الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدالة واحدة و’غيرُعادلين‘ متعدّدون

خليل عيسى

2014 / 7 / 21
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


يوم 16 تمّوز 2014 استشهد 7 فلسطينيين برمي براميل متفجّرة من قبل قوات النظام السوري على مخيّم للفلسطينيين في درعا. في نفس هذا اليوم وصلت ضحايا اسرائيل في قصفها لغزة الى أكثرمن 200 شهيد و1500جريح في إطار حربها على الشعب الفلسطيني. وفي نفس الفترة قامت ميلشيات نوري المالكي الطائفية في العراق المستعمرة الأميركية-الإيرانية بمجزرة مروّعة قتلت فيها 28 امرأة في حيّ زيونة السكني في شرق بغداد. أما في اليمن فإنّ الميليشيات الحوثيّة المدعومة ايرانيّا، اجتاحت محافظة عمران على بعد 50 كيلومترًا من صنعاء مما أدّى الى معارك مع القوات الحكومية اليمنية مما يهدد بجدية باستيراد الإقتتال المذهبي وتدمير المجتمع اليمني.
هذا غيض من فيض من المجازر والهجمات الموزّعة عربيّا اليوم من قبل مختلف المصالح الإستعمارية المحيطة بنا والتي يقابلها أداء لمعظم النخب العربية قاصر عن فهم تلك النضالات بشكل جامع. لقد واجهت الثورات والانتفاضات الشعبية العربيّة في فترة أولى القمع الداخلي لأنظمتها والذي كان عبئا هائلا في حدّ ذاته، ثمّ ما لبث أنّ فاض القمع عن كل ما تمّ توقعه كما حدث في سوريا والعراق مثلًا بسبب التدخل الثقيل لأدوات البروباغندا والسيطرة المتنوّعة والقتل لثلاثة فئات من المصالح الاستعمارية المباشرة المتقاطعة فيما بينها: الاميركية والايرانية والاسرائيلية. لقد أدى كلّ ذلك الى دقّ الأسافين العميقة في الإنشاءات والخطابات والممارسات الموجودة بين مختلف النشطاء والنخب العربية.
فقد ترفّع معظم ناشطو الثورة السورية مثلًا عن إبداء أيّ دعم كلامي أو سياسي لإعتصامات العراقيين التي بدأت سلمية في الساحات في بغداد ونينوى وكركوك والبصرة وكل أنحاء العراق منذ 2011 في حين لم يكل كثير من النشطاء العراقيين عن إبداء كلّ دعم إعلامي وسياسي للثورة السورية، ذلك أنّ كثير من تلك النخب في سوريا أملت، واهمة، ’بدعم الولايات المتحدة‘ للثورة السورية في الوقت التي كانت الأخيرة تقوم بكلّ ما تستطيع لتفخيخ الثورات الشعبية أوإيقافها. لقد أدّى ذلك الى هيمنة خطاب التزلف للغرب الذي تمّ رفعه من عادة ’غير‘ سريّة الى فنّ رفيع وذلك في تناقض صارخ في ما تسمعه من سخرية يبديها معظم السوريون من ’وعود الغرب‘ منذ بدء الثورة عام 2011.
أما الكثيرون من النشطاء الفلسطينيين والعرب والغربيين الذين حملوا راية القضية الفلسطينية فقد انتهى بهم الأمر الى أنهم حوّلوها الى صناعة حقيقية تدرّ المال والشهرة فأصبحت شعارًا عند الكثيرين منهم وخصوصا في الغرب، بدل أن يرقى نضالهم الى مصاف كونها القضية التي استحقت أن تكون رمزًا للعدالة ولمحاربة الظلم أينما كان. لقد أضر هؤلاء بالفلسطينيين وبالقضية الفلسطينية وبالعرب عبر إنعزالهم الفكري وانهيارهم الأخلاقي عندما سكتوا ولا زالوا عن أيّ دعم علني السياسي ومعنوي للسوريين والعراقيّين لا بل تطور الأمر عند الأكثرية الساحقة منهم منذ أكثر من سنة الى خطابات الدعم لإيران ولمجازر أُجرّائها في سوريا والعراق. المثال استثنائي على هذا الانهيار الأخلاقي هو ريتشارد فالك، أستاذ الشرف للقانون الدولي في جامعة ’برينستون‘ والناشط من أجل القضية الفلسطينية والمحترم جدًا في بلاد ’الغرب الديموقراطي‘ الذي يقول أنّه لا يمكن إحالة النظام السوري على محكمة الجنايات الدولية لجرائمه إسوة بإسرائيل "لان استعمال المحكمة في وسط حرب أهلية هو الانحياز لأحد الأطرافها وبالتالي التدخل في حرب أهلية قائمة يتصارع فيها طرفان للسيطرة على المجتمع والدولة". حتمًا إن ضحايا البراميل والمجازر في سوريا يتفهمون تمامًا تحليل فالك المحترم جدا للأمور.
أمّا خلال حرب إسرائيل الجارية على غزّة فقد بات جزءًا من النشطاء يحتجّ على قصف غزة من قبل إسرائيل بقيامهم بنشر صور لمجازر اقترفها النظام السوري في حلب مثلَا وتزويرها على أنها مجازر اسرائيلية في غزة قيامًا على قانون العرض والطلب: إذا لم يكن لديك عدد كافٍ من الضحايا الفلسطينيين...فالاحرى بك "إختراعهم" للإتجار بهم!
لا شكّ بداية أنّ هنالك تفاوتًا كبيرًا في الأسباب التي أحاطت بنشوء هذا الكمّ من الفاعلين الغير عادلين (السياسيون، الناشطون، المحللون الإعلاميون الخ) في كل أنحاء الوطن العربي وابتعادهم عما يفترض أنّه يوحدّهم في مشروع ثوري واحد الا وهو ’كونيّة العدالة‘ فيما يخص نضال الشعوب العربية وسبل توحّدها وتكامل نضالاتها. إنّ أسباب ذلك لا تكمن على الأرجح في علل أخلاقية متأّصّلة في الناس بل في كون ذلك نتيجة التحاقات وحسابات سياسية وتحقيقًا لمصالح ضيقة متأتّية أساسًا من الواقع الإستعماري الذي يعيشه الوطن العربي ومن كون هذه الالتحاقات والبنى مضادة في جوهرها لتحقيق العدالة العربيّة الواحدة.
لكن الخيط الأخلاقي-السياسي الذي يسهل اقتفائه هنا يكمن في استحالة قيام ’العدالة الكاملة‘ في كامل الوطن العربي بوجود أوضاع مغرقة في لا عدالتها في أجزاء منه، فالعدالة كونها القيمة-البوصلة الوحيدة لأيّ ثورة جذرية على الأوضاع القائمة تشكل دومًا ’المسألة العربية‘ بإمتياز، بمعنى ضرورة اشتمالها على كلّ بقعة من الوطن العربي والتي لا بدّ منها لتعبيد الطريق نحو الوحدة السياسية للعرب، الا أنّ القصور السياسي للكثير من النخب العربية التي تزعم التكلّم بإسم شعوبها في مقابل ما قدمته الجماهير العربية من تضحيات كان حجر العثرة الأول في سبيل تحقيق ذلك. يوجد إذًا أسباب كافية للزعم بأنّه وفي وضعنا الاستعماري لا يمكن وجود ’عدالة ما‘ محصورة في حيّز محدّد من المسطّح العربي الا ويكون ذلك في نهاية المطاف على حساب نشوؤ فظاعات وأهوال مغرقة في لا عدالتها في جزء آخر منه. لذلك فإنّ الإنعطافة الضرورية لأي حراك ثوري عربي اليوم يجب أن تكون بالتحوّل من فاعلين ’غير عادلين‘ كما هي الحالة اليوم الى ’فاعلين عادلين‘ في السياسة كما في الصراع الطبقي والثقافة وباقي القضايا، بوجود ثوريون يبنون أواصر الوحدة النضالية فيما بينهم وتكون حينها البنى السياسية المنظِّمة لعملهم معادية لكامل المصالح الاستعمارية في وطننا. نتكلّم هنا عن فاعلين يعبّرون عن هموم الشعوب العربية كلها، بشكل متساوٍ، تحت راية سمو أخلاقي- سياسي واحد لتحقيق كرامة الإنسان العربي. هذه هي الخطوة الأولى الضرورية للترجمة السياسية العضوية لنضال المواطنين في أيّ مكان من هذا الوطن. (جريدة "العربي الجديد")








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت