الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المقاومة إلى المغالبة

روبير البشعلاني

2014 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


مقاطعة الشركات التي تتعاطى مع العدو جيدة جداً ونحيي كل من يدعو لها.
لكنها توحي وكأن المقاطعة سببها هذه العلاقة مع اسرائيل وحسب. وليس لأنها جزء من هيمنة اقتصادية سياسية على بلادنا ككل. تبدو وكأنها عقاب على سلوك سيء بينما الحقيقة أنها سلوك مقصود وواع. هو سلوك السيطرة والنهب.ء
المقاطعة التي اتمناها هي مقاطعة بضائع كل الشركات الغربية. لأنها مقاطعة تنخرط بفهم يجعل العدو الصهيوني مجرد آداة في منظومة نهب البلاد.
تحويل بلادنا إلى سوق بلا إنتاج وإلى بئر نفطي منهوب هو الهدف الامبراطوري الغربي . الباقي اكسسوار في الخطة لكنه جزء منها.
تجزئة الوطن والدولة، وشك اسرائيل فيه من عدّة الخطة والشغل.لكنها ليست الهدف الرأسمالي الغربي. إقامة دويلات قرابية معدة للانفجار من عدّة الخطة. لكنها ليست هي الهدف. أدوات.
بهذا المعنى نعم فلسطين ليست “القضية”، بل من القضية. التحرر العربي هو القضية. القضية هي تحررنا جميعنا من المنظومة المركبّة. القضية هي ضرورة النضال لتحرير الارض في فلسطين ولتحرير البلاد من التجزئة ومن الدويلات القرابية التابعة ومن السوق وفي آن معاً.
بهذا المعنى فإن ما يجري في فلسطين لا يعني حماس بالدرجة الأولى، ولا يعني دويلة عباس ، ولا يعني الفلسطيني كفلسطيني حتى، بل يعنينا جميعا كعرب تابعين لمنظومة الهيمنة والنهب إياها. فاحتلال الأرض بفلسطين جاء بإطار المنظومة لهدفين: منع الوحدة، وحدة الوطن جغرافيا واقتصاديا أيضاً. واقامة مخفر ردعي للدويلات القرابية من حوله.
وبهذا المعنى فإن من يقاوم المحتل ويزرع ولو حتى شوكة صغيرة في حلقه يقوم بعمل جبار وعظيم، أيّاً كانت هويته وبرنامجه وشعاراته وتحالفاته وطبيعته وأهدافه، خصوصاً بغياب القوة الجامعة الموحدة المغالبة.
الممانعة ضرورة عندما تنعدم وسائل المقاومة. المقاومة ضرورة عندما تنعدم وسائل المغالبة. الممانعة والمقاومة موضعيتان. نعم. لا يشكلان ردا شاملا على المنظومة. المغالبة وحدها تتيح امكان الإطاحة بالمنظومة ككل وإقامة مشروعها البديل: الدولة العربية الصاعدة.
المغالبة بحاجة إلى قوة سياسية عربية شاملة ( على قد الهيمنة ومنظومة النهب) مستندة إلى قوى اجتماعية صاحبة مصلحة ومن طبيعة غير منقسمة والى قاطرة بهوية وطنية تقود الباقي.
لكن الصراع بحاجة أيضاً إلى رؤى وبرامج تبتعد بالمرحلة الأولى عن كل شعار يقود الى الصراع البيني على السلطة لأنه يدخلنا بصراع قرابي لا نهاية له. على المعركة أن تركز على العدو الناهب الخارجي وعلى إقامة الدولة الصاعدة. ء
الرؤية وحدها لا تكفي. لعب دور الناصح للقوى الموجودة عقيم. الإكتفاء بنقد الموجود وتبيان عجزه الموضوعي ليس سياسة. الاستنتاج بأن الجميع سواسية لأن “الهوية” تقود إلى حروب “هواوي”، ليس استنتاجا سياسياً صحيحاً ولو صح من الناحية التاريخية العامة.
قيادة الشعوب الى بر أمين لا تقوم على ادعاء المعرفة سلفاً، بل على تبيينها للعموم، لا تقوم على ادعاء امتلاك البديل المقنع، بل بلورته وطرحه على الناس لقياس مدى صحته وتطابقه مع مصالحها العليا.
الناس تركت القرابات، او ابتعدت عنها قليلا – حتى نكون دقيقين- فقط عندما قدم لها جمال عبد الناصر مشروع المشتركات العليا، مشروع الدولة الوطنية.
فلا يمكن تحميل القرابات الحالية مسؤولية هزيمة المشروع الوطني، فهزيمة دينامية المشتركات العليا تقود حتماً ألى الانكفاء نحو دينامية المشتركات الدنيا
كما لا يمكن ادعاء قيادة الناس عندما نطرح عليها برنامجا عدلاويا لا يصلح الا لمرحلة تاريخية لاحقة جدا. وهو برنامج يقود الى استثارة صراعات بينية بدل التركيز على الناهب الخارجي ومنظومته.
ولا يمكن ادعاء قيادة الناس انطلاقا من كم مفهوم ليبرالي رماهم الغرب بيننا لكي يزيد من حدة الصراعات البينية والداخلية.
لا يمكن انتقاد من يقاوم اليوم بحجة أن ” هويته” متناقضة مع “الدور” النموذجي، خصوصاً بغياب أي بديل فعلي يمكن للعامة ان تتلمسه وتتبعه.
أما من لا يزال يظن أن ما يجري في بلادنا حالياً هو ثورة وانتفاضة قامت بسبب “فشل” القوى السياسية السابقة وان ما يحصل لا يتعدى ” ردود فعل على تفاقم ظلم الخارج وعجز أو فشل أو استبداد الداخل”، فلا يستطيع أن يقود حتى عملية ” مراجعة جذرية “.
هذه الثقافة هي المسؤولة عن الاستقالة من تحمل قيادة المهمة التاريخية الرئيسية لشعبنا العربي، التحرر الوطني، هي التي رسخت مفاهيم الدول-التجزئة، هي التي رسخت مفهوم قضية فلسطين كقضية فلسطينية ( الفلسطينية علقانين مع اليهود)، هي التي رسخت المقاومة كمفهوم يتعلق فقط باحتلال الأرض ونسيت احتلال المنظومة والإقتصاد والموارد، هي التي نسيت أن تشكيلة بلادنا الاجتماعية المعاصرة هي تشكيلة سايس-بيكو ( نهب عبر التجزئة والنواطير القرابية ..) وان التناقض الرئيسي فيها هو بين الناهب والمنهوب. هذه الثقافة التي لم تفهم أننا لم نصل بعدُ الى مرحلة التغيير الديمقراطي وأننا وبسبب من تشكيلة سايس-بيكو، غير الناجزة، ما نزال في تشكيلة ما قبل الدولة. هذه الثقافة التي ما تزال تصر على فرز القوى انطلاقا من علمانيتها أو لا. كأن القبائل والطوائف لا تمانع ولا تقاوم ولا تنضم الى مشاريع مغالبة ايجابية. هذه الثقافة التي تريد أن تقود مراجعة جذرية بأدواتها الثقافية والسياسية القديمة ذاتها. أسوا من ذلك هي لا تنقد في أدواتها السابقة إلا ما يناسب الخطاب الليبرالي السائد حالياً. فالعلّة في الخطاب السابق، بالنسبة له، ليس انه لم يفهم التشكيلة الاجتماعية التي تظللنا، فجعل كل بلد عربي دولة رأسمالية غربية بحاجة الى اشتراكية، بل حصر المسألة بالإستبداد وبطريقة قيادة الدولة والأحزاب.
ثقافة “التغيير” الداخلية أعمت الأبصار ، على ما اعتقد، عن موضوعة الهيمنة الخارجية ومنظومة النهب الامبريالي المركبّة. وهذه الثقافة تمنع، اليوم أيضاً، إمكانية تقويم دور كل من القوى الاجتماعية في المساهمة بعملية التحرر الوطني
وإمكانية بلورة رؤية وطنية تستطيع ان تنتزع قيادة شعوبنا من المقاومة إلى المغالبة، نحو اقامة الدولة الصاعدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح