . و اذا اضفنا الى ذلك ارتفاع أسعار القمح في الاسواق العالمية نتيجة استعماله كبديل طاقي و خاصة نتيجة استعماله كوسيلة ضغط على البورجوازيات الحاكمة الفاسدة في المنطقة العربية باسرها، نتحصل على مخططات كارثية أورثت الشعب التونسي مشاكل بالجملة.
بل زادت الازمة استفحالا بإنشاء صناعة غذائية على ارض الحاضرة تعتمد قمح الداخل ،فتيسرت حياة هناك و ضاعت حيوات هنا.
مثال ثان يدل على فداحة التصور التنموي البورقيبي، يتمثل في شركة فسفاط قفصة. لقد شحت المياه بالكامل من الحوض المنجمي ، و تحول الى منطقة معدمة مائيا. و نهشت الامراض الصدرية و السرطانية أجسام الانسان هناك.
مقابل عودة كل الضرائب الى الحاضرة، نتيجة مركزة الشركةبها . وضع مماثل، جعل شركة فسفاط قفصة تشغل لاعبي كرة قدم لم يطؤوا يوما أرضها...
-ارتفاع إنتاج البرتقال و العنب بالوطن القبلي. و تحويل جزء من الانتاج الى التصدير بعد اتفاقات مبرمة مع الاتحاد الاوروبي. و بالتالي ، مركزة جزء من الثروة لدى الساحل ايضا.
ثم استعمال المياه في الانشطة السياحية ،حيث يتم توطين الاستثمارات والارباح بأيدي حفنة من البورجوازية و لكن إفادة الساحل منها بشريا و استراتيجيا.
و تركز النسيج بالحاضرة ثم بالساحل ، فكانت النتائج التالية:
-بورجوازية و بورجوازية صغرى بالحاضرة و السواحل ، و أرباح عالية و استثمارات متتابعة ناجمة عن عصرنة وسائل الانتاج و تنوع النسيج الاقتصادي و موارده.
-بورجوازية مرتبطة بالفلاحة اساسا نشات في علاقة بالسلطة و افادت من فساد كبير . مقابل أغلبية ساحقة من صغار الفلاحين و من المهمشين المنسيين في الداخل.
إغراءات الحاضرة و التطور الكبير في نمط العيش، مضافا اليه واقع التمدرس بالداخل و سنوات الجفاف المتلاحقة و الاخبار الواردة من الساحل و الحاضرة عن "الرفاه الاجتماعي"، أنتجت حركة نزوح واسعة جدا. أفضت الى تعرية ديمغرافية حدية مقابل ارتفاع عدد السكان بالساحل و الحاضرة .و من ثمة هجرة قيم الداخل الى "الحداثة القسرية" للحاضرة ،التي نمكنت من استقطاب الوعي المسلوب لمفقري الداخل الذين بدا صمودهم القيمي شديد الضعف امام إغراء الخبز و حفنة الدنانير اي الارتباط بحياة"الرفاه" و ما ينتج عنها من تغيير سلوكي حدي أحيانا.
سرقت التنمية البورقيبية القمح و المياه و الفسفاط، فكان أن التحق أصحاب تلك الثروات بها. دون أن ينعموا حقا بموارد أرضهم.
واصلت الحاضرة و السواحل الإفادة من الموارد الفلاحية و المنجمية، مقابل تجدد تيارات النزوح و نفور سكاني واسع بالدواخل. حتى وصل الوضع الى مستوى انفجاري لا يمكن مراقبته او السيطرة عليه. فدفع مزالي ثم بن علي فاتورة فساد بورقيبة و مخططاته و مشروعه.
و ثار جزء من الشعب التونسي . طلبا لتغيير شروط التنمية و شكل المواطنة و مسالة الحرية . لكنه كان ايضا جزءا صغيرا من التونسيين. تمكنت البورجوازية المتنفذة من غلبته في معركة 17 ديسمبر، غلبة اولى، في انتظار استعادة الثوار لزمام المبادرة.
إن نفس مقدمات الثورة مازالت قائمة و فاعلة و حيوية. بكل تاكيد لن تنتج الحركة نفس منوال الثورة. و لعل الصيرورة تفصح عن تصادم عنيف بين طبقتين .
و ان استطاعت الدولة تحييد المد القبلي الحيوي ، فانها فشلت فشلا ذريعا في تحييد المعطى الجهوي العنصري. لذلك هي تزرع أسباب نهايتها و نهاية العصر البورجوازي التقليدي معها.
ان حدوث ذلك امر لا مفرّ منه. بل لعله قادم على عجل. و جملة الجرعات المسكنة التي ابتكرها راس المال "البورقيبي" بشقيه الخوانجي و الدستوري، انتهى الى استنفاد مصادر التزييف و زراعة الوهم التي اعتمدها طويلا.
لذلك سيعود الداخل و ورثاؤه في الحاضرة تحديدا، إنتاج بدائلهم الثورية حتى لو كانت السفلية الجهادية إحدى مظاهرها.
و سيكون على الفاعلين اللاطبقيين توسيع دوائر الفعل للإقناع بضرورة التنظم الذاتي الحر ضمن تشكيلات مواطنية قاعدية لا مركزية، هدفها ضرب الطبقية و جهازها و وسائلها ، اي ضرب نظام الاستغلال و الحقرة و التمييز الجهوي .
ستتواصل المعركة بتواصل شروط إنتاجها و سيواصل التاريخ تجذير الحركة الثورية حتى تتمكن يوما من التسلح بغير النظرية الثورية و الكلمة الثورية.
ان الاراضي الفلاحية و ما يمكن ان يرتبط بها من صناعة غذائية و ما تحتاجه تلك الصناعة من بنية تحتية للتحكم بالآلة و ربما تطويرها و صناعتها، سيبدأ عبر إعادة توزيع تلك الأراضي . سيفهم الفلاحون مثلما فعلوا في اوكرانيا و إسبانيا بل في تجارب معاصرة تلقائية، أن توحيد جهد الإنتاج و توزيع الثروة بينهم دون واسطة و سماسرة و دون جهاز ضريبي يفرض إرادته على ما لا حق له فيه، هو الخيار الوحيد المستقبلي لتجاوز العبودية القسرية .
منذ أشكال الانتظام الاولى، مال الانسان الى تخير اساليب اقصائية ، أفضت الى المشكل الطبقي التقليدي. و قد ادى ذلك الاقصاء الى حروب عنيفة و دمار كبير و تنافس مخيف على استغلال الموارد بإفراط و عنجهية. ما يهدد إمكانية تواصل الحياة أصلا على الارض. البشرية ستكون مطالبة بمسالة عنيفة و محاكمة صارمة لقيم التعالي و التفاضلية و لاسلوب الحرب و القتل.
الفكر التشاركي نابع عن حاجة واقعية. و اذا استغللنا ما يفي بحاجتنا تلك، فإننا لن نكون مستعدين لقتل الجميع حتى نواصل حصر الاستفادة فينا. عندما يتحول االعمل من وسيلة اغتراب و تشيئة للذات ، الى حالة إبداعية فنية ، و عندما يكون التضامن هدف الفعل البشري، و يكون البحث العلمي موجها نحو السيطرة على الأمراض و مداواة الناس، سيتمكن الكون من الاستمراردون حاجة الى قوة فوقية متعالية تنظمه. تونس ستكون جزءا من تجربة إنسانية أشمل. دون ذلك لا إمكانية لتخلص المفقرين و المستعبدين من مافيا راس المال و عصابات النهب المنظم بقوانين الاستغلال .
___________________
رضا كارم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة