الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر موت الفنانين

محمد الذهبي

2014 / 7 / 12
الادب والفن


عصرموت الفنانين
محمد الذهبي
شيعت بغداد آخر موسيقييها ، الموسيقار محمد جواد اموري، وشيعت قبله شعراء واعلاميين ومثقفين، وكأن الموت انفرد بهذه الشريحة ليقضي عليها، فلاحياة لها امام امتداد الافكار المتطرفة، ازدهار الفن يعني ازدهار الحياة وتطور المجتمعات، وموت الفنانين في عزلة اجبارية، تخلوا فيها عن الموسيقى والكتابة، تعني اضطراب حركة تطور المجتمع وزيادة عزلته، وارتباكه امام حركة الحياة غير المتزنة، لقد رحل موسيقار كبير صاغ لنا اعذب الالحان واحلى الالحان في فترة متفجرة بالعطاء الفني الثر، حيث بدأ كل شيء يتحرك الشاعر والمطرب والممثل، هناك يوسف العاني ومسرحه 30 كرسي مسرح بغداد، وهناك فرقة الفن الحديث، وهناك سعدون جابر وفؤاد سالم وحسين نعمة وياس خضر وستار جبار، وهناك خليل شوقي وناهدة الرماح، هؤلاء جميعا اشتركوا بحركة فكرية واسعة جعلت من الثقافة شيئا رئيسا ولازمة من لوازم الحياة العراقية.
المجتمع من جهته تفاعل مع طالب القرغولي ومحمد جواد اموري، وراح يردد الحانهما باستمرار لاينسى منها لحنا واحدا، وتجد طبقة اخرى من الفنانين والشعراء، حتى وصل النقاد الى تقسيم المبدعين الى اجيال، فهذا جيل الخمسينيات وهو يضم فلانا وفلانا، وذاك جيل الستينيات، في حين يبتعد الموت عن هذه الشريحة فهي مشغولة بسواه، وحين مات الشاعر عبد الامير الحصيري ، كان موته مفاجأة كبيرة ارعبت الكثيرين، مع انه موت اختياري، شاء الشاعر ان يعمد كلماته برحيل اخير، لكنما الموت لم يكن ضيفا دائما تحثه العزلة الاجبارية للشاعر والفنان، لم تكن مرينه بيكم حمد الا نادرة من نوادر عصر النهضة الفنية في العراق، وفرد عود وداده حسن، كل هذا الكم الهائل من الابداع خلق للشعب حينذاك اذنا موسيقية تستطيع من خلالها ان تميز الالحان وحتى في بعض الاحيان الكلمات، مايعني ان طفلا صغيرا تسأله عن كلمات اغنية مرينة بيكم حمد، فيجيبك انها لمظفر النواب، وحين تتساءل عن تلولحي، تجد الجواب انها لعريان السيد خلف، وهكذا بالنسبة للكنطرة وسواها من الكلمات الرائعة.
رحلوا وتركوا العراق مجردا خاليا من الفن واللشعر والحياة، فهو يقع غنيمة بين ابنائه ويجهدون في تمزيقه، صار الكرد ملاذا لحركات التطرف والارهاب، وانقسم العرب الى سنة وشيعة لايمكن لاغنية ان تجمعهم ثانية او كلمات، لقد تفرق العراقيون ولم يحسبوا لتاريخهم اي حساب، لم يعد ابن الفلوجة يستمع الى مالي شغل بالسوك مريت اشوفك، وماعاد ابن تكريت يستمع الى اعزاز عدنه، وماعادت الابوذيه تلهب حنين العراقي الى معاودة الانصهار ثانية، لم نفكر ان هناك فنا وادبا وموسيقى تجمعنا، فقط فكرنا ان البندقية هي الفن الوحيد الذي نتقنه في هذه المرحلة، ليصل الامر باحد الشعراء فيقول:
جمعتنا الحانات
وفرقتنا المساجد
لقد نسفت حضارة وافكار وثقافات عديدة حين لجأنا الى الحكومة، الحكومة التي تتكلم دائما باسم الرب والمرجع والمعمم ولم تترك للفنان حصة في هذا المجتمع، انهم يموتون، لقد سئموا العزلة والتوحد، حسين عبد اللطيف احمد المظفر، محمد درويش، محمود النمر، وآخرون وآخرون ، ذهبوا بعد ان يئسوا من سيادة الكلمة، لهبوطها الى الحضيض، احلمت اطلع سايق مال طيارهْ، تاليتي مطيرجي وكامش احجارهْ، هكذا يموت الفن بعد سامي عبد الحميد ويوسف العاني، ومحمد جواد اموري، هكذا يموت الفن بلامشيعين، ويموت الشعر في عراق الشعر، انها امنية الجهل يا ابانؤاس، ان تبتعد عن عودك الاثير، لتفرغ الساحة للطارئين، واصحاب الالحان السريعة، من الذين يخرجون اللحن شفاهيا بلا موسيقى حقيقية، هكذا تموت الحياة، وهكذا يموت الفكر، وسط ذهول الشعب وتراجعه عشرات السنين الى الخلف، ليرمي بالحضارة في مزابله المتعددة، انه عصر موت الفنانين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج