الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المستبّد النجيب: لامكان للسوريين في بلدهم !

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2014 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



لم يعد ذي أهمية بالنسبة لي – على الأقل – أي كلام قد يقوله سيد طغاة دمشق ومستبّدها، في خطاب أو تصريح أو مقابلة، طالما أن بين أيدينا حقيقة أساسية واحدة تتمثل في أن هذا " القائد الضرورة " معنيّ بكل ذلك الخراب، الذي أنجزه لمستقبل بلد لن يستعيد عافيته في ربع قرن قادم، في أفضل الظروف، وأنه قد وفر لذلك كل الأسباب التي تؤسس لنزاعات الفوضى والاستباحة المجبولة بروح الإقصاء والإفناء.
لاجديد فيما قاله الى حدّ ما، كالعادة: مؤامرة خارجية بأدوات داخلية، محاربة الارهاب، الحوار الوطني. غير أنه أضاف شيئاً أكثر تفصيلاً، فسوريا لم تعد لكل السورين، فأولئك الذين يقفون على الجانب الآخر منه، لن يكون لهم مكان، ولن يسمح بعودتهم، وان الذين طالبوا بالحرية، كان نتاج تربية غير قويمة. كان على الأسرة السورية، أن تبذل جهدها في تربية أبنائها على القبول بالذل وارتضاء الاستعباد، والانحناء للسيد..وليس للوطن! فالحرية والكرامة، هي وليدة الجهل وانعدام للأخلاق في المجتمع السوري.
ومثلما يريد الأسد: " لامكان لمن خرج " فإن الحوار الوطني سيقوم على الإقصاء، والاستبعاد لجزء كبير من مكونات الشعب السوري، الذين يرى فيهم النظام، وفقاً لتصنيفاته بأنهم لا وطنيين، وعملاء. وهم في معظمهم خارجون من معتقلات عصور الأسد، أو أنهم مشردون ملاحقون، أو ذوي شهداء قتلهم تحت التعذيب في السجون.
لقد استعار المستبد خطاب السوريين، سرق أحلامهم كما يعرف جيداً كيف يسرق حياة الناس والبلد. تحدث كثائر بلغتهم، عطفاً على عبارته الأولى قبل ثلاث سنوات، أنه أول الثوّار. قال إن الثورة هي ارتقاء بحس المسؤولية، ومن هنا يريد للمستقبل أن تتحقق فيه شروط استعباده.
يستقرأ المعطيات الراهنة اقليمياً ودولياً، ويطلق العمل لمرحلة جديدة، تأخذ في الاعتبار خلق حاضنة شعبية قائمة على مبدأ المنفعة المتبادلة، فالتنمية الوطنية وإعادة الإعمار، وفرص العمل، لمن يثبت ولاؤه للنظام. ويعزز تأكيد العلاقة مع داعش وأخواتها كأداة في الصراع، لن يتاخر الوقت حتى يستعيد السيطرة على المناطق التي " انسحب أو أُخرج منها "، في خطته لاستعادة دور ما في المحيط الإقليمي بصورة خاصة.
خطاب القسم لمرة ثالثة، لم يتسنى فيها للسوريين، إجراء مراجعة من أي نوع للمنجز الوطني، لم يقدم في أي منها الأسد برنامجاً انتخابياً، أو كشفاً بما قدمه خلال الولاية المنقضية. مايحمله في خطاب القسم في كل مرّة مجرد وعود، لاتتحقق! انقضت ثلاث سنوات في قمع الإرادة السورية بالقتل، واليوم يعنون الخطوط العريضة بالقضاء على الإرهاب، والأولوية في دعم القوات المسلحة، للقيام بهذه المسؤولية التي يؤديها المرتزقة الداعمون له. وفي الحقيقة، أن النظام هو شريك أساسي في خلق المكوّن الإرهابي في المنطقة، وفي سورية بصورة خاصة.
لا شك في أن استمرار عبادة القائد الفرد تمثل أهم إنجازات النظام، بعد منجزات الموت. لازال بين السوريين من يعتقد بعماءٍ منقطع النظير، بقدسية " القائد " الذي ترخص دونه المهج والأرواح. كان معيباً جدا، وجريمة اخلاقية ذلك المشهد وهم يهتفون بتضحيات الدم والروح كرمى لقاتل ليس في التاريخ مثله.
كان الخوف يخيم في القلوب رغم كل المظاهر التي حاولت إخفاء تعابير الوجوه في القصر الجمهوري. كانت المشاهد تعيدني الى ديكتاتورييْن مستبديْن هما صدام حسين ومعمر القذافي.. ثمة في سيرته شبه كبير مع من سبقه. كتب صدام رواية ضخمة قبل سنتين من سقوط بغداد باسم " القلعة الحصينة " بتوقيع " رواية لكاتبها " حصلت على نسخة منها كـ" هدية قيّمة " أثناء زيارتي بغداد في ربيع 2002..لم تصمد تحصينات القلعة لأنها منخورة من الداخل وقائمة على الخوف والرعب.
في قصر" الشعب " سرب أحد الضيوف كيفية إلزامهم منقادين لحضور حفل التنصيب، على عرش من دم..بكل مهانةٍ واستخفاف وإبقائهم في الأقبية تحت التفتيش والمراقبة، ومن ثم الانتظار ساعات في القاعىة الرئيسية إمعاناً في الإذلال. الصورة مشابهة جداً لما كان يفعله " الأخ القائد " في ضيوفه..الليبيين بشكل خاص!
يتركهم تحت الخيام في الصحاري، لساعات وأيام، مبدياً بكل صلف احتقاره لهم، ونزعته في الامعان بإذلالهم..فقط لأنهم شعبه!
كان المستبد الأسد يستلهم صور أعتى ديكاتورياتنا ويتقمص مزيجاً من براعة النيل من كرامة السوريين، ومن انسانيتهم بوضاعة لانظير لها. لم يأت على ذكر عشرات آلاف السوريين الذين استشهدوا ببراميل الموت وقذائف وصواريخ قواته المسلحة، ربع مليون معتقل هم خارج خط الرؤية..آلاف الشهداء ممن قضوا تحت التعذيب في السجون، ونصف السوريين نازحون، مهجرون ولاجئون، لم يكن السيد معنياً بهم..فكيف يمكن أن يصدق قوله " بأنه سيبقى منهم " ممن يصفق له، أم من السوريين كلهم ؟!
المرحلة المقبلة، سيواصل فيها المستبد طغيانه على السوريين أكثر، بفعل الخوف والعصا والجزرة الذين يبشر بهما، وبفضل معارضة لاقيمة لها تمنحه كل شئ للقيام بكل مايريده بحق السوريين.
___________________
كاتب سوري
مدير مركز الدراسات المتوسطية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية