الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرصفة صادرت حقائبي

صبري هاشم

2014 / 7 / 19
الادب والفن


***
أرصفةٌ صادرت حقائبي

***
1 ـ
**

على الرّصيفِ
الذي نامَ طويلاً ونسيني أنا ضيفهُ الوحيد
تركتُ سترتي المتهرئةَ وقنينةَ خمرتي الممتلئةَ
على الرصيفِ الذي مراراً أضلّني
أفرغتُ أحشاءَ حقيبتي ومضيتُ
ربما عدتُ إليها ثانيةً
حين لا يُغيّرُ الرّصيفُ قِناعَهُ الأخيرَ
ويضلّني مِن جديد

**
2 ـ
**

على رصيفِ ما
لم أعرفْ لأيِّ شارعٍ ينتمي
حتى الآن
كانت حقيبتي الفارغة
لوحدِها تنتظرُ السّفرَ

**
3 ـ
**

هذا الرصيفُ
لم يتعلّمْ بعد
مِن أنَّ الغرباءَ لا يمكثون طويلاً

**
4 ـ
**

الرّصيفُ هذا المساء يترنّحُ
مِن ألمٍ أَلَمَّ بساقِهِ اليسرى
الرّصيفُ هذا المساء ظلَّ
يُدخِّنُ سجائرَهُ بشراهةٍ

**
5 ـ
**

كلُّ الأرصفةِ احتوتْ غربتي
إلاّ أرْصِفةَ الوطنِ

**
6 ـ
**

قبلَ مجيءِ الحافلةِ
حملتُ الرّصيفَ معي

**
7 ـ
**

في حقيبتي الزرقاء
مليونُ رصيفٍ
بلا لونٍ
28 ـ 8 ـ 2011 برلين

**
8 ـ
**

لا شيءَ جميلاً في برلين هذا الصباح
العجائزُ والسكيرون
يحتلّون الأرصفةَ ومواقفَ الحافلاتِ
لا أملَ يُزْهِرُ في الفضاءِ المشمسِ
ماعدا روعةَ السّماءِ التي تتفجّرُ أُنوثةً
لا شيء يُسعدُ غريباً
الرّصيفُ يغطُّ في رعونةِ الفراغِ
يتمرّغُ في وحلِ وحدتِهِ
الجميلاتُ توزّعْنَ المكاتبَ
وعرباتِ المترو الذاهبةَ نحو صمتٍ مُحايدٍ
لا شيءَ يُزْهِرُ في صباحِ برلين
سوى أقدامي المعلولةِ تخطُّ على الرّصيفِ
وهذا القلمِ المُعافى
الذي لا يشبهُني

**
9 ـ
**

برلينُ تحصدُ مشمشَ شمسِها
تتخضّبُ .. تتزيّنُ
وترتدي حلةً شرقيةً
المطرُ أوعزَ منذُ البارحةِ
لغمامِهِ بالرّحيلِ
لكنَّ سحابةً منسيةً فوق هامةِ الرَّصيفِ
تنذرُ بالويلِ والثبورِ
هي سحابةٌ واحدةٌ لا غير
سحابةٌ همجيةٌ
تُلامسُ هامةَ الرّصيفِ
مِن أين جاءت ؟

**
10 ـ
**

احذري
لا تلمسيني
فأنا سأذوبُ كقطعةِ ثلجٍ
فوقَ الرّصيفِ
احذري
وإليَّ مِن وراءِ زجاجِ الكأسِ
لا تنظري
فربما أَغْرَقَنِي في بحرِهِ القرمزيّ
احذري
ولا تُطْعِميني مِن شفتيكِ
فأنا ربّما ارتشفتُ كلَّ الندى
احذري
وفوق المرايا لا تكتبيني
فربما شهقةٌ منكِ استعدتْ عليَّ المرايا
وفي مجونِ موجِها أغْرَقَتْني

**
11 ـ
**

الرّصيفُ الذي انتزعَ خطوتي
عرضَها في متحفِ الكائناتِ المنقرضةِ

**
12 ـ
**
ذلك الرّصيفُ الذي مِن ثيابي جرّدني
طالبَ المارةَ برائحتي

**
13 ـ
**

الأرصفةُ لا تخجلُ مِن خطى المنفيين
لا تسخرُ مِن ظلالِ الغرباءِ

**
14 ـ
**

الأرصفةُ التي نامتْ في الصّباحِ
دوّختْها رائحةُ الليلِ

**
15 ـ
**

الأرصفةُ التي حرثتْها سرفاتُ الدباباتِ
وطواها النسيانُ
مازالت تحتفي بالوجوهِ الأليفةِ

**
16 ـ
**

الأرصفةُ التي شهِدتْ على طفولتي
مازالت تُمارسُ اشتياقاً
كلّما أقبلْتُ نحوَها

**
17 ـ
**

الذين دَرَجوا فوقَ الأرصفةِ
لم يَنْسوا أنْ يحملوا معهم
إلى المنافي أنفاسَها

**
18 ـ
**

الرّصيفُ الذي معنا شرِبَ
نخبَ اللقاءِ
مازال في فضائهِ
يحتفظُ بصورتِنا الوحيدةِ

29 ـ 8 ـ 2011 برلين

**
19 ـ
**

الآن وقد عَبَرَتْ مِن شِباكي كلُّ الجميلاتِ
لم يبقَ لي غيرُ مُغادرةِ الرّصيف
لم يبقَ لي غيرُ أنْ
أطويَ عدّةَ صيدي
وأرحلَ


**
20 ـ
**

على درّاجةٍ هوائيةٍ سوداء
خفيفاً يمرُّ السيّابُ
كلَّ يومٍ عَبْرَ الطريقِ المارِّةِ بصبخةِ العربِ
يمرُّ بدرُ شاكر السياب
يأتي مِن حيِّ الأصمعي الجديد
مثلَ تمثالٍ مِن قشٍّ فوق صهوةِ جوادٍ يأتي
يُخضِّبُ المدى بكحلِ بيتين مِن الشِّعرِ خرجَ توّاً
مِن تنّورِ هذيانِهِ
دوماً يأتي بدرُ
مُختضّاً ـ فوق درّاجتِهِ ـ مثلَ سعفةٍ يابسةٍ
يخترقُ غلالةً هوائيةً
بدر شاكر السيابُ الشاعرُ العظيم
يجتازُنا كلَّ عصرٍ
نحن الصّبيان
يسرقُ مِن على الأرصفةِ دهشتَنا
في كلِّ عصرٍ يمضي باتجاهِ البصرةِ القديمةِ
ويعودُ في المساءِ
في كلِّ يومٍ يمرُّ أمامَ الرصيفِ
بدرُ شاكر السّياب

2 ـ 9 ـ 2011 برلين


**
21 ـ
**

تباعاً تأتي الأميراتُ
يشعلْنَ جسدَ الطريقِ
ويرفعْنَ للمُعْجَبين ـ على الأرصفةِ ـ قبعاتٍ مِن ريشٍ سحريٍّ أسود
ثم يرسمْنَ ـ في الهواءِ ـ ابتساماتٍ بلهاءَ
فرادى تأتي الأميراتُ
ويأتي المُعْجَبون جماعاتٍ
هذا هو حالُ الأرصفةِ دوماً

**
22 ـ
**

على الأرصفةِ
نحن الفقراء
الشحّاذون وبائعاتُ الهوى
عفيفو اليدِ والطيّبون
الكرماءُ وأغنياءُ النفوسِ
على الأرصفةِ
المقهورون في الأرضِ
الغرباءُ والتائهون
المُغيّبون والمنسيّون
على الأرصفةِ
فلاسفةٌ ، ملائكةٌ ومصلحون
على الأرصفةِ
كونٌ جميلٌ مُهمّشٌ
وإلى الأرصفةِ
لا يأتي اللصُّ والنفّاجُ
ومصّاصُ دماءِ الناس
و لا يأتي الكاهنُ والآيةُ والحاخامُ
على الأرصفةِ
لا تبحثْ عن وجهِ نبيٍّ
ولا عن دفّةِ كتابٍ مُقدسٍ

3 ـ 9 ـ 2011 برلين

**
23 ـ
**
انتهى الديوانُ
مضتْ أيامٌ طويلة
توالتْ الأعوامُ
ولم تأتِ الحافلةُ بعد
مازلتُ على الرّصيفِ منتظراً الحافلةَ التي أومَأتْ إليَّ بالانتظارِ فانتظرتُ
عجبتُ مِن أمرِ الحافلةِ
فهي لا تقطعُ على نفسِها عهداً ولا تفيَ وعداً
وعجبتُ مِن أمرِ الرّصيفِ
فهو منّي لا يملُّ ومِن ثقليَ لا يكلُّ

7 ـ 9 ـ 2011 برلين

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي