الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد مصطلح العولمة

صبر درويش

2005 / 8 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تأتي المفاهيم والأفكار والمقولات, غالباً من مراكز الأبحاث الفكرية, أو هي تنتج على يد مفكرين وفلاسفة.... الخ وبعد ذلك يقوم السياسيون والصحفيين وحتى الوعي الشعبي بتلقي هذه المفاهيم والأفكار وتدويلها مع زيادات هي ما يمكن أن نطلق عليه بتضمين المفهوم أو المصطلح
بيد أننا ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية, أي مع بداية النصف الثاني للقرن السابق, بدأنا نتلمس ظاهرة جديدة, تبلورت من خلال قلب فعلي للمعادلة السابقة. حيث أصبحت المفاهيم والأفكار تصمم وتنتج في مطابخ الصحافة, وبعدها يتم تداولها من قبل المفكرين والسياسيين...
هذه الظاهرة هي التي ستساهم ببناء ما سوف يدعى فيما بعد بالسلطة الرابعة؛
فالصحافة منذ اللحظة, ستكون سلطة حقيقية لا تقل شأناً عن باقي السلطات.
فتاريخ مصطلح (العالم الثالث ) – ذلك أن للمصطلح تاريخه – يعود إلى عقدا لخمسينات من القرن الماضي؛ " فالعالم الديموغرافي الفريد سوفي هو الذي فبرك, بعملية صحفية, كلمة العالم الثالث, وذلك في عام 14-7-1952 "1" . وكان يقصد من هذا المصطلح , الإشارة إلى دور القوة االثالثة في عملية التغيير الاجتماعي.وهو مصطلح مأخوذ من تاريخ فرنسا, عندما كانت تشكل البرجوازية الفرنسية في معادلة ثورة 1789 القوة الثالثة.
ولا يلبث المصطلح الصحفي أن يتحول إلى ( مقولة !! ) على يد المفكرين والسياسيين؛ مقولة تحيل إلى إشكالية التخلف وآلياته. فمن خلال هذا التحويل المتقن للمصطلح ( العالم الثالث ) أصبح هذا الأخير يشير إلى البلدان المتخلفة , والتي على طريق النمو...
ومن جهة أخرى لم يفوت الأيديولوجيون والسياسيين الفرصة؛ فقد كان عليهم أن يدلوا بدلوهم أيضاً ؛ فأصبح يشير المصطلح من خلال هؤلاء إلى ثلاثة عوالم : العالم الرأسمالي والعالم الاشتراكي وعالم أخير هو بين بين .
وأياً يكن الأمر فان التاريخ اللاحق لهذا المصطلح, سوف يغيب أصوله الصحفية, وسوف يصبح متداولاً كونه بداهة !.
أزعم في هذا السياق , أن مصطلح العولمة يعود بنسبه إلى أقبية الصحافة؛ ولهذه الأصول دلالتها وأسبابها أيضاً.
فمصطلح العولمة, ليس مفهوماً يجرد واقعاً عيانياً؛ كما أنه ليس مقولة فلسفية تعكس صيرورة وجود محددة؛ فما هو إذن ؟؟

في الحقيقة تجاوز مصطلح العولمة حدود انتمائه الصحفي؛ واستقر ليغرس في حقل المعرفة والسياسة والأيديولوجيا والوعي الشعبي ( وهو الأخطر طبعاً ). إذ انزلق أغلب المفكرين والسياسيين, إلى استخدام هذا المصطلح دون تدقيق, على أنه مفهوم أولاً, وبداهة ثانياً؛ وهو ليس كذلك كما سوف نلاحظ.
ومن هنا نطرح السؤال: ماهية الظروف الموضوعية التي شكلت المبرر الحقيقي للقيام بعملية التحويل تلك؛ وما هي دلالات هذا التحويل ؟. وبالتالي ما هو الدور الحقيقي الذي أنيط بهذا المصطلح ؟.
***********************
في أعقاب الحرب العالمية الثانية, اقتنع قادة النظام الرأسمالي ومفكريه, أن شبح الشيوعية القادم من الشرق لم يعد شبحاً؛ وأن حلم نهاية التاريخ وتأبد النظام الرأسمالي, سيؤجل تنفيذه حتى إشعار آخر. فرياح التغيير كانت قد أصابت العالم, وبدأت تستحث شعوب الأرض على العمل من أجل تحقيق حلم طالما تاقت إليه.
وبإزاء هذا الخطر –الذي لا نناقش هنا مدى جديته- لم يكن أمام النظام من خيار سوى المهادنة واتخاذ موقع إدارة الأزمة؛ وهو بالضبط ما شكل الأرضية التي انبتت عليها المصالحة التاريخية بين العمل / رأسمال . هذه المصالحة التي ستشكل مضمون ما سوف يدعى بدولة الرفاه في بلدان المركز, والدولة الوطنية في الأطراف .
وقد أوحت جملة هذه المتغيرات إلى التساؤل الجاد حول قدرة النظام على تحقيق العدالة
الاجتماعية. هذا الاعتقاد الذي ستنخرط فيه أغلب الفصائل اليسارية في أوربا, تحت اسم
الاشتراكية-الديمقراطية.
وبناءً على المصالحة تلك, وعلى قاعدة جملة التنازلات التي قدمها النظام حيال الطبقات الشعبية, استطاع هذا الأخير أن يستعيد مشروعيته الاجتماعية والتي كان قد خسرها في أعقاب سلسلة حروبه الدموية .

بيد أن التاريخ لا يلبث أن يعيد خلط أوراقه, ويعيد تنضيدها من جديد.
فالمكتسبات التي استطاع نضال الشعوب تحصيلها؛ لا يلبث رأس المال بالتنصل منها تدريجيا. ومع بداية عقد الثمانينات سوف تبدأ بلدان المركز بتبني سياسة اقتصادية كانت قد تخلت عنها سابقاً وذلك بحكم فشل هذه السياسة ذاتها ؛ ستدعوها باللبرالية الجديدة , والتي ستضمن عودة الصراع من جديد إلى مقدمة المسرح, بعد أن كان هذا الأخير قد أسقطه من أجندة التاريخ.
تفكك الاتحاد السوفيتي أواخر الثمانينات, ستعجل من وتيرة تطبيق هذه السياسة والتي ستدعى من جديد باللبرالية المتطرفة .
في هذه الأثناء, ومع تراجع المكتسبات الشعبية المتمثلة بدولة الرفاه في المركز, وأيديولوجيا التنمية في الأطراف , سيتكشف التاريخ عن الوجه الحقيقي للنظام الرأسمالي . هذا النظام المبني على أساس انتهاك الإنسان والبيئة الحيطة به, والمتميز بالا مساواة في توزيع الثروة والدخل ...
وهنا سوف يعاد طرح السؤال من جديد: هل وصل النظام إلى حدوده التاريخية وبالتالي فقد مشروعيته الاجتماعية ؟؟
إن الجواب عن هذا السؤال سيشكل مضمون الحراك الشعبي على مستوى العالم, والذي سيضم حركات جديدة كانت فيما مضى على وفاق مع النظام الرأسمالي؛ كأصحاب الوعي الأخضر والحقوقيين وبعض أحزاب الاشتراكية – المسيحية..وغيرها من التيارات اليسارية . وسيتشكل على ضوء ذلك ما سيدعى بتيار مناهضي العولمة .
ما يهمنا من المسألة هنا, تأكيدنا على شعور منظري النظام بالخطر المحدق بنظامهم. فهم مدركين أكثر من غيرهم أن أي نظام اجتماعي في التاريخ لم يكتب له الاستمرار بمعزل عن المشروعية الاجتماعية, وذلك حتى لو استعيض عن هذه المشروعية بأساليب قمعية متعددة, أو بمشروعية مزيفة.
ومن هنا أدرجت إعادة مشروعية النظام الرأسمالي الاجتماعية على جدول الأعمال. وإذا كانت الممارسات الفعلية للنظام تذهب بعكس الاتجاه المطلوب, فهنا لابد من الاستعانة بسلاح لا يقل فتكاً عن F16, وأقصد هنا الأيديولوجيا؛ التي ستصبح فيما بعد أيديولوجيا الليبرالية الجديدة.

لقد ارتكز بناء الخطاب الإيديولوجي الجديد على ثلاثة ركائز أساسية وهي: الديماغوجيا وأقصد هنا النفاق, وثانياً محاولة ربط اللبرالية بالديمقراطية حتى تكاد الواحدة تصبح مرادفة للأخرى! , وثالثاً اعتماد مصطلح العولمة وتوظيفه في مهمة تضليل الوعي الشعبي ؛ وهو ما يهمنا مناقشته هنا .

*الوظيفة الإيديولوجية لمصطلح العولمة :
لايوجد تعريف واحد اتفاقي لمصطلح العولمة, يجمع عليه المختصين والسياسيين والصحفيين.. وغيرهم . وهذا ما يمكن تلمسه بسهولة من خلال كثرة التعريفات المتداولة والمتناقضة في كثير من الأحيان. وهذا ما يعكس بطبيعة الحال لا علمية هذا المصطلح وطبيعته الايدولوجيا.
ما الهدف من استخدام مصطلح العولمة ؟
ازعم في هذا الصدد أن للمصطلح وظيفة إيديولوجية, عمل القائمون عليه جهدهم من أجل استبدال مفهوم نمط الإنتاج الرأسمالي الفاقد أو الذي بدأ بفقدان مشروعيته الاجتماعية, بمصطلح العولمة.
وكي يلعب المصطلح دوره بإتقان, كان لابد من تضمينه بتضمينات توحي بمعقولية المصطلح ودلالاته الايجابية .
ومن هذا المنظور أصبح مصطلح العولمة يحيل إلى التقانة والتكنولوجيا و( الحداثة الجديدة !) . إضافة إلى التقارب بين الشعوب وتجاوز الحدود والجغرافية ..فيما بينها . بالمختصر انه عصر العولمة, وهو ما أعتيد على تسميته بالقرية الكونية أو القرية الصغيرة.. الخ.
بمعنى آخر, في سياق عجز المدافعين عن النظام الرأسمالي وممارساته الوحشية, وإعادتهم لبناء مشروعيته الاجتماعية؛ لم يكن أمامهم من خيار سوى محاولة تغييب مفهوم نمط الإنتاج الرأسمالي بكل ما يحمل من سوء عجزت عملياتهم التجميلية عن تحسينه؛ بمصطلح إيديولوجي يعكس مجموعة من الأوهام والآمال الغير محققة, والمطلوب منها استعادة مشروعية سقطت بفعل ممارسات النظام نفسها .
ومن هنا يصبح مفهوماً لنا القول بمناهضة العولمة , عوضاً عن القول بمناهضة النظام الرأسمالي ؛ ويصبح مفهوماً لنا الحديث عن [ حقبة التحول للبشرية جمعاء ] , وكأنها حقبة تجاوز الآثار السلبية التي خلفتها ممارسات النظام على البشرية جمعاء .
ومهما يكن من أمر هذا المصطلح, فقد أراد أصحابه منه أن يلعب دور الستار الإيديولوجي الذي يخفي خلفه النظام الرأسمالي بكل قباحته .
وأصبح بناءً على ذلك , وكأن النضال ضد ما يدعى بالعولمة. وكأنه نضال ضد التقانة والتكنولوجيا والحداثة..... الخ ؛ فيصبح هؤلاء المناهضين وكأنهم من خارج التاريخ ؛ ويصبح السؤال الدارج والمبتذل : أيعقل أن تقفوا ضد العولمة ؟!! وهم بذلك طبعاً يقصدون ضد التقانة والتكنولوجيا... الخ.
وفي هذا السياق سيؤدي المصطلح دوره في حرف الصراع عن مستواه الحقيقي, بخلق آمال- أوهام جديدة شبيهة بتلك التي كانت مرافقة لأيديولوجيا التنمية, تعد البشرية بحقبة جديدة يعم فيها الرخاء الجميع . وبذلك تكون قد تمت اللعبة .
----------------------------------------------------------------
"1" -- ايف لاكوست , مفردات التخلف واشكالياته

******************** انتهى 30-7-2005









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الروسي يؤدي اليمين الدستورية ويتعهد بوضع مصالح روسيا


.. مشاهد توثق لحظة إصابة صاروخ لمبنى بمستوطنة المطلة جنوب لبنان




.. 7 شهداء و14 مصابا في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في حي الز


.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح




.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير