الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية إسلامية أم ديمقراطية؟

عبدالرزاق الصافي

2005 / 8 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كانت قوى المعارضة العراقية،‮ ‬التي‮ ‬تمثل الغالبية الساحقة من أبناء الشعب العراقي،‮ ‬في‮ ‬عهد صدام حسين،‮ ‬قد اتفقت في‮ ‬كل مواثيق وبيانات ائتلافاتها السياسية،‮ ‬منذ العام ‮٠٨٩١‬،‮ ‬على ان هدفها المركزي‮ ‬هو اسقاط النظام الدكتاتوري،‮ ‬واقامة نظام ديمقراطي‮ ‬على انقاضه‮.‬

ومنذ العام ‮٢٩٩١ ‬جرى النص على ان هدفها هو اقامة نظام ديمقراطي‮ ‬تعددي‮ ‬اتحادي‮ (‬فيديرالي‮)‬،‮ ‬واحترام ارادة الشعب الكردي‮ ‬في‮ ‬اختيار الفيدرالية شكلاً‮ ‬للعلاقة بين اقليم كردستان والحكومة المركزية،‮ ‬المعبر عنها،‮ ‬اي‮ ‬الارادة،‮ ‬في‮ ‬قرار المجلس الوطني‮ ‬الكردستاني‮ ‬الصادر في‮ ‬الرابع من‮ (‬أكتوبر‮) ٢٩٩١.‬

وجرى تأكيد ذلك في‮ ‬وثائق مؤتمر لندن لغالبية اطراف المعارضة العراقية،‮ ‬الذي‮ ‬انعقد في‮ (‬ديسمبر‮) ٢٠٠٢‬،‮ ‬قبل اسقاط نظام صدام بما لا‮ ‬يزيد عن أربعة أشهر‮.‬

ولذا كان منطقياً‮ ‬جداً‮ ‬ان‮ ‬ينص على هذا الأمر في‮ ‬قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية،‮ ‬وان‮ ‬يثبت في‮ ‬نص القسم الذي‮ ‬يتوجب على المسئولين الكبار في‮ ‬الحكومة العراقية ان‮ ‬يؤدوه،‮ ‬قبل ممارسة مسئولياتهم‮. ‬والحكومة،‮ ‬وفقاً‮ ‬للقانون المذكور تشمل الجمعية الوطنية المنتخبة،‮ ‬ومجلس الرئاسة والوزارة،‮ ‬فقد كان القسم‮ ‬يتضمن صيانة‮ »‬النظام الديمقراطي‮ ‬الاتحادي‮« (‬الفيدرالي‮).‬

وقد أدى القسم كاملاً‮ ‬رئيس الجمعية الوطنية ونائباه،‮ ‬ورئيس الجمهورية ونائباه،‮ ‬غير ان كلمات‮ »‬النظام الديمقراطي‮ ‬الاتحادي‮« ‬اهملت عندما ادى الدكتور ابراهيم الجعفري‮ ‬رئيس الوزراء،‮ ‬ووزراء التحالف العراقي‮ ‬الموحد القسم الأمر الذي‮ ‬اثار احتجاج وزراء الائتلاف الكردستاني،‮ ‬والاصرار على أداء القسم كاملاً‮. ‬وهكذا كان‮. ‬إذ اعيد أداء القسم من قبل الجعفري‮ ‬وزملائه في‮ ‬جلسة لاحقة للجمعية الوطنية‮.‬

وسواء كان اسقاط كلمات‮ »‬النظام الديمقراطي‮ ‬الاتحادي‮« ‬قد حدث عمداً‮ ‬أو سهواً،‮ ‬فقد اثار قلقاً‮ ‬عميقاً‮ ‬بين أوساط الرأي‮ ‬العام العراقي،‮ ‬لما قد‮ ‬يعنيه ذلك من محاولة للتملص من الالتزام بما نص عليه قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية،‮ ‬الذي‮ ‬يعتبر دستوراً‮ ‬ملزماً‮ ‬لكل المساهمين في‮ ‬العملية السياسية الهادفة إلى بناء عراق جديد ديمقراطي‮ ‬تعددي‮ (‬فيدرالي‮) ‬اتحادي‮ ‬موحد‮.‬

ولم‮ ‬يبدد أداء القسم كاملاً‮ ‬من قبل وزراء الائتلاف العراقي‮ ‬الموحد،‮ ‬القلق،‮ ‬الذي‮ ‬انتاب الرأي‮ ‬العام،‮ ‬بشكل كامل‮.‬

وذلك لان أوساطاً‮ ‬في‮ ‬هذا الائتلاف ظلت تحاول الالتفاف على الالتزام باقامة نظام ديمقراطي‮ ‬اتحادي‮ (‬فيدرالي‮).‬

وكانت آخر المحاولات ما طالب به اجتماع عقد في‮ ‬مدينة النجف الاشرف قبل حوالي‮ ‬الاسبوعين،‮ ‬بأن‮ ‬ينص الدستور الجديد على ان‮ »‬العراق جمهورية اسلامية‮«. ‬الأمر الذي‮ ‬يعني‮ ‬التنصل مما نص عليه قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية،‮ ‬والالتزامات التي‮ ‬ترتبت عليه،‮ ‬من قبل جميع القوى التي‮ ‬وقعت عليه،‮ ‬ومن بينها،‮ ‬بطبيعة الحال،‮ ‬غالبية قوى الائتلاف العراقي‮ ‬الموحد،‮ ‬التي‮ ‬خاضت الانتخابات بالقائمة المرقمة ‮٩٦١‬،‮ ‬والتي‮ ‬قيل انها حظيت بمباركة آية الله السيد علي‮ ‬السيستاني،‮ ‬من دون ان‮ ‬يصدر عنه أو عن مكتبه في‮ ‬النجف الاشرف،‮ ‬ما‮ ‬يؤكد ذلك،‮ ‬حاملاً‮ ‬ختمه وامضاءه،‮ ‬كما أعلن في‮ ‬أكثر من مناسبة،‮ ‬نفى فيها المتحدثون باسم السيد السيستاني‮ ‬عائدية اي‮ ‬تصريح أو بيان أو موقف أو رأي،‮ ‬إليه ما لم‮ ‬يحمل ختمه وامضاءه‮!‬

ان ما‮ ‬يطمح إليه الشعب العراقي‮ ‬هو اقامة جمهورية ديمقراطية تعددية برلمانية اتحاية‮ (‬فيدرالية‮)‬،‮ ‬ترعى حقوق ومصالح الشعب العراقي‮ ‬بكل مكوناته القومية والدينية والطائفية والسياسية عرباً‮ ‬وكرداً‮ ‬وتركماناً‮ ‬وكلدوا وآشوريين،‮ ‬أرمن،‮ ‬مسلمين‮: ‬سنة وشيعة،‮ ‬ومسيحيين وصابئة‮ (‬مندائيين‮) ‬ويزيديين ويهود‮. ‬يكون فيها‮ »‬الدين لله والوطن للجميع‮«.‬

وان المطالبة بجمهورية إسلامية في‮ ‬العراق لا‮ ‬يثير في‮ ‬ذهن المواطن العراقي‮ ‬غير تجربة جمهورية إيران الإسلامية،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن ان كل الدول التي‮ ‬تحمل اسم إسلامية هي‮ ‬دول منقوصة الديمقراطية،‮ ‬ان لم تكن دكتاتورية مكشوفة أو مبطنة‮.‬

والمثال الاقرب،‮ ‬هو جمهورية إيران الإسلامية،‮ ‬في‮ ‬ظل مبدأ ولاية الفقيه اللاديمقراطي،‮ ‬لا‮ ‬يمكن ان تكون مثالاً‮ ‬يطمح إليه المواطنون العراقيون في‮ ‬غالبيتهم،‮ ‬ذلك ان مقاليد الحكم الأساسية فيها هي‮ ‬بايدي‮ ‬اناس‮ ‬غير منتخبين من قبل الشعب بحرية،‮ ‬بدءاً‮ ‬بالفقيه الولي‮ (‬المرشد‮)‬،‮ ‬الذي‮ ‬يجمع بيديه السلطات كلها تقريباً،‮ ‬وانتهاء بمجلس صيانة الدستور‮ ‬غير المنتخب أيضاً،‮ ‬المتحكم بمن‮ ‬يمكن له ان‮ ‬يترشح لمجلس الشورى‮ (‬البرلمان‮) ‬ولرئاسة الجمهورية‮.‬

واقرب مثال هو الانتخابات الأخيرة في‮ ‬ايران،‮ ‬حيث منع هذا المجلس‮ ‬غير المنتخب،‮ ‬ما‮ ‬يزيد على الألف مواطن ايراني‮ ‬من دخول المعركة الانتخابية لرئاسة الجمهورية،‮ ‬عن طريق ترشيح أنفسهم لتولي‮ ‬هذا المنصب‮.‬

كما ان تجربة السنوات الثماني‮ ‬التي‮ ‬قضاها رئيس الجمهورية السابق‮ ‬السيد محمد خاتمي،‮ ‬الذي‮ ‬فاز بنسبة عالية من الأصوات في‮ ‬دورتين انتخابيتين،‮ ‬وتعذر عليه تنفيذ برنامجه الاصلاحي،‮ ‬الذي‮ ‬أهله للفوز،‮ ‬بسبب سيطرة قوى محافظة‮ ‬غير منتخبة على أجهزة الدولة الأساسية،‮ ‬ومن بينها القضاء‮ ‬،‮ ‬ماثلة للعيان إذ جرى عن طريق هذه الأجهزة تكميم افواه الاصلاحيين وصحافتهم،‮ ‬وارسال العديد منهم إلى السجون،‮ ‬باحكام ثقيلة،‮ ‬بسبب آرائهم الاصلاحية‮.‬

ولا‮ ‬يمكن للعراقيين ان‮ ‬ينسوا ما قامت به بعض الزمر في‮ ‬البصرة،‮ ‬قبل أسابيع،‮ ‬باسم الدين الاسلامي‮ ‬و»الأمر بالمعروف والنهي‮ ‬عن المنكر‮« ‬من اعتداءات مستنكرة،‮ ‬قوبلت بادانة واسعة،‮ ‬على طلاب وطالبات كلية الهندسة في‮ ‬جامعة البصرة لقيامهم بفعالية مشتركة في‮ ‬احد متنزهات المدينة‮. ‬وكذلك ما جرى في‮ ‬بعض كليات جامعة بغداد‮.‬

وإذا لم‮ ‬يجر،‮ ‬حتى الآن،‮ ‬الإعلان من جهة ما عن تحبيذ مبدأ ولاية الفقيه في‮ ‬العراق،‮ ‬بشكل مباشر،‮ ‬فإن هناك من الممارسات،‮ ‬ما‮ ‬يوحي‮ ‬برغبة البعض بممارسة ولاية فقيه مبطنة‮. ‬وهو ما‮ ‬يتنافى مع السعي‮ ‬لاقامة جمهورية ديمقراطية تعددية برلمانية اتحادية ذات سيادة،‮ ‬تكون السلطة فيها لممثلي‮ ‬الشعب المنتخبين،‮ ‬بارادتهم الحرة،‮ ‬بعيداً‮ ‬عن الاكراه من أي‮ ‬نوع،‮ ‬مادياً‮ ‬كان هذا الاكراه أو معنوياً،‮ ‬ومن أية جهة جاء‮.‬








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انشقاق في صفوف اليمين التقليدي بفرنسا.. لمن سيصوت أنصاره في


.. كأس أمم أوروبا: إنكلترا تفوز بصعوبة على صربيا بهدف وحيد سجله




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحل حكومة الحرب


.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين ومدمرة أمريكية في عملية جديد




.. حجاج بيت الله الحرام يستقبلون اليوم أول أيام التشريق وثاني أ