الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
يوميات مدينة منسية - الجزء الثاني
جاك جوزيف أوسي
2014 / 7 / 20الادب والفن
(3)
يؤمن أتباع الديانات السماوية أن الله عندما خلق الأرض باركها وجعلها طاهرة من كُلِّ دنس ورذيلة، وأمر الإنسان بأن يعمّرها ويأكل من خيراتها. ولكن النفس الإنسانية أمّارة بالسوء، فقرر البعض أن يُسيطر والأخر أن يحتكر ويتملّك ويُكدّس الذهب والفضة. لا يعبئ بجاره الفقير ولا بعابر السبيل المسكين، ولا بباحث عن لقمة الخبز كي يُطعم طفله الجائع، ولا بمريض كان القليل من المال يعني له ولعائلته الكثير كي يسّد وأدهم ويقيهم الفاقة والعوز.
وكما قِيل، أن المال أصل كل الشرور، فهؤلاء ضربوا بعرض الحائط بالقيمة الأخلاقية والمشاعر الإنسانية، وبرروا سلوكهم بكلمات مثل الذكاء والشطارة. ووضعوا نواميس ورسموا قوانين وقواعد تحكم مسيرتهم وتحدّد سلوكهم وتنّظم حياتهم.
أما الفقير والمسكين والمحتاج فقد وضع نُصب عينيه الحكمة القائلة: القناعة كنّزٌ لا يفنى، وشمّرَ عن ساعديه واقتحم غمار الحياة مجاهداً مكافحاً باحثاً عن ذاته في هذه الحياة. لكن بعضهم استسهل طريق الغنى فتجرّد من إنسانيته وقرر أن قوانين الغاب هي الأفضل له كي يتنعّم بمباهج الحياة الزائلة.
وبالنتيجة كانت الأرض عند بدء الخليقة طاهرة، لكن تصرفات البعض دنستها، وأصبحت بعض الأماكن تُمثل التناقض بين الفضيلة والرزيلة، القناعة والطمع، العلم والجهل. وكان الإنسان وسيظل هو من يُعطي القيمة للمكان بسلوكه وتصرفاته. فأقداس مكان يُدنّس إن سكنته الرذيلة ... وأنجس مكان سيُطهر إن سكنته الفضيلة.
وهذه هي قصة مدينة منسية كانت في يوم من الأيام، نقطة الانطلاق للرسائل الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، ومنارة تنشر العلم والمعرفة، والمهد الذي أنجب عباقرة في شتى صنوف العلوم والفنون والآداب. وأصبحت بعد أن سكنتها الغيرة والجشع والطمع بؤرة للرذيلة تجد في سًكانها كل مَذمّة ونقيصة، إلا قلة قليلة كانوا كقوم لوط في سدوم وعمورة.
المجنون
أينما أدرت وجهك في أراضي الله الواسعة وبلاده العامرة سترى أن المجنون جزءٌ لا يتجزأ من التركيبة السكانية في أي مجتمع، فلكل مدينة كبيرة أو صغيرة، أو قرية عامرة أو خرِّبة، مجنونها الذي يقول ما لا يُقال. وكأنه العاقل الوحيد في هذا المكان وهذه هي عظمة الحكمة الإلهية في تدبير أمور الكون.
تراه يسير على طرقات المدينة يُحدّث نفسه بأمور فيها الغث والسمين بما يكفي لقول المستور وكشف المخبوء، منهم من يرتدي الأسمال البالية وبعضهم لا تكاد تميزهم عن علية القوم وأعقل العقلاء حتى يبدأ بالحديث. وبعضهم لا يخرجون من مناطق سُكناهم، يُلدون ويعيشون ويموتون فيها. تراهم واقفين على تقاطع الطرقات أو الزوايا يكلمون أنفسهم طول النهار، لا يُزعجون أحد حتى يُستفز عندئذ ترى ما لا يُحمد عُقباه.
أسلوب المجنون هو الأسلوب المفضل لدى سكان هذه المدينة المنسية عندما يُريدون توجيه رسالة لأحد، فتراهم يمرون أمام الشخص المعني ويبدؤون بالحديث بصوت خافت لا يكاد يسمع منه المخاطب شيء، والغريب عن المدينة عندما يرى هذا المشهد يعتقد أن المتكلم هو أحد مجانين المدينة أو إنه يُحدث نفسه من كثر الهموم والمصائب التي يتعرض لها.
هذا الأسلوب هو إحدى الطرق الاستفزازية في مدينة الرذيلة هذه، فإن أردت الرد على الكلام الذي يُسمعك إياه أحد أفراد هذه المدينة عليك أن تُحضر نفسك لمعركة قد تخرج منها منتصراً لكنك ستكون قد أهنت شرفك وقللت مقامك بالعراك مع أشخاص لا يرّدعهم رادع أخلاقي أو قانوني. ومن أراد أن يحتك معهم عليه أن يترك كل مبادئه وقيمه وأخلاقه وهو داخل إلى هذه مدينة أو وهو خارج من منزله، فالأسلوب الوحيد الذي يفهمونه هو أسلوب القوة فهؤلاء القوم لا يُساقون إلا بالعصا التي يجب إشهارها بين الفينة والأخرى إن أردت أن تحظى براحة البال.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح