الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسفين على جرحي الثخين

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2014 / 7 / 14
الادب والفن


أخيرا، وبعد تفكير مسهب قررت أن أكتب، تزاحمت مواضيع عدة في رأسي، لست أدري هل أنا من انتقيت الموضوع أم الموضوع هو الذي فرض نفسه علي تبعا لأهميته مقارنة بالمواضيع الأخرى ؟ فمنذ الصباح وأنا أريد أن أكتب، لكن لم أكتب إلا في اللحظة التي شارفت الغروب، إنها حصيلة مخاض كان يعتمل في كياني، غير أن الذي لفتني أن كل المواضيع تعبر عن نفس الجرح، والذي يمثل عقدة ذاتي( أو ذلك الضوء الهارب بلغة عبد الله العروي)، وهي تنحو في نهر الحياة العظيم، إنها تحس وتشعر أن هذا النهر يطاوحها هنا وهناك كبرعم صغير جرفه الفيضان، وأنها بالرغم من ذلك مازال مصيرها مجهولا غامضا في فهم القانون الذي يسري على ذلك الجريان العظيم .
استيقظت كعادتي، فطفت الصخور المتسمرة في أعالي قريتنا أمام عيناي الناعستين، وبعد برهة رحت أنظر إلى الغابة المجاورة لمنزلنا، وهناك لاحت لي أوراق ميتة، أردت أن أكتب قصيدة تشبه حياتي بالأوراق الميتة، ولكن بعد هنيهة وجدت هذه القصيدة تهرب مني بعدما ركبت ترسانة مهمة من كلماتها، فعلا ! إن حياتي يسكنها العبث مثل أوراق مكدسة قرب جذع شجرة، تتلاعب بها الرياح تارة هنا وتارة هناك، هذا هو أنا ورقة ميتة تعاني خواءا عاطفيا، ليس لأنها تفتقد لأحاسيس عاطفية مسهبة، بل لأنها تحتوي على طاقة دافقة، وعلى ركام غزير من العواطف الجياشة، وأكوام من الأحاسيس تخول لها رسم حياة مفعمة بالمعنى، وولادة طفل دافق بالدلالة، ولكن كل هذه الأحاسيس حبيسة الذات، وتحتاج إلى نافذة لكي تنفلت نحو الخارج من أجل أن تتبرعم، وإلا فإنها ستبقى رابضة بالداخل، وتصبح كالمياه الآسنة، وتتحول إلى جرح ثخين، أو مرض عويص .
تهت وحيدا بين الحروف والكلمات، أفكر في فراغي السرمدي، أجترح لحظات الوجود، وبين ثنايا القصيدة الهاربة لاحت صديقة واقعية اسمها سعاد، كنت قد التقيتها ذات صباح رمضاني، فراجعت معها الفلسفة، أيمكن أن تكون هذه هي صديقتي ؟ أجل ! فلتنظر إلى عينيها الدافقتين وإلى وجهها الاسكندنافي الذي تلوح منه بشائر الحياة !؟؟ ولكن يا صديقي فلتتأمل أصابعها المطلية بالصباغة، ناهيك عن فراغها الفكري وخوائها العاطفي كصبار جردته حرارة الصيف من علائم الحياة ؟! هذه هي عقدتك أنت تبحث عن مثال مسبوك في السماء، فبت فاقدا للشهية، وغافلا عن النوم، مراوحا الكتابة، ناسيا ذاتك، ملوكا ترسانة من الأحزان، بينما الزمن يخطف براعم حياتك بين برهة وبرهة في كل حزن وحسرة ؛ أصبح الحزن كتابة والكتابة حزنا، وراح المرض جامعا بينهما، بينما أنت عدت حائرا في الاختيار، تاركا النهر يقذفك نحو الضفاف في انتظار منسوب قد يأتي أو لا يأتي، فمن يدري قد لا يسقط مطر في واقعك المرير .
رغبت في كتابة قصيدة عنوانها صباريات تعبيرا عن الوخز الذي يعتمل في كيانك، آه تريد أن تكتب عن تلك الفتاة الفايسبوكية التي وصلت أنت وإياها إلى مشارف الحقيقة المتفتقة، والتي سرعان ما انفصمت عراها كمنزل من رمال، أحببتها بصدق، ولكن الحب وهم لا يقل وهما عن حب فايسبوكي افتراضي، صحيح أنك تعرفها في الواقع، وهذا كان من الممكن أن يجعلها تتحقق، ولكن الحقيقة قد تتحقق إلا مع المرأة، فالمرأة لا حقيقة لها .
ورغم ذلك، في بعض اللحظات أطرد المرأة من حياتي، بيد أن أنها سرعان ما تجيء كعاصفة تكنس ذاتي، أذمها كونها إسفينا على جرحي، ولكنني أعاود مصالحتها، أخوض حوارا داخليا معها، أمتشق عبير ضحكتها المتفتقة على محيا صديقتي اللبنانية سوزان التي هاتفتني ذات يوم، غير أنني أغضب ثانية لما أرى سعاد التي جلست بالقرب مني، وهي ناضبة كصحراء عجفاء ؛ أمشي مطاوحا، مضارعا السماء، ذارفا مواجيع الأيام، تطفو كوثر، تختفي سعاد، وتحكي لي زينب آهاتها، وبين هذه وتلك أين أنا ؟ هل أنا ورقة ميتة أم شوكة صبار أم ركام من الأحزان ؟ لا أحد يفهمني في هذا العالم، الله لا يفهمني، أمي لا تفهمني ....لا أحد، أنا الذي أفهم ذاتي، أداويها حتى تستمر على قيد الحياة، أحاول أن أطمئنها وأربت على كتفها لكي تأكل وتنام، وهي لا ترغب في ذلك معتبرة حياتها عبثا بدون حب، فيكفي الموت كالأحجار، لكن الإنسان عاصفة عاطفية مفعمة بالمودة والحياة، فيكبر المعنى معانقا المطلق، ولكن هذا لم يتحقق يوما، مازال هناك فراغ كبير يكبر مع الأيام، ولا بشائر تلوح في الأفق غير ذات مرمية في صحراء تتجرع حزنا، وتفقد وجودها في انتظار اللحاق بركب الأموات...إنني أبحث عن حب امرأة، ولكن لا أريد حبا تحت الطلب، فالحب يكون تلقائيا، لا تحده حدود، ولا تتاخمه تخوم، ولا تفصله فواصل، فينطلق كالسهم، هناك ينمو في تربة المرأة، ويتبرعم ويشمخ كالجبل. لكن لا امرأة أحببت حتى الآن، فتلك العفوية التي تكلمت عنها لم أصادفها في كل النساء اللواتي صادفتهن في حياتي، أجدهن منغلقات لا يفصحن عما يدور في دواخلهن، وعلى أفواههن ينطقن نفاقا، يردن أن يهربن لأتقرب إليهن، غير أنني من اللحظة الأولى أهرب، لأن التي أقترب منها ينبغي أن تقترب مني، وإلا سأهرب دون رجعة، وهذا ما لاحظته في كوثر صديقتي الفايسبوكية-الواقعية، وصديقتي سعاد الواقعية، فإذا لم أبادر وأكلم واحدة منهما، فلا تتكلم كأنها صخر جلمود يسكن دواخلهما الظلماء، أجد أنهما تواقتان لممارسة السادية على الرجل بإجباره على الرغبة في الكلام معهما دون تبيان رغبتهما في ذلك .
وهذا على العكس بالنسبة لسوزان، فهي صديقة متفتحة إلى أقصى درجة، أجدها تحكي لي كل تفاصيل حياتها، عن حبها ومشاعرها، وعن عائلتها وأفكارها، وكنت دائما أحترم كل ما تقول، وطالما كنت أنظر إليها كأخت وخصوصا لما حكت لي عن استشهاد أخيها في أحداث نهر البارد، منذ تلك اللحظة أحس بها كأخت رائعة متفتقة بالحياة، لا تعرف نفاقا ولا مراوغة، إنها تملك ثقافة رصينة، ورغبة جامحة في المعرفة وما تتضمن من انفتاح على الآخر، والانفتاح يقتضي البوح، وهذا ما فعلته سوزان، فهي تريد أن ترى عالما عربيا جديدا عنوانه : الحب والثورة على أنظمتنا السياسية والدينية والعاطفية المتكلسة الطافحة بالموت، ما يعجبني فيها هو أنها تكتب وتقرأ بصدق، وكل ذلك مرده إلى البوح الذي يعتمل في كيانها كنور رابض في ظلمة حالكة، ولهذا فمفتاح تقدمنا مرتبط بجرأتنا ووضوحنا الذاتي، ومصالحتنا مع أحاسيسنا، ومدى وعينا بجرحنا الذي يجرح كل يوم من لدن إسفين الحياة، علينا أن نتساءل دائما لنشق دروبنا، لنلملم جراحنا، لننفض الغبار على أحاسيسنا، آنئذ يمكن أن نأخذ طريقنا، ذلك هو سبيل ثورتنا العاطفية والدينية والسياسية ...

عبد الله عنتار / 13 يوليوز 2014 / بنسليمان – المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده