الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق, سوريا. إلى أين؟

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2014 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


انفجار الصراع المسلح بين ثوار "العشائر"، ونظام المالكي الموصوف كنظام "شيعي"، يفتح البوابة الواسعة لحرب طائفية دموية مكشوفة، بين "السنة" و"الشيعة"، ليس في العراق وحده، إنما في كل بلاد الشام، والتي تتشابه في تنوع مكوناتها المجتمعية، والاثنية، والدينية، والقومية.
ويُضيف الصراع الدائر للقاموس السياسي الحديث مفردات جديدة، مثل انتفاضة "أهل السنة"، أو انتفاضة "العشائر". وهي توصيفات صادمة للعقول لأنها أولا: تشير بوضوح إلى غياب المجتمع المدني، والأحزاب السياسية الوطنية، وقيادة زعماء العشائر، والمرجعيات الدينية الطائفية للانتفاضة. وثانيا: لأنها تُعبر عن جوهر الصراع بشكل واضح ومكشوف، على انه صراع طائفي بين "السنة" و"الشيعة" على السلطة.
فالصراع الطائفي موجود في بلاد الشام، منذ اربعة عقود. منذ انقلاب طاغية الشام "الاسد الأب" في (1970) وتأسيسه لنظام أمني طائفي، والحرب الطائفية بين النظام والاخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي. وكذلك الحرب الطائفية في لبنان(1975-1990)، والتدخل السوري(1976) في لبنان الذي منع قيام حكومة وطنية، وعمل على تصفية تيارات المقاومة الوطنية اللبنانية على يد حزب الله، ليتزعم هذا الأخير "المقاومة والممانعة" كتنظيم "شيعي" مغلق.
وعلى الطرف الآخر وصول طاغية العراق "صدام" إلى الرئاسة في (1979)، وتأسيسه لنظام أمني طائفي "سني"، شبيه بالنظام السوري، مع اختلاف الطائفة. والحرب الطائفية العراقية الايرانية(1980-1988)، واصطفاف طاغية الشام إلى جانب إيران. ثم سقوط طاغية العراق على يد الاحتلال الأمريكي، وتأسيس سلطة طائفية جديدة، بدعم ايراني، وهندسة أمريكية، وبروز طبقة سياسية قديمة-جديدة طائفية، متناحرة بالسياسة حينا، وبالعنف أحيانا اخرى. إلى أن وصل المالكي-الشبيه بالطاغية السوري الابن- إلى السلطة في(2006)، و ثم انتزاعه السلطة من إياد علاوي في(2010)، وتأسيسه لجيش ضم المرتزقة والميليشيات الشيعية التي تشكلت بعد سقوط صدام، وكذلك أجهزة امنية ارتكبت الفظائع، سواء بالقتل، أو الاعتقال، أو التهجير والتطهير الديني والعرقي، شمل مئات الآلاف من العراقيين، وخاصة طائفة السنة، والذين جرى ابعادهم عن مراكز القرار السياسي والعسكري بطرق مختلفة.
ولذلك لم يكن هذا الانفجار مفاجئا، انما هو محصلة طبيعية للصراع المستتر منذ عقود. وكانت الشرارة، إصرار المالكي على الاستمرار في السلطة، وهو شخصية مغرورة، يعتز بطائفيته، ومطمئن لدعم ايران والمرجعيات الدينية. فانتقل الصراع من ساحة السياسة، إلى ساحة الحرب، إلى صراع وجودي، ليشير إلى استحالة العيش المشترك تحت سقف واحد.
لكن التصريح الواضح والمكشوف بأن المتصارعين هم اتباع "يزيد" من جهة، واتباع "الحسين" من جهة ثانية، الذي لم يجف دمه بعد، ومازال يغذي روح الثأر والانتقام، والحقد الاعمى، يُعيدنا إلى الى الوراء لأكثر من الف واربعمائة عام. الى معارك الجمل، وصفين، وكربلاء (680م-10 محرم61 للهجرة). فراية "تارات الحسين" مازالت تلاحقنا، وقميص عثمان يبحث عن قاتله!!. وهنا نجد السبب العميق لاستمرار هذا الصراع المميت والمدمر.
والحقيقة، أن هذا النكوص ليس مستوردا من الخارج، أو غريبا عنا. انه تاريخنا الذي يلاحقنا ولم نكن قادرين حتى الآن الانفلات منه. مازال يحاصرنا ويعمي عيوننا وقلوبنا. ويدمر حاضرنا، ومستقبلنا، دون أن نعرف الإجابة على السؤال الهام: لماذا مازال الماضي مستمر في حصارنا، ويلتهم حاضرنا"؟ وكيف يمكن الخروج من ظُلمات تاريخنا العتيد.
المشهد يُشير إلى أن الكل يخفي حقده التاريخي وراء الدعوات الزائفة للسلام والتعايش المشترك. و"الكل يحارب الكل"، وفق مبدأ هوبز الشهير "الانسان ذئب للإنسان الآخر". بهدف السيطرة على السلطة واخضاع الآخر. والذئبية نراها بأعيننا في المرحلة الراهنة، حيث يغيب العقل، والواجب الاخلاقي، ويسود المكر والخداع، والفظاعة في قتل وتدمير الآخر.
والكل يتحدث باسم الوطن. لكن لكل فئة وطنها الخاص التي تحاول ان ترسمه وفق ايديولوجيتها المذهبية المغلقة، ولا تقبل بالآخر كإنسان، أو كمواطن، إنما كرعية عليها تقديم الطاعة. وإلا فالرعية كافرة، وارهابية مرتبطة بالخارج، يجب القضاء عليها، وفق مبدأ طاغية الشام الجديد "إما أنا، أو أحرق البلد".
هذا الوطن الذي رسمه سايكس وبيكو منذ حوالي القرن. سيطرت عليه ميليشيات طائفية، وحولته إلى مزارع خاصة، وقسمت المجتمع إلى طوائف واثنيات متناحرة، وبالتالي لم تتشكل هوية وطنية واحدة، ودولة وطنية ينتمي اليها الجميع. حتى أن ابن الموصل ينتمي إلى حلب أكثر من النجف. وابن حلب أقرب إلى طرابلس من اللاذقية!!.
والكل-أي "النخب السياسية"- يتهم الكل، بالارتباط بالخارج، والكل مرتبط فعليا بالخارج. لكن اعتبار هذا الخارج هو المسؤول الاول، هو تغطية عن فشلنا في بناء الدولة الوطنية. هذه الوطنية التي اقيمت وفق الخرائط الاستعمارية، وسيطر عليها كغنيمة الطائفيون الجدد تبين الى حد كبير كم هي مزيفة. لأن الطائفية لا تؤسس للوطنية. والوطنية بدون الحرية مزيفة، شعار زائف للمستبدين. والتجربة اللبنانية تشير إلى ان الطوائف وديمقراطيتهم، أو التوافق على المحاصصة الطائفية، لم تُجنب لبنان الحرب الاهلية، وهي مرشحة دائما لعودة هذه الحرب من جديد.
والكل يستنجد بالخارج لوضع حد للانفجار الراهن، وخاصة امريكا، للوقوف ضد الطرف الآخر باعتباره الارهابي الاخطر في العالم!. والكثير من المحللين يعتبر أن أمريكا هي السبب لأنها دمرت جيش صدام واجهزته الأمنية الطائفية، مع انه من المفترض تدمير أو تفكيك كل البنى أو الميليشات العسكرية والأمنية الطائفية، لكن ليس على يد الاحتلال الامريكي، بل بثورات شعبية وطنية تؤسس لجيش وطني، وبناء الدولة الوطنية.
لاشك بأنه "لو" عملت النخب السياسية بعد سقوط صدام على بناء دولة مدنية ديمقراطية حقيقية، لما وصل الصراع الى حد الانفجار المسلح المفتوح كما نراه الآن، لكن التاريخ لا يقبل كلمة التمني "لو". "لو" حصل كذا، فالنتيجة ستكون كذا. والسؤال الأهم هو تفسير عدم قيام هذه الدولة المنشودة التي تعبر عن الارادة العامة للجميع؟ ولماذا أيضا استمرار سيطرة الطبقة السياسية الطائفية في كل بلاد الشام؟
سيقدم هذا الانفجار شحنة طائفية كبيرة لبلاد الشام، وخاصة إلى سوريا المتفجرة منذ سنوات، ولبنان الجاهزة للانفجار. حيث سيزداد النظام السوري طغيانا، وسيتوسع القتل الطائفي، بعد أن تبدد حلم الهلال الشيعي البغيض، الشبيه بأحلام "داعش" الصاعدة والتي لن تستمر طويلا. وسيستمر الانقسام السياسي والعسكري والجغرافي ربما لسنوات طويلة. دون أن يكون هناك حل سياسي وطني في المدى المنظور. بانتظار سايكس وبيكو جديد، أو نهضة وطنية حقيقية يقودها شباب الثورة الجدد، ويعيدوا بناء الدولة-الامة، الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية، كما فعلها الاتراك قبل قرن من الزمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا