الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات من أجل المكاشفة (لهذا الطباق أطروحته)

مناف الحمد

2014 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


في الحي الشعبي الذي ترعرعت فيه في طفولتي وهو حي يقع في منتصف المدينة ،ويعجّ في الصباح بالحياة والحركة التجارية، بينما يسوده الهدوء الكامل في الليل ،كان ثمة تنوع غريب في الشخصيات لا أدري لماذا استحضرت بعضها عندما زرت العائلة السورية التي تقطن في خربة في عنتاب في ظروف أقل ما توصف به أنها لا تصلح للبشر.
السيدة "شعيلة الخبازة" التي كانت تعتاش من تنور بنته في دارها ،وكان زوجها قد غادرها باكراً بسبب التهاب في الضرس وصل إلى الدماغ بسبب الإهمال .
كانت زيارتي "لشعيلة" يومية لأن والدتي كانت تحرص على ابتياع كمية كبيرة من خبز التنور نتقاسمه مع بيت جدي القاطنين في شارع "الحمام" والذي يبعد عن حينا مسافة قصيرة.وهو ما كان يحتّم علي الاضطلاع بمهمة زيارة بيت الخبازة يومياً و بعد ذلك إيصال قسم من خبز التنور إلى بيت جدي والذي كان يذهب منه ما لا يقل عن رغيفين في الطريق لأنني كنت مضطراً للمرور بسوق التجار ،وكان عدد منهم لا يقاوم شكل ورائحة الخبز الخارج للتو من التنور فيناديني واحدهم بعبارة " يا ولد يا ولد كشمة الله يرضى عليك" ولم أكن أمانع بالطبع حتى صار هذا أمراً روتينياً يثير استغرابي عدم حدوثه أحياناً.
المهم أن "شعيلة الخبازة" كانت تقيم في بيت ضمن زقاق ضيق وكنت آنذاك أستغرب من قدرة هذه العائلة على العيش فيه لأنه أشبه بالخربة.
كان هذا في بداية الثمانينيات وقد استطاعت أن تعيل عائلتها وأن تزوج بناتها وأن تستر على العائلة بدون استجداء أحد.
في الزقاق نفسه الذي يقع فيه بيت الخبازة كان ثمة شخص مريب يسكن في بيت يشبه بيتها لوحده ،وسبب وصفي له بالمريب أنه لم يكن من السهل علي تمييز جنسه فلم أكن أعرف فيما إذا كان ذكراً أم أنثى والأرجح أنه كان خنثى وكانت تتناول سيرته الأقاويل .
التاجر الميسور الحال في الحي ،والذي كان مليئاً بالنشاط تدمّرت تجارته لأسباب لا أعرفها وبدت عليه أمارات القهر والعوز بعد بضع سنين .
ولا أ زال أذكر المعركة التي استخدم فيها السلاح الأبيض بين عائلتين أساسيتين في الحي إحداهما من أصول ريفية والأخرى من عوائل المدينة وقد أصابني الرعب وأنا أرقب في تلك الليلة من الشرفة المطلة على الحي في منزلنا ذلك العراك الشرس الذي لم أعرف سببه.
ليس جديداً على السوريين أن يعيشوا في خربة؛ فقد طحنهم الظلم الاجتماعي الذي كرسته الأنظمة المتعاقبة قبل هذه الحرب التي تدور رحاها الآن ،وليس مستغرباً أن يعاني واحدهم من عجز عن إعالة زوجه وأبنائه بعد أن كان مرفهاً ،وليس بعيداً عن ثقافتهم الاقتتال على خلفية انقسامات بدائية.
كما إن مظاهر الشذوذ التي كان يجسدها الخنثى سئ السمعة في الحي ليست إلا معادلاً موضوعياً لحالة فقدان الأرضية الأخلاقية الراسخة.
كلّ ما يجري اليوم في خضم المأساة له جذوره في المجتمع وكما مثّلت "شعيلة" حالة رائعة للصبر والتفاني وعزة النفس مثّل غيرها نموذجاً لقهر المجتمع والسياسات ، أو ضحية لقصور الوعي الذي كرّسته الأنظمة ولم تعمل النخب على الارتقاء به ، أو نمودجاً لشذوذ لا يعرف لا سببه ولا كيفية التعاطي الصحي مع صاحبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف