الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زينب بين الجنود !!

كفاح جمعة كنجي

2014 / 7 / 13
الادب والفن


الحَر في علي الغربي في اشد ايامه ، نحن في شهر تموز اللاهب. خرجت من غرفة صفائح الجنكوالمعدنية هرباً من شدة الحر، عَلّني احصل على نسمة هواء تخفف شيئاً من لهيب تموز وجحيمه، لأتفيأ بظلال ساعات الصباح خلف جدار الغرفة المعدنية الحاجز لاشعة الشمس قبل ان تغدو عمودية وتخفي معها الظلال في ساعات الظهيرة مع منتصف النهار.
بسطت نظري على الشكل المستطيل لباحة المعسكر من غرفتي في الضلع الشرقي للمعسكر .. على يميني كان المدخل الرئيسي لباب النظام .. لا اعرف حتى اليوم من اين اتت هذه التسمية! .. قبالة هذا الباب الذي يُحرس ليل نهار كانت غرفة السجن تَعجُ بالعديد من الذين رفضوا الالتحاق بالوحدة بعد انتهاء اجازاتهم نتيجة تعرضها لهجوم ايراني شرس ابان قادسية العار التي اندلعت خريف عام 1980 والذي أوقع العديد من القتلى والجرحى والاسرى والمفقودين في صفوفنا ..
وقبضت اجهزة امن الدكتاتور عليهم واعيدوا لوحداتهم ليقدمّوا للمحاكم العسكرية .. حُكم على بعضهم بالسجن ومنهم من ينتظر محاكمته. وَرآفةً من الحراس بالجنود الموقوفين، كانوا يسمحون للمسجونين بالجلوس خارج المحشر بسبب جحيم حر الغرف المعدنية .. بعد استئذان الضابط المكلّف كآمر لذلك المعسكر الخلفي التابع للوحدة العسكرية ذاتها.
يسود المعسكر الهدوء كلما اقتربت ساعات الظهيرة .. كان الجندي الاحتياط المنسوب للسرية الرابعة عبد الامير كاظم من بغداد احد نزلاء ذلك السجن .. سبق وأن اُلقِي القبض عليه فحوكم واودع السجن. جلس عبد الامير ذلك اليوم في الظلال التي تصنعها حيطان السجن مع بقية السجناء المرتدين للملابس المدنية الشعبية .. غالبيتها دشاديش بيضاء اللون..
في الشهور العديدة التي امضاها عبد الامير سجيناً لم يفلح اهله بزيارته .كل ما كان يأتيه من عائلته مع الجنود المغادرين في اجازاتهم لا يتعدى رسائل متبادلة مع ذويهِ حاملة بعض اخبارهم دون الغوص بالمزيد من التفاصيل .
قاربت الساعة الحادية عشر صباحاً . توقفت سيارة كوستر امام باب النظام، إتجهت انظار من في المعسكر اليها،اذ لم يعتادوا ان يروا سيارة مدنيّة تصل المكان.!
بعد توقف السيارة نزل ركابها بينهم فتاة بملابس زاهية الالوان لا تتجاوز الثامنة من العمر .. للحظات إنشغل الحرس بالزوار.. لا يستطيع السماح لهم بالدخول قبل موافقة آمر الموقع ، حَنتْ الفتاة رأسها وظهرها .. تجاوزت عارضة البوّابة الحاجزة ودخلت المعسكر رغم انف الحرس وبقيت للحظات ساكنة قبالة غرفة السجن المواجهة لنظرها من بعد 300 متر تقريباً ، كان الجنود المسجونيين قد وقفوا يراقبون القادمين ، تقدمت الفتاة رويدا، رويدا ولم تمنع اوامر حرس البوابة من ان توقفها رغم صِراخه الشديد .
بدأت تزيد من سرعة جريها باتجاه السجن، وكلما اقتربت منه اضطربت وزادت حركة الجنود المساجين . ترفع قدمها اليمنى وتثني ساقها نحوالخلف وللاعلى وتعقبها الساق اليسرى و بايقاع متتالي ،تتمايل يميناً وشمالًا مفرشة ذراعيها في الهواء كجناحي عصفور يافع يتعلم التحليق والطيران للتو. منظر جميل لم يسبق لاحد في المعسكر أن رآه سابقاً .
تسّمرت عيناي كالاخرين لتراقب الفتاة كالزهرة وقد خففت حرارة ذلك اليوم التموزي اللاهب .كانت الفتاة قد قطعت اكثر من مئة متر من المسافة. خرج جميع من كان في المعسكر من غرفهم وبدأؤا يراقبون من اماكنهم الصغيرة التي لا احد يعرف عمن تبحث لحد الان .
تقلصت المسافة بينها وبين غرفة السجن .. انظار الجميع إنشدة لحركة الفتاة التي اقتحمت معسكرا كاملا دون ان يستطيع صنديدا من ايقافها او صدها .
حين اقتربت اكثر ، انطلق عبد الامير كالمجنون من بين المساجين باتجاه الفتاة. في الخطوات الاولى حاول حرس السجن ان يمنعه وصرخ به، إلا ان صرخته ذهبت سدىً ، اتجهت حواس عبد الامير نحو الفتاة الجارية ولم يسمع صراخ واوامر الحرس كادت اذناه لا تسمع شيئاً على الاطلاق .. إستمر عبد الامير بالركض مضطرباً .. يسرع كالغزال وعلقت قدمه بحافة دشداشته .. كاد ان يطيح على الارض الا أنهُ اعاد توازن جسمه بعد ان ترنح يمنياً وشمالا وإ ستمر يعدو تجاه الفتاة التي زادت بدورها من سرعتها لحظة رؤيتها من انطلق جارياً نحوها.
يخفق قلب عبد الامير وتزداد سرعةً نبضاته ، ساقاهُ تسابق الريح ، تمزق نعاله الاسفنجي وتطاير من احدى قدميه بفعل سرعة الجريان وارتفع في الهواء ولم يكترث له واستمر في ذات السرعة غير مكترثاً.
بدأت المسافة بين عبد الامير والفتاة الصغيرة تقصر شيئا فشيئاً انظار الجميع مشدودة اليهما ،اقتربا وباتت المسافة بينهما امتاراً محدودة.. عندها مدّ عبد الامير كلتا يديه للامام صارخاً بكل ما أوتي له من قوة في حنجرته زينب!! فاجابته الفتاة وقد فرشت يداها وعلى استقامة كتفيها كطائر :بابا.. بابا.. بابا تشابكت أذرعهما .. حمل عبد الامير زينب.. ظل يدور بها وهي ملتصقة بصدره ، مشبعاً اياها بالقبل في حين لاذت هي بالصمت المطبق مُتوسدة كتفه كأنها عثرت على جزء مفقود من روحها وجسدها . بكى العديد ..ممن عاشوا المشهد الانساني المؤثر .. لكن غالبية الحضور لعِنت الحرب .. الحرب التي يشعلها ساسة مجانين مُجندين من الاخرين ضحيتها الشعوب التي لا رأي لها في اندلاعها وهمهم الوحيد وقوفها وانهائها.


تموز 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟