الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نخسر البقية الباقية من أحلامنا - البلد بلدي و إيزيس حبيبتي*

علي سفر

2005 / 8 / 3
الادب والفن



ينقل لنا تاريخ العرب في بعض صوره الجميلة أن عدداً من المؤلفين و الفلاسفة شاؤوا أن يعملوا في صناعة التوريق أو الوراقة أو ما نسميه نحن بصناعة الكتب ..و ذلك كي تعينهم هذه المهنة في تدبر شؤون حياتهم و العيش مما كانوا يجنونه منها و ما كان هذا الشي عملياً بقليل ..
ومن هؤلاء نتذكر ابن النديم صاحب «الفهرست» والجاحظ ، وأبو حيان التوحيدي فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، كما وصفه ياقوت الحموي ، والذي يعد نموذجًا رائعًا للعلماء الوراقين في عصره. حتى أن الوراقة أصبحت " مهنة راقية لكثير من الأدباء والمفكرين والعلماء، وانتشرت دكاكين الوراقين في طول البلاد وعرضها، وأصبح للمؤلفين الشهيرين وراقون يختصون بهم، وأصبحت دكاكينهم أماكن ثقافية يرتادها الأدباء، وتعقد فيها المناظرات وتدور فيها المناقشات."
و رغم أنه هذه المهنة كانت عنصراً فعالاً من عناصر التنوير إلا أن كتب التاريخ لم تدفع بفكرة أن يتجه مؤلف ما صوب هذه المهنة تعبيراً عن موقف فكري أو سياسي ما ...
بل إن الأمر لم يتعد إيجاد مورد رزق في زمن كان يحترم هذه المهنة بكافة أدواتها ..
و في زماننا الحالي و من خلال المراجعة السريعة للعديد من هذه التجارب نلمس قيام العديد من المثقفين بإختيار العمل في صناعة الكتاب تعبيراً عن موقف نقدي تجاه المجتمع ..
موقف ينطلق من ضرورة المساهمة في عملية التنوير و دفع الأفراد المكونين لهذا المجتمع صوب عالم المعرفة المدونة في الكتب ..
و التجارب التي نتحدث عنها عديدة و اوضح من أن نضيع الوقت في تعدادها ..غير أن الواقع الحالي ينقل لنا و بكثير من القسوة أخبار إفلاس العديد من هذه المشاريع الثقافية التي بنيت على مشاريع لا تخص أصحابها فقط بل تخص المجتمع بأسره ..!!
و السؤال الذي يرد حيال خيارات هؤلاء الأفراد يتعلق دائماً بفكرة أنهم إنما يقدمون على مشاريعهم دون دراسة و لمجرد التعلق بفكرة الثقافة !!
و لكن أليس هذا التعلق و هذا الإفتتان موقف يستحق أصحابه أن يكونوا رابحين لا خاسرين ..؟
لا نقول رابحين للألاف المؤلفة من الأوراق النقدية بل رابحين لصورة المغامرين النبلاء الذين يخوضون في السيل و هم يعلمون أنهم و إن نجوا من دفقه وهديره فإنهم لن ينالوا سوى البلل و احتمال الغرق ...!!
فقبل أكثر من عامين أقدم الصديق يعرب العيسى على إفتتاح دار نشر أطلق عليها أسم " البلد " و قام بنشر العديد من الكتب الرائعة ليس أقلها كتاب مذكرات غابرييل غارسيا ماركيز ..!! و رغم أن كتب يعرب وصلت للعديد من البلدان العربية إلا أن مشروعه انتهى الى الفشل بعد أن بات عليه أن يموله من قوت عيشه ..في الوقت الذي كان يمكن للقليل من المساعدة في التسويق أو إبتياع النسخ من قبل المؤسسات الثقافية أن تتكفل لهذا المشروع بأن يصل الى نقطة اللاعودة و أقصد نقطة الإستمرارية ...
و في مكان غير بعيد عن أحلام يعرب العيسى مكانياً على الأقل و في شارع صغير متفرع عن شارع العابد في دمشق ظلت و لسنوات عديدة دار و مكتبة " إيزيس " لصاحبتها الروائية أميمة سليمان الخش تقاوم ثقافة السائد و المتاح السهل محاولةً أن تبقي على بعض الرمق في عروق الثقافة في سورية عبر نشر الكتاب التقدمي و المعرفي و عبر الإعارة المباشرة للقراء ..
سنوات طويلة لا أتذكر متى بدأت و لكنني و للأسف أعرف متى أنتهت ... فمذ أيام قليلة أغلقت المكتبة بعد ان كادت أن تفلس صاحبتها و بات عليها أن تدفع أجور العاملين فيها من قوتها ايضاً ..!!
و هكذا خسرت دمشق و خسرت ذكرياتنا في عالم الثقافة و الكتب ركناً جميلاً مثلته هذه المكتبة التي كنا ندلف إليها بعد أن كنا نخرج من مقهى الروضة أو من بار الفريدي الذي أغلق أيضاً ...و هكذا لم يبقى لنا و نحن ندخل الى ذلك الزقاق سوى ان نشم روائح الطبيخ و أن نرى أصحاب البطون الجائعة في طابور مخزٍ أمام أحد مطاعم يمتد و يمتد ليلف الشارع كله ..
لم يكن مشروع إيزيس كما دار البلد مشروعاً ربحياً كما لم نكن نحن مجرد مثقفين يبحثون عن كتبهم و يقطعون علاقتهم بالأمكنة و أصحابها بعد أن يجدوا ضالتهم ..
لقد كانت هذه المشاريع بوابات أحلام مشرعة على أزمنة جميلة – و ليعذرني البعض على رومانسيتي – و كنا نحن وقود هذه الأحلام و أولادها أيضاً و أعتقد أننا نتيتم في كل يوم و بعد كل خبر سيئ من هذه الأخبار ..ولا يبقى لنا سوى أن نلتف على ذواتنا و نغيب في أغوار ٍ تعزز من حضور الأحلام فينا إذ أننا خسرنا كل شيء.. أو لعنا كنا ومنذ البداية نعرف أننا خاسرون و أن راياتنا البيضاء ليست سوى كناية عن حلم ضئيل مازال الجميع يطارده بأسلحتهم التي تبيد العقل و المعرفة ...
تحية ليعرب و دار البلد ..
تحية لأميمة ودار إيزيس ..
و كفى ..

* " إيزيس حبيبتي " : عنوان مسرحية للمسرحي المصري الراحل ميخائيل رومان الذي وجدت جثته متحللة في شقته في زمن هزيمة الأحلام الجميلة أيضاً ...










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي