الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطباعات عن سقوط الموصل؟

محمد لفته محل

2014 / 7 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كان لسقوط الموصل السريع والمفاجئ بيد الجماعات الإسلامية الأصولية المسلحة المعروفة بداعش بدون مقاومة من الجيش صدمة كبيرة محيرة لنا؟ حيث هرب الجنود من ثكناتهم ومواقعهم بدون إطلاق رصاصة بعد انتشار إشاعات عن (انسحاب عسكري) أو (هجوم داعش) أدت إلى وباء عدوى نفسية أشاعت الفوضى والخوف والبلبلة انتهت بهروب جماعي للجيش وترك المدينة لاحتلال داعش التي رحب أهلها بالميليشيات للخلاص من الجيش الذي ودعوه برميه بالحجارة لأنه ظلمهم واضطهدهم وميز ضدهم فاعتبروه جيش لا يمثلهم كونه من حكومة لا تمثلهم لأنها أيضا اضطهدتهم وظلمتهم سياسيا ثم امنيا. أثارت هذه الحادثة الكثير من التحليلات والتفسيرات السياسية واستغلها الساسة لتسقيط بعضهم البعض، خصوم السلطة اعتبروها ثورة شعبية أو انسحاب من الحكومة لإعلان الطوارئ كي تساثر بالحكم وتعطل الديمقراطية، أما خطاب الحكومة فكان كعادته يتكلم بالخيانة والمؤامرة! مسقطا أخطائه على الخارج، وأنا لا يعنيني التحليلات بذاتها بل محتواها النفسي والاجتماعي.
إن لسقوط الموصل أسباب كثيرة وليس سبب واحد لكن هناك سببين رئيسين برأيي تفرعت منها الأسباب الأخرى هي الطائفية السياسية التي توغلت في كل مؤسسات الحكومة بما في ذلك كوادر الجيش باختيار القادة العسكريين وفق الطائفية والحزبية وليس على أساس الكفائة والنزاهة، واثر هذا الاختيار على سلوك الجنود مهنيا بالتمييز الطائفي ضد الناس، وقلة الكفائة والمهنية، أما القول بالخيانة والمؤامرة فهو طبيعي لعقلية سياسية مريضة أوصلت البلد لهذا الوضع عبر إسقاط أخطائها على الأخريين لتبرير تهميشهم والانتقام منهم والنظر إليهم كمعارضة طائفية، مبرئتا الذات من الخطأ والزلل كأنها ملاك، لكنها في نفس الوقت تستبطن نتيجة ضمنية أخرى تجعل هذا الملاك أشبه بطفل سهل الخداع والإيقاع بالمكائد، أي إن الحكومة ضحية المؤامرة والخيانة! وهذا دليل على التناشز المعرفي للعقل السياسي الحاكم، ولا يختلف أتباع المالكي الخاضعين مغناطيسيا لزعيمهم عن تفكير قائدهم، فهم حملوا أبناء المدينة ومحافظها مسؤولية تسليم المدينة للميليشيات، معتبرين سلوكهم نتيجة كرههم للسلطة الشيعية وحلمهم باستعادة حقهم التاريخي باحتكار السلطة! أما القول بان سقوط الموصل هو ثورة شعبية وهو رأي الساسة السنة، فهو أيضا دليل لوحدة العقل السياسي العراقي المريض حاكما كان أو معارضا، فهو انتقام من هزيمة جيش الحكومة، وتجاهل لحقيقة إن داعش تنظيم سوري متشدد جاء من الخارج، وان هناك الآلاف المهجرين هربوا من بيوتهم ومناطقهم خوفا من سياسات داعش، لهذا نسمع تصريحاتهم تكرر (إن داعش جزء بسيط من المشهد، هناك فصائل مسلحة أخرى تسيطر على الأراضي) وهم يعلمون ما فعلت داعش بالمعارضة السورية من تفتيت وقتل حتى اتهموها بالفصيل المندس من إيران النظام السوري، وأعلنت القاعدة برائتها منها على أثرها، وقد بانت بوادر الخلاف مع (الطريقة النقشبندية) الفصيل البعثي المسلح، لأنها رفضت مبايعتها ورفضت رفع أي علم وتحرك أي فصيل آخر بدون موافقتها، لأنها هي التي أسقطت الموصل ولا حق لأي احد قطف ثمن هذا النصر منها، في ظل فشل الجماعات الأخرى على طول الفترة الزمنية من تحقيق أي نصر عسكري ولو بسيط ضد الحكومة، بالتالي داعش ليست جزء بسيط من المشهد إنما هي تبتلع المشهد على حساب الكل الذي سيرى نفسه بين خيارين لا ثالث لهما إما مقاتلة داعش مع الحكومة أو مقاتلة الاثنين أو الرضوخ لولاية داعش المتشددة، وهذا هو المسكوت عنه عند الساسة السنة، ولو كان المالكي بدلهم لفعل مثلما فعل ساسة السنة فهو قد تجاهل جريمة مدينة (بهرز) على أيدي ميلشياته (عصائب أهل الحق) ورفض حضور كتلته إلى البرلمان لمناقشة أوضاع النازحين من الفلوجة.
كان الجيش بالموصل يحس انه في بيئة معادية وكان الناس ينظرون إليه كغرباء أو جلاوزة بيد حكومة طائفية ضدهم فكان الكره متبادل، أما الجندي السني فكان كان بين نارين نار حكومة وجيش طائفي يعيش براتبها، ونار مناطقه وأهله وديرته المظلومة طائفيا من هذا الجيش الذي تكرهه فكان يخفي وظيفته التي يشعر بالعار منها بين أقرانه، ويخاف من تصفيته جسديا من الميليشيات السنية المناوئة للحكومة، بينما الجندي الشيعي يفتخر بهذه الوظيفة التي يعتبرها واجب وطني، إن الجندي السني عاد لأهله حالما انتشرت الفوضى، أما الجندي الشيعي فترك مكانا معادي له من الأهالي ومن الميليشيات عائدا لأهله. إن القول بان الجيش العراقي جبان هو قول خاطئ تماما ورفضي لهذا القول ليس من باب انصر أخاك، أو حمّية عاطفية بل لان الجبن والشجاعة تصح على الأفراد وليس الجماعات ويجب إبدالها بالحرفية من عدمها والتي احددها بقادة الجيش دون الجنود، فالجيش انكسر بسبب سوء الإدارة من قادة تم اختيارهم على أساس الولاء الحزبي والطائفي، أما القول بغياب العقيدة لدى الجيش فهو صحيح نوعا ما، والعقيدة الغائبة هي العقيدة الوطنية، وليس العقيدة القتالية.
الحرب الإعلامية القذرة تتكرر عن الطعن المذهبي بشرف الآخر، إذ راحت وسائل الإعلام الطائفية تتحدث عن الزواج الإجباري للميليشيات بالنساء حسب شرع (جهاد النكاح) دون وجود أدلة موثقة! فقط كلام قيل وقال من مصادر هاتفية غير خاضعة لتحقيق، ودون الانتباه لطبيعة مجتمعنا الذكوري المحافظ كثيرا تجاه المرأة، فوجود تشريع جهاد النكاح دينيا في الفقه السني لا يستوجب قبوله اجتماعيا عندهم، مثلما زواج المتعة مقبول دينيا عند الشيعة ومرفوض اجتماعيا في المجتمع الشيعي العراقي. إن فتوى المرجع الشيعي (علي السيستاني) بالجهاد الكفائي، هي فتوى صحيحة وطنيا، وخاطئة اجتماعيا، ففي الدول المدنية تعلن النفير العام عند انكسار جيشها أو تعرضها للخطر وهذا ما قام به المرجع من منظور ديني، لكن الناس فهمتها خطأ، لان الظرف الإقليمي مشحون طائفيا، إذ فهم الشيعة الفتوى أنها تشريع لقتال السنة، وفهمها السنة أنها فتوى بإباحة دمهم، فقاموا بفتوى مضادة لقتال الجيش، في حين إن المرجع السني (احمد الكبيسي) أفتى بقتال (داعش)، لكن منطق الاجتماع يختلف عن منطق العقل، وهذا ما جعل المرجعية تكرر وتوضح مغزى الفتوى في الجمع اللاحقة للفتوى بأنها لا تدعوا للانخراط في ميليشيات وأنها تبيح التطوع في سلك الجيش حصرا، وتمنع رفع السلاح بالشوارع وترفض الشعارات الطائفية، فالفتوى صحيحة بذاتها، لكنها فهِمت خطأ، وحتما سيقاتل السنة داعش بسبب الاختلافات الوطنية الكبيرة بينهما وبذلك يكونوا قد نفذوا فتوى السيستاني والكبيسي التي قد رفضوا فتواهما أول الأمر.
ما يجب أن يكون بعد استعادة الموصل هو إعادة النظر بسياسة الحكومة الطائفية لتكون عبرة لها بان الظلم الطائفي يولد ردود أفعال كارثية، هي فرصة لإعادة النظر وهذا ما يجب أن يكون لكني اشك بان ما كان سيبقى كما كان حتى الدمار الشامل، لان الأمة التي تختلف في تحديد عدوها فان ذلك احد عوامل تفككها، وحين تعجز الأمة عن التكييف مع تحديات الحاضر ولا تقدم لأحفادها منجز ثقافي عندها لا يبقى لها إلا أن تتقيأ ميراث أسلافها إلى أحفادها تقدسه وتحافظ على أصالته كالمومياء، ومن الطبيعي تكرار أزمات الماضي في الحاضر وبروز أزمة صلاحية هذا الفكر القديم في استيعاب الحاضر والتفاعل معه ايجابيا، فتصير الأمة تفكر بمعارف الماضي لحل قضايا الحاضر وتوقعات المستقبل، في حين إن الأمم الراقية تستلهم التراث وتطوره مع ضرورات الحاضر، ونحن وضعنا تراثنا في تابوت التحنيط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الكاتب
ماهر ( 2014 / 7 / 16 - 00:04 )
تحليل واقعي ولكن ربما نسيت شيئا هاما وهو اختلاف حوادث التفجيرات في الاسواق والمحلات وكذلك حوادث الاغتيال لابناء الموصل الا يدل ذلك ان القائمين بها كانوا من عصابات داعش الارهابية وانا مستغرب ان اهالي الموصل لم تستوقفهم اختفاء تلك الحوادث بعد دخول داعش للموصل !!

اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا