الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الفلسطينية و صورة العرب و المسلمين في مخيال إسرائيل و الغرب

محمد جلال

2014 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


كم من شيء عظيم في التاريخ ابتدأ بفكرة ، و كم من فكرة هزت العالم ، فغيرت من الخريطة الجغرافية و السياسية و الفكرية لدول كاملة ، و في زماننا اشتد الصراع حول الفكرة إلى حد أضحت معه تجارة الأفكار تجارة جد رابحة ، فالغزو الذي نشهدها الآن هو غزو فكري ثقافي بالأساس، فقد جندت القوى العظمى في العالم امكانات ضخمة و استثمرت أموال طائلة من أجل تثبيت نظام فكري مخصوص .
ليس هدفنا من هذا المقال الإحاطة بالتاريخ الصراع الفكري في العالم ، بل إننا نبتغي تسليط الضوء على قضية تعد من أكثر القضايا سجالية في عالمنا العربي ، و هي القضية التي يسميها البعض أحيانا ب "نظرية المؤامرة" و يسميها البعض الأخر ب "مشروع السيطرة" فيما يتجه البعض إلى نقد كلا التصورين معلنا أن الأمر فيه مغالاة و تنكر للجود الغربي ، و أي كان الأمر فإن الشواهد و القرائن الواقعية تكشف عن حقيقة الموقف الغربي من العرب و المسلمين . ليس هدفنا من هذا المقال هو ابتسار رؤية واحدة من هاته الرؤى السالفة ، و لا الدفاع عن تصور معين ، بل إن الهدف الأساس هو عرض جملة من الوقائع المشهودة و من ثم استفزاز القارئ من اجل تكوين تصور ذاتي حول القضية السجالية المطروحة ، أعني صورة العرب و المسلمين في مخيال الغرب .
يحمل جميع البشر تصورات و اعتقادات و مواقف ، منها التصورات الفكرية و الاعتقادات الدينية و مواقف ساسية ، و ليس شرطا أن تكون هذه التصورات و الاعتقادات و المواقف صائبة ، فهي تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ ، لكن عندما تتجه مجتمعات بشرية كاملة بكل إمكاناتها الفكرية و الاقتصادية و الاعلامية و السياسية والعسكرية ... الى صناعة فكرة ما على أنها "حقيقة" ، فإنها صرعان ما تغدو حقيقة ثابثة يسلم بها الإنسان تسليما جازما ، و هذا عين ما حدث مع الصورة العربية الاسلامية في بلاد الغرب ، بحيث انطلقت تصورات تحقر من صورة العربي و المسلم ، و هي صورة في مجملها تقوم على أن الآخر العربي المسلم متخلف همجي و حشي إرهابي متعصب ... و قد جند الغرب إمكاناته قصد تثبيت دعائم هذه الصورة المشينة ، و في اعتقادي أن من كان له الدور الكبير في تثبيت دعائم هذه الصورة هو الكيان الصهيوني الإسرائيلي كونه العدو الأول للعرب و المسلمين ، و قد تآتى ذلك بفضل تغلغل القيادات الصهيونية في مختلف الأجهزة الإعلامية و الاقتصادية و الساسية و حتى في توجيه الشأن الثقافي أحيانا .
الجانب الإعلامي و الثقافي :
معلوم مدى تغلغل بني صهيون في وسائل الإعلام العالمي ، بحيث يصرف الكيان الصهيوني تصوراته و يدس سمومه الفكرية في منابر إعلامية عالمية (و حتى عربية) ، فيسوقون للعالم صورة مفادها أن إسرائيل دولة حضارية متفتحة تمد يدها للسلام ، و تواجدهم في فلسطين يبررونه بأحقية الأرض ، إذ أن فلسطين موطنهم الأصيل كما يزعمون ، و في المقابل يصور الإعلام الصهيوني الأخطبوطي صورة العرب عامة و فلسطين خاصة بوصفهم مجموعة إرهابية كبيرة ، مجموعة ترفض السلام و تنشد الحرب و الدم ، هذه الصورة العامة تجذرت في الأوساط الإعلامية الصهيونية و انتدت الى الإعلام الغربي عامة ، و في الحقيقة أن هذه النظرة تستند إلى سند فكري عنصري واضح ، إذ أن الإسرائليون يقرون صراحة بأنهم أرقى من كل البشر بل الأدهى من ذلك أن الإسرائليين هم البشر الحقيقيون و ما باقي البشر سوى كائنات على هيئة بشر "خلقهم الله لخدمة إسرائيل" ، هذه النظرة العنصرية تتجذر في نفوس الإسرائليين إلى حد لا يوصف ، و يؤمنون بها إيمانا جازما ، و يعملون على تحقير صورة العرب و المسلمين بكل ما السبل ، وقد تسللت هذه الصورة بقوة إلى الإعلام الغربي ، فأضحت العروبة مرادفة للتخلف و الإسلام مرادف للإرهاب ، فعمل الغرب على نزع الثقافة و الحضارة و الأخلاق ... عن العرب و المسلمين ، هذه العملية العنصرية ابتدأت منذ زمن مع المستشرقين و وجد فيها الكيان الصهيوني ضالته إذ شكلت بالنسبة له سلاحا فكريا و إعلاميا ضد العرب و المسلمين ، وقد تشبع المواطن الغربي بهذه الصورة حتى أضحت هي الحقيقة الثابثة بالنسبة إليه ، و الأدهى من ذلك أن هذه الصورة انتقلت إلى مجتمعاتنا العربية الإسلامية و انساق البعض وراءها ، محقرا و مقزما من ذاته العربية و معجبا في المقابل بمكانة الغرب و قيمهم و أفكارهم كونها أفكارا تنويرية علمية تحررية ديمقراطية ... و إننا في هذا السياق لا نجد قولا أعمق مما قال الكندي فيلسوف العرب الأول إذ "ينبغي لنا أن نستحيي من استحسان الحق واقتناء الحق من أين أتى ، و إن أتى مت الأجناس القاصية عنا و الأمم المتباينة ، فإنه لا شيء أولى بالحق من الحق" . لكن فيلسوف العرب الأول لم يقل استحسنوا كل شيء و احتقروا أنفسكم كما شاء الغرب و بني صهيون ، بل إنه قد حث علو وجوب طلب الحق و الاقتداء به لا لشيء سوى لأنه حق ، فهل ما يروجه الغرب و أذيالخهم حق ؟ و هل نحن نقتدي بالحق ؟ ...
لقد سعى الكيان الصهيوني جاهدا إلى تشويه صورة العرب و المسلمين في كل المحافل الإعلامية محلية إسرائيلية كانت أم عالمية ، و قد رصد لهذه العملية أموال طائلة و طاقات بشرية هائلة ، و من باب التوضيح لا الحصر سنورد واقعة شركة وولت دزني الأمريكية التس أسسها دزني في النصف الثاني من القرن العشرين ، وشركة كانون الأمريكة التي أسسها مناحيم غولان و يورام غلوبوس و هما منتجين إسرائيليين، و خلال عشرين عاما أنتجت شركتهما ثلاثين فيلما تحط و تهين العرب ،أما عن وولت دزني فقد عبر صراحة عن عدم انخراطه أو اهتمامه بالشأن السياسي ، لكن مع مرور الزمن وقعت شركت وولت دزني في يد اليهودي مايكل أيزنر عام 1984م ، و بدأت تخصص يوما سنويا في ملاهيها لذوي الشذوذ الجنسي ، و تبث أفلاما تمس ببعض الشخصيات و الرموز الدينية ، لكن حملتها الشعواء الكبرى شنتها على العرب و المسلمين ، إذ كانت تصور العرب دائما في صور حقيرة ، باعتبارهم متخلفون و عدائيون و إرهابيون ...
هذه الصورة إنتقلت الى العالم أجمع بما في ذلك العالم العربي و الإسلامي ، و قد تجذرت هذه الصورة في أعماق الجيل الناشئ ، و تشبع البشر بالقيم التي يبثها الإعلام الصهيوني تحت يافطة عريضة وهي "الانفتاح على ثقافة الآخر" ، لكنها في العمق ثقافة عنصرية زائفة ، هدفها الأساس هو التشويه و قلب الحقائق تمهيدا لمشروع الكبير القائم على التطلع نحو الإبادة النهائية للعرب و المسلمين و تكوين إمبراطورية صهيونية تمتد من الخليج إلى المحيط ، لكن إسرائيل على وعي تام بأن هذه الإبادة لن تتحقق ما لم تسبقها إبادة ثقافية و أخلاقية وهوياتية .
فالكيان الصهيوني يخشى صراحة من التصريح أمام العالم أنه يقوم على أنقاض الخرافة و الوهم ، و يعمل على تنميق صورته أمام العالم عن طريق لعب دور الضحية ، لكن هذا لا يخفي حقيقة أن إسرائيل ترغب في هدم المسجد الأقصى بهدف بناء الهيكل المزعوم ، فالخرافة الصهيونية تفيد بوجود هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى و هذا ما يفسر عمليات الحفر و التنقيب المتوالية التي يقوم بها الكيان الصهيوني تحت المسجد ، بل إنهم و من أجل العمل في راحة نسبية سوقوا إلى العالم فكرة أن المسجد الأقصى هو قبة الصخرة التي تطالعنا في الإعلام دائما ، في حين أن المسجد الأقصى يقع على مقربة من قبة الصخرة . و هم يزعمون كذلك أن لهم أحقية الأرض بدعوى أنهم أهلها الأوائل ، وبدعوى كذلك أن المسلمون طردوهم من هذه الأرض ، لكن الوقائع التاريخية تفيد أن بني إسرائيل مروا مرارا من تلك الأرض ، و إذا عملنا بمنطق الصهاينة فإن لكل مجتمع أن يطالب بحقه في منطقة من المعمور على اعتبار أن البشر مروا من أماكن كثيرة من من هذا العالم .

الجانب السياسي و الإقتصادي :
يجمع كثيرون على أن السياسة هي الوليدة الشرعية للاقتصاد في زماننا ، فالمصالح الاقتصادية هي التي توجه الإملاءات الساسية ، لذا ليس بدعا أن نرى الدول العملاقة في العالم تنصب الخبراء الإقتصاديين في طليعة صناع القرار ، و ليس بدعا كذلك أن نرى الولايات المتحدة الأمريكية تدافع عن مصالها الاقتصادية بكل ضراوة في العالم أجمع ، لكنها لا تواجه بنفس الخطة دائما ، إذ تواجه دول الغرب مثلا بالتفاوض و التهدئة ، فيما تواجه دول الشرق الأوسط بالنار و الفتن السياسية ، و قد كانت الثورات العربية المزعومة (الربيع العربي) من جملة هذه الفتن التي عمدت أمريكا الى خلقها في بلاد العرب بالتنسيق مع الكيان الصهيوني ، وقد يقول البعض أن هذا الكلام لا يعدو عن كونه ضربا من العبث إذ الشعوب المضطهدة هي التي ثارت ضد الطغاة ، و هذا ما يبدو في السطح ، لكن في العمق نجد أن أمريكا قد عمدت الى استغلال الغضب الشعبي العربي فأشعلت فتيل الثورة ، و الهدف بالطبع هو زعزعة الإستقرار في المنطقة لكي تتمكن أمريكا من إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة ، وبهدف تصفية حساباتها مع المارقين كذلك ، فاعتقد العرب أنهم يصنعون الثورة و يأسسون لميلاد عصر جديد ، لكن الملاحظ حاليا أنه بعد هذه الثورات المزعومة اشتدت الأوضاع تأزما و ازدادت الجرائم السياسية ، و شاع الغلو و التطرف .
و قد وجد الكيان الصهيوني ضالته في هذه الأوضاع ، إذ استغل انشغال الجيران في همومهم و مشاكلهم الداخلية ، وشرع في تصفية حساباته مع الفلسطنيين العزل ، لكي يبدو الأمر و كأنه جزء من إنعدام عام للاستقرار في المنطقة ، و بدعوى كذلك أن اسرائيل تحمي نفسها من المقاومة الفلسطينية ، لكنها في الحقيقة تعمل على تنفيذ استراتيجيتها العامة ، الاستراتيجية التي ابتدأت أول مرة مع بروتوكلات زعماء صهيون عام 1897م في بال (سوسرا) ، إذ يتشبث اليهود بضوروة قيام وطن قومي لهم في فلسطين ، و يطمحون الى تكوين امبراطوريتهم الصهيونية على امتدادات جغرافية شاسعة ، لذا فإنهم يعملون باستراتيجية محكمة بدءا من بيع الوهم للعالم و انتهاءا بالإبادة الهمجية التاتارية للفلسطنين العزل ، و هي في ذلك مدعمة سياسيا و اقتصاديا من قبل الحليف الأول أمريكا تاريخيا ، كما تعمل في المقابل على شراء عبيد لها من الأوساط العربية سواء من خلال تنصيبهم في مراكز القرار ، أو من خلال دعمهم إقتصاديا ليشكلو بذلك سندا لإسرائيل في المنطقة .

صورة العرب إذن في مخيال إسرائيل و الغرب ، هي من صنع إسرائيل و الغرب ذاتهم ، صورة شكلها الكيان الصهيوني تحت جناح الأم العطوف أمريكا ، لكي يصير العرب و المسلمون لقمة صائغة في فم المحتل ، لكن يجب أن نذهب إلى عمق هذه القضية ، فالصورة القاتمة التي يسعى الغرب و إسرائيل جاهدين من أجل تثبيت أسسها لها أصول فكرية واضحة تماما ، فمن خلال مقولة "صدام الحضارات" مثلا لصامويل هنتنجتون نجد أبر تجلي للرغبة في السيطرة ، إذ يقر هنتنجتون في آخر مقالته المعنونة ب "صراع الحضارات" أن "على الغرب أن يعمل على الحفاظ على مصالحه داخل العالم ، بل و التدخل في عوالم الآخر أيضا .... لكن لا يجب إغفال الأصوات الإنسانية المتعالية التي تهتف بحق فلسطين و تندد بالعدوان الذي يتعرض له الشعب الأعزل من قبل المحتل الإسرائيلي ، فهذا برتراند راسل مثلا أكبر دعاة السلام في عصره "أدان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، و ثار على العدوان الإسرائيلي على العرب عام 1967، فكان عمله الاخير عبارة عن رسالة تأييد للعرب ضد إسرائيل ، و جهها للعالم أجمع" ، و قد سجل بذلك تعاطفا إنسانيا كبيرا و موقفا فلسفيا عميقا رسالته الابرز هي السلام و الوئام ، لكن إسرائيل ترفض الاستماع لكل صوت مخالف يدعو بالسلام و الأمن و تكرس بدل ذلك الدم و الخوف و تبث الخراب و الدمار .
الصمت العالمي مستمر و العدوان الهمجي الإسرائيلي مستمر أيضا ، لكن إسرائيل على علم بأن تماديها في العدوان سيكون لا محالة هو بداية نهايتها ، فمهما تماطلت واعتدت واغتصبت و شوهت الحقائق فإن الحقيقة تأبى إلا أن تسطع في الأفق فتشرق فوق الجميع ، و هذه الحقيقة ستحمل دون شك نهاية الإمبراطورية الوهمية الصهيونية قبل بزوغها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث وسط الضباب.. إليكم ما نعرفه حتى الآن عن تحطم مروح


.. استنفار في إيران بحثا عن رئيسي.. حياة الرئيس ووزير الخارجية




.. جهود أميركية لاتمام تطبيع السعودية وإسرائيل في إطار اتفاق اس


.. التلفزيون الإيراني: سقوط طائرة الرئيس الإيراني ناجم عن سوء ا




.. الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد زغول: إيران تواجه أزمة