الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة ما زالت تتنفس وتقاوم

حبيب هنا

2014 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


دعونا نبقي أنظارنا مصوبة تجاه الوجه البشع للحرب، للمآسي التي تخلفها، للدمار الذي تحدثه، لحرمان الأطفال من أبويهم وحرمان الصبايا من أزواجهن، وحرمان الأزواج من ثمرة الحب التي تجسدت في الأطفال، فقطعتهم من بستان الحياة وألقت بهم في صحراء مليئة بالأشواك والأفاعي.
أي حرب هذه التي تحاول اغتصاب الواقع بجنون وتضع حداً لحياة الناس واستقرارهم! إنها على نحو ما، توقظ فينا الدهشة والإثارة المفزعة التي كنا قد نسينا تأثيرها الفوري النفسي والمادي بين الحربين، الأمر الذي يدفعنا إلى تكرار الحكم السابق عليها لأننا لم نجد في قاموس اللغة مرادفاً مواتياً يليق بها وبالإفرازات التي خلفتها.
إنها الحرب التي تبقي الإنسان على الوضعية التي كان عليها قبل الموت بلحظات. شخص يقضي حاجته في المرحاض. آخر عارٍ تماماً من ملابسه. ثالث بين يدي أمه تضع له مرطب الجسم قبل إعادة تحفيظه. رابع عائد من سوبر ماركت حاملاً علبة حليب لطفله الذي انتظره خمسة عشر عاماً... أشياء خاصة لزوجين مبعثرة في الشوارع يتقاذفها الهواء يميناً ويساراً.. جسداً مشتعل ينهض عن الأرض يوثقها صحفي محترف في بث حي ومباشر.. إنها الحرب ذات الويلات التي لا يمل من استخدامها القاتل بين حين و آخر.
بهذا المعنى فالحرب منذ بدايتها أوصلت رسالتين غير سارتين .
الأولى : وجوب أن نغمض أعيننا عند رؤية المناظر البشعة كي نؤكد تنافرها مع ما يراه العقل الغربي عملاً سوياً، حتى يفتضح المضمون المحسوس للحرب وفواجعها والتي تؤكد الانحياز الكامل للمحتل وما يقترفه من جرائم إنسانية بحق شعب أعزل إلا من الإصرار على نيل حقوقه مهما كانت جبروت الدول الداعمة للقتل والبطش وحرمان الأطفال من شروط الحياة.
الثاني: عدم الركون للعدالة الدولية التي لا تقيم وزناً للدم الفلسطيني المسفوك مهما كانت بشاعة المجازر، خاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل الدولة الموجودة بقوة القتل منذ اللحظات الأولى لولادتها والتي لا ينسحب عليها أي من القوانين التي تنسحب على الآخرين .
وعليه، ينبغي علينا البحث في مضمون هذه العلاقة وفك رموزها بغية فضخ التواطؤ الدولي الذي دائماً ما يحول دون اتخاذ القرارات في المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة ، كي نتقدم ولو خطوة واحدة على الطريق الذي يفرض العزلة عليه ويدفع بنا إلى الأمام نحو التحرر وخروج الاحتلال من أرضنا.
وفي هذا السياق بالضبط، يمكن القول: إن القضاء الدولي المحكوم بسقف القوة و"الفيتو" ليس بحاجة إلى إثبات الوقائع في كل مرة، عبر اللجان المختلفة. فالدمار وأشلاء القتلى المبعثرة في الشوارع وعلى الطرقات وبين الركام يشكل جسم الجريمة للحرب التي يمارسها العدو كلما أراد ذلك غير مبالٍ باللجان لمعرفته المسبقة بالنتائج وعدم قدرة العدالة على فرض العقوبات عليه أو على الأقل تنفيذ القرارات التي تصدر.
بهذا المعنى، فإن الأيدي المبتورة والأرجل المقطعة ما زالت تشكل شاهد اتهام ضد الحرب ومنفذيها عبر الحروب المتعاقبة التي فرضت على غزة في السنوات الأخيرة. فضلاً عن الاستهداف المتكرر للعديد من المواطنين من خلال الطائرات بدون طيار أو المروحية، والتي توقع القتلى والإصابات بالذين كانوا يمرون بالقرب من المكان. ناهيكم عن توفير الحماية اللازمة من قبل دولة الاحتلال لقطعان المستوطنين كي يستبيحوا مدن الضفة الغربية والقدس وينهبوا خيراتها ويحرقوا أشجارها ويصادروا حياة أهلها.
وعندما تنتصر غزة لأهلها في الشطر الآخر من الوطن والتي ما أن تستفيق من دمار حتى تعود إليه مجدداً كأنها على موعد مع الموت، وهي التي تأبى أن تموت رغم كل أنوع المؤامرات والأسلحة..
يمكن تدمير غزة بالكامل على أيدي الاحتلال الذي لا يرحم، يمكن أن تتهاوى أبراجها، أن تقتلع أشجارها، أن تقطع أسلاك الكهرباء فيها. أن تفقد المستشفيات فيها صلاحية العلاج ووجود الأسرة التي تستوعب أعداد الجرحى. يمكن أن يقتل أطفالها وصباياها وشبابها..
كل هذا يمكن حدوثه وأكثر ويمكن تحمله ومقاومته، ولكن أن تبقى العدالة الدولية غائبة بعد مشاهدة كل هذا الدمار والرعب وأطنان المتفجرات التي تنصب على غزة من البر والبحر والجو دون أن تسارع إلى طلب محاكمة المجرمين القتلة الذين لا يتورعون عن تسميم الماء والهواء بعد ثبوت الأدلة القاطعة لجرائمهم وتصاعدها كل ثانية، فهذا الذي لا يمكن تحمله والصمت عليه.
تطمئنوا غزة ما زالت متماسكة كما لو أنها في أبهى زينتها، لم تتساقط الدموع من عينيها، ولم يغادرها حب الدفاع عن الماضي والحاضر والمستقبل، لم تترك لحم فلسطين يشتعل على الطرقات وفي الوديان ، لم تصلها استغاثة محمد أبو خضير : وآه غزاه !
تطمئنوا وكونوا على يقين أن غزة ما زالت تتنفس وتقاوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا