الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة وجودية ومنعطف خطير ..!

مسَلم الكساسبة

2014 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


طوال تاريخها لم تمر الأمة بأزمة هوية تتعلق بمفاصل ونقاط ارتكاز ثقافتها وثوابتها ، ومفترق طرق حاد وخطر جدا خلق مأزقا حادا وأزمة وجودية كبرى كالتي تمر بها اليوم .. الكثير من ثوابتها باتت تهتز تحت ضربات واقع خسف الأرض التي قامت واتكأت عليها وجعلها تمور من تحتها .. الكثير من مرتكزاتها التي كان يُظن انها خارج كل الحسابات باتت تتعرض لضربات مؤثرة وموجعة جعلت اشرس المؤمنين بها يهتز ايمانهم ويعيدون حساباتهم ..وإن لم يبوحوا بذلك وكابروا متظاهرين بضده.

وإنه إن كان فعلا هناك صراع حضاري شرس وكان هذا الذي يحصل هو من نتائجه فأن الامم الاخرى لم تقصده ولم تُخطط له بل هو نتيجة واقع فرض نفسه على الأرض ضمن سياق الحياة الطبيعي ..فالأمم الاخرى لم تجبرنا على اختيار ثقافتها أو منتجاتها التكنلوجية او تَعَلّم لغاتها ..الخ ، كما انها لم تُحَرّض او توصِ تلك المنتجات والتقنيات ان تؤثرَ في مجتمعاتنا وثقافتنا أو تغيرها أو تهز يقيننا ببعض معتقداتنا ، أو تحرض عقولنا على المقارنة بين " البغال والحمير " كأدوات للنقل (عندنا) -وهي كمثال هنا - وبين السيارة السريعة الفارهة والطائرة النفاثة كوسائط للنقل (عندهم) ، بل طبيعة الحال وسياق الحياة ذاته هو الذي فعل ذلك .

لن يمر وقت طويل قبل ان تتداعى بنى وسياقات بأكملها بعد أن لم يعد بوسها ان تقاوم أو تنافس او تقدم وتضيف للحياة شيئا جديدا ، هذا إن لم تكن قد تداعت فعلا وبقيت مجرد هياكل ونصب مُسَندة ، وغدت عبئا على الانسان فوق ما لديه من أعباء الحياة التي لا يريد منها المزيد.

أما ما يدعو لمزيج من المشاعر التي تتراوح بين الحزن والشفقة حينا وبين الغيظ والزراية حينا آخر ، فهو ان تجد من ما زال يكابر او انه لم يملك الرؤية النافذة ليدرك ما نصف هنا فهو ما زال يرفض فكرة ان ثوابته بدأت تهتز وتتخلخل .. وقد شبهت هؤلاء بتلك الشجيرة الشوكية التي يبني عليها حشرة الدبور اعشاشها . إذا تبقى متشبثة بالعش وهو بدوره ملتصق بها حتى بعد ان تتركه الحشرة ذاتها التي أقامته ثمة .. وهي اغرب حالة حين يبقى رجل متمسك بفكرة ما بعد ان تخلت هي عن ذاتها واعلنت موتها .. انه مثل رجل عاش طوال عمره ضحية للنصب حتى بلغ الستين او فوقها فهو لا يريد بعد هذا العمر أن يكتشف تلك الحقيقة حتى لو كشفت له مبرهنة ، فهو يُؤثر ان يعيش ما تبقى له مضحوكا عليه ارحم له من ان يصدم بما او بمن امن به طوال حياته وأن يصدم بانه عاش مضحوكا عليه طوال ذلك الوقت -فهو يتعمد الانكار كميكانيزمٍ دفاعي في البداية يلوذ به ضد حقيقة مرعبة لا يريد تصورها فضلا عن تصديقها .. وهكذا إلى ان يصبح الانكار لديه هو الحقيقة .. والحقيقة المرفوضة هي الباطل .. فينسى ويتجاهل تماما ما اكتشف ليعود لإيمانه بالكذبة من جديد .. حين يحبذ ان يعيش ما تبقى له من عمر منصوبا عليه ، على أن يؤمن بكشف غير سعيد جاء في اوان متاخر جدا هو غير اوانه الملائم والذي لا طاقة له على تحمل آلامه المبرحة في ىخر العمر !!

حتى الكثير من الرموز والثوابت التي كان يسند ظهره اليها تبدو كما لو انها ماتت دون ان تخبره ليقيم طقوس العزاء ويقطع رجاءه منها ويعتمد على نفسه ، فهو مثل من ينتظر عودة من فُقد في حرب ولم يُبلغ عن موته او أسره أحد ، فلا هو بالحي فيُرجى ولا هو بالميت فيُعْزى وينسى.

الكثير من الامم مرت بهكذا مازق.. وبهذه الحالة الخانقة ، لكنها تجاوزتها حين قرر الإنسان أن يواجه مصيره بنفسه ولوحده باعتبار انه إن كان له راع او حام فهو المعني بان يهرع له ويسعفه ويوجهه ولا يتركه يتخبط في خضم الامواج العاتية لوحده ، وهو ليس بحاجة لأن ينوح ويتوسل اليه ما دام غنيا عن هذه التوسلات ولا مصلحة له في أن يذل ويهين تابعيه مقابل حاجتهم له ونجدته لهم ، وبهذه العقلية فلحت وابدعت تلك الامم دون ان ترجو او تنتظر مقابلا أو جزاء من أي نوع مع انها تستحقه فعلا .





















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة