الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إصلاح العلاقة بين الدولة و المجتمع‏

نضال العبود

2005 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


مفهوم الإصلاح في الثقافة العربية يدل على الإمكانية الوحيدة للتغيير و التبديل و التطوير و ما عداه من الكلمات و التعابير و ‏المصطلحات و المفاهيم يدل على أشياء مغايرة لا تقترب من مفهوم الإصلاح، لا على مستوى الجذر و لا على مستوى الدلالات. ‏
مع كل التحولات التي حصلت في العالم اليوم بقي مفهوم الإصلاح عندنا في موقعه الثابت الذي لا يتغير. إلا أن الفرق بين الدولة ‏‏"الحديثة" في العالم العربي اليوم و ما قبل واضح، فالدولة الحديثة و بحكم توجهها الذي يدعو إلى التحديث، تتقبل فكرة الإصلاح ‏أكثر من أي وقت مضى، و إن كانت ترفض أي فكرة غيرها. ‏
ذلك أن هذه الدولة و في أي بلد عربي جاءت باسم الإصلاح أولاً و لو على رؤوس الحراب لذلك فهي قابلة و باسم الإصلاح ذاته، ‏للتغيير و لكن ضمن إطار شرعية الدولة و مشروعية الحاكم و علاقة الحاكم بالمحكوم (الدولة و المجتمع) و هناك دول ظهرت ‏باسم الثورة و الثورة و بحكم طبيعتها و طبيعة تشكلها ترفض الثورة المضادة و تحاربها بالوسائل كافة باعتبار أنها تدعو إلى العودة ‏إلى ما قبل و لا يكون ثمة للإصلاح و المصلحين مجال أو رأي. ‏
لا وجود للإصلاح بدون حامل له و الحامل هنا، المجتمع الذي يتطلب الإصلاح، و المجتمع حالة واقعية تتطلب الإصلاح بذاتها في ‏المكان و الزمان. و لكل مجتمع حاجة إصلاحية مخصوص بها. والحاجة إلى الإصلاح في أوقات بعينها تتطلب الكثير من التغيير و ‏التطوير للعيش في قلب العصر وفق المتغيرات و المستجدات التي يجد المجتمع نفسه ضمنها، سواءً كانت نابعة من الداخل، بحكم ‏دينامية المجتمع و حركيته في تعامله معها و في ضرورة التكيف حسب مقتضياتها أو متأتية من الخارج بحسب مقتضياته بحكم هذا ‏المنطق المعولم الذي لم يترك أحداً على الحياد أو على الهامش، إلا أولئك الذين اختاروا العزلة أو الحياة خارج التاريخ. ‏
الإصلاح بهذا المعنى يتطلب إعادة نظر جذرية و متأنية في علاقة الدولة بالمجتمع، تبدأ بالإفساح في المجال لحياة أكثر مشاركة ‏على الأصعدة كافة، و خصوصاً المشاركة السياسية، و المشاركة في عملية التنمية، ليكون المجتمع أكثر قرباً من الدولة في الداخل، ‏و أكثر وعياً في التعامل معها، و أكثر تحسساً بالقضايا المصيرية في التعامل مع الخارج، و تعمل عن طريق التنشئة الوطنية و ‏التربية على خلق "المواطن" و بالتالي المجتمع المدني، بالتعاون و التنسيق، مع كل ما يتداخل و يختلط، من انسجام و ائتلاف أو ‏توتر أو معارضة، من المؤسسات و الروابط و الهيئات و النقابات و الأحزاب و إشراك الجميع في مشروع بناء الدولة الحديثة. ‏

هنا تظهر العلاقة المفصل بين الإصلاح و الهوية
ليس من جديد أن المجتمع بناسه و فئاته و مناطقه و طوائفه و عناصره المختلفة، ذو هويات متعددة و لن يكون واحداً في هويته إلا ‏إذا صنعت و الهوية الواحدة الموحدة صناعة. و الصناعة هنا إما أن تكون شمولية جامعة مقدسة بصرف النظر عن عناصره ‏المختلفة إلغاء أو جمعاً أو دفناً، أو صناعة هوية واحدة في إطار من التنوع يلحظ الاختلاف على أنه ليس سبباً للخلاف أو التشتت ‏أو الانقسام، و الوحدة هنا تظهر التنوع في إطارها الجامع المانع. و هو الإطار الذي يبرز تنوع العناصر و تنوعها و تفاعلها في ‏إطار من الغنى المحفز للعمل من أجل الوحدة المبنية على وعي المصالح المشتركة و المصير المشترك، و العمل من أجل ذلك ‏بالإرادة المشتركة، هذا على صعيد الداخل الذي تتحد فيه الهوية. فالهوية إما أن تكون طبيعية من العائلة إلى العشيرة القبيلة ‏فالعنصر وصولاً إلى الطائفية و الدين و إما أن تكون هوية الانتماء الاختياري إلى هذه الفئة أو تلك، إلى هذه الرابطة أو النقابة أو ‏المؤسسة أو الحزب و هذه هي الهوية المدنية.‏
الهوية المدنية لا تلغى الهويات الفرعية من أهمية النظرة المشتركة إلى الإصلاح و إلى دوره في عملية التنمية و النهوض ‏المجتمعي. فإذا كانت الديموقراطية مطلباً إصلاحيا فمن الضروري العمل على التنشئة الاجتماعية و على التربية الديموقراطية و ‏على ترسيخ الوعي بالعمل المدني و تحسس أهمية الحرية و أهمية ممارستها و تنمية الشعور بالمواطنية و ممارستها في القول و ‏الفعل، بهذه التربية يتمظهر الإحساس بأهمية الديموقراطية و يصير بالممارسة حساً مشتركاً يطول الناس على اختلاف انتماءاتهم ‏ليصيروا في وجهة مؤتلفة و منسجمة لا تلغي التوجهات الفرعية و المختلفة ضمن الإطار العام. ‏
لكن كيف يمكن إصلاح أحوالنا و تعزيز موقعنا في العالم؟ و كيف علينا النظر إلى هويتنا؟ ‏
إذا كانت سمة التقدم في العالم اليوم مبنية على العلم و الذهنية العلمية و التقدم التكنولوجي، فإن معرفة أحوالنا العلمية تحدد لنا ‏موقعنا في هذا العالم.‏
‏ فالتغيير لا يمكن أن يحصل إلا من خلال فهم الواقع الاجتماعي و نقده. و إذا ما علمنا أن ما يرصده العالم العربي للبحث العلمي و ‏التطوير التكنولوجي لا يتعدى 0.75% من الناتج المحلي، و نسبة الباحثين من لا يتعدى لا يتعدى 318 باحثاً لكل مليون من السكان ‏و هذا مقابل 2.8% من الناتج المحلي في الولايات المتحدة و 2.02% في الاتحاد الأوروبي، مع 3360 عالماً لكل مليون نسمة في ‏الولايات المتحدة و 4200 في الاتحاد الأوروبي ندرك تماماً ما نحن عليه. هذه الهوة فرضت على العالم العربي علاقة تبعية للبلدان ‏الصناعية المتقدمة.‏

إذا كان هذا هو وضع العالم العربي اليوم فكيف السبيل إلى الإصلاح الممكن؟‏
هل نأخذ ما يصل إلينا جاهزاً و ننصرف إلى قضايا التعبد و نشكر الله على نعمه و نكتفي؟
في عصرنا هذا يمكن القول أن المعرفة هي سبيل بلوغ الغايات الإنسانية الأخلاقية الأعلى: الحرية و العدالة و المساواة و الكرامة ‏الإنسانية كما أن مجتمع المعرفة يعني اعتماد المعرفة ناظماً للحياة الإنسانية.‏
من هنا تظهر أهمية العلم و البحث العلمي كمثال لإصلاح الذات العربية، إلا أن هذا التوجه يتطلب قضية الوعي بالذات و بموقع ‏هذا الذات في العالم و في علاقة الذات بالآخر. ‏
إن التعاطي الايجابي مع العلم و البحث العلمي و اعتماد العقلانية في شتى أمور الحياة لا تأتي من فراغ، و لا تنبعث حية من ذاتها ‏و لذاتها بل هي نتاج نظام حكم و مؤسسات و جمعيات و روابط و نقابات و أحزاب و تعمل على صناعة المجتمع المدني و ‏المواطن و تنفخ في الحس الطبيعي للإنسان، لتحوله من حس أهلي إلى حس مدني يدرك ذاته و يعي موقعه في مجتمعه من خلال ‏إحاطته بكل ما يشكل واجباته أيضاً تجاه مجتمعه و تجاه الدولة التي ترعى شؤونه كمواطن. و بوعيه لحقوقه و واجباته يدرك أهمية ‏الحرية التي عليه تحملها لتأمين الصالح العام، و بلورة الإرادة المشتركة و المصير الواحد في هذا العالم المتعدد و المتضارب في ‏مصالحه.‏
بهذه الاعتبارات جميعاً تزداد ثقة المواطن بنفسه و تقوي قدرته على المعرفة و يملؤه الشعور باحترامه لذاته و لمجتمعه و حضارته ‏و هويته.‏
و بهذا التوجه يصبح من السهل على العقلانية و العلم و البحث العلمي أن تترسخ و تستوعب لتصير في خدمة المجتمع و عنصراً ‏من عناصر قوته على العيش في قلب العصر لا على هامشه، و بهذا المعنى يصير العلم و البحث العلمي داخل النسيج العربي و ‏يصير عنصراً فاعلاً في عملية الإصلاح و تثبيت الهوية بعد زرعها في العقل و انتقالها للممارسة العملية، وصولاً إلى التنمية ‏الحقيقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالتنمية الإنسانية الشاملة بما فيها تمكين المرأة و تنشئة الطفل و القضاء على الهجرة و ‏البطالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : هل طويت صفحة الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. هل يستنسخ حزب الله تجربة الحوثي في البحر المتوسط؟ | #التاسعة




.. العد العكسي لسقوط خاركيف... هجوم روسي شرس يعلن بداية النهاية


.. أمير دولة الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق بعض بنود الدستور




.. الحرب في غزة تحول مهرجان موسيقي إلى ساحة سياسية | #منصات