الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على الأرض السلام

فيحاء السامرائي

2014 / 7 / 21
الادب والفن


لو لم أخرج ذلك اليوم بعد حمى أقعدتني فترة في داري، لما جرى الذي جرى، ولما تثبت صورتها في ذهني وهي تنقر على زجاج سيارتي بأصابعها، مرعوبة باكية.
عمل سائق الأجرة أمر ليس هيناً في المدينة هذه الأيام..لارزق واسع ولا أمان، لاوجود لأدوات احتياطية أو زبائن تدفع، الوضع كله جديد وغريب، وليس هناك ضمان أن من يطلع من بيته يرجع اليه كما خرج..تجتازني سيارات مسرعة على متنها مسلحين بسحنات غير مألوفة، أصوات إطلاقات نارية آتية من بعيد، حر متسيّد قبل انتصاف ظهيرة رمضانية خانقة..أحاول احتمالها أملاً في القيام بمشوارين أو ثلاث، أذهب بعدها لتسوق احتياجات أساسية قبل عودتي للبيت.
رايات سوداء ترفرف على أعمدة الكهرباء وفي أعلى البنايات، لافتة مخطوط عليها( قبيلة....تهنئ وتبايع الدولة الاسلامية وتبارك فتوحاتها الكبرى)، ناس تركض في اتجاهات مختلفة لأمر أجهله، حفر حديثة لم تكن على الأرض من قبل، رشقات رصاص قريبة، تجمع قريب ولغط أمام المطرانية الرئيسية على مبعدة أمتار:
- توقف.
يزعق أحدهم من مكبر صوت بدعاء نصر وبسملة، يكمل :
- أما بعد، لم يبق من الزمن سوى ساعة واحدة حتى ننظف دولتنا من الانجاس النصارى وما عليهم سوى اعتناق الاسلام أو دفع الجزية ( عهد الذمة)، والاّ فسيكون السيف بيننا وبينهم..وللّـه العزة ولرسوله والمؤمنين..عن ديوان القضاء في ولاية نينوى
- تكبير..اللـه أكبر
يندفع رجال مدججون بأسلحة الى داخل المطرانية، يتسلق آخرون بنايتها، ينزلون الصليب، يرمونه من فوق مع التكبيرات، يخرج الذين دخلوا الى الكنيسة محمّلين بتماثيل للمسيح وللعذراء، يحطمونها مواصلين التكبيرات، تلتهم النار المبنى قبل أن يُخرجوا المطران مكبّل اليدين، نازفاً من فمه..يركض بعضهم نحو سيارات تنتظرهم حاملين أيقونات فضية وأشياء أخرى لايمكن معرفتها لاختلاط الراكضين وتصاعد الغبار لدى تحريكهم مركباتهم بسرعة جنونية.
أواصل السير بعد انتهاء (الحفل)، عند ناصية شارع محاذٍ، ألمح جماعة من الشباب خارجة من بيت مخطوط على جداره الخارجي حرف (ن) كبير بالخط الأحمر، يحمل هؤلاء ماتيسّر لهم من مقتنيات أسرة غادرت الدار، يجري كل واحد باتجاه، يخلّف بعضهم ورائه بعض من ملابس أطفال وملاعق وأدوات مطبخ تسقط من صندوق يحمله.
أغمض عيني ولا يغمض جفن صور في مخيلتي، أنه الـ (فرهود) عينه، فرهود اليهود، فرهود المحمرّة، فرهود (التبعيين)، فرهود الكويت..كل شي مباح ومبررّ اسلامياً وشرعياً ومنطقياً، دولة الفرهود الكبيرة تصلب أبناء بلدها من جديد على يد أبنائها، يتأسف البعض على قوافل إغاثة غير مسموح لها دخول الحدود، يضحك آخرون: شعرفنا؟، هؤلاء أهل الموصل، أهل تاريخ مخزٍ، أهل السحل والدماء، عديمي غيرة..يتساءل مخالفون، وماذا عن البقية، ماذا عن نهب البلد كله على يد أهل المسابح والحملدراية وعلامات التقوى على الجُبن وجماعة أنت شيعي وأنت سنّي؟ هاهم يفعلون مايفعلونه، لنترضي بتقسيم البلد.
- يامريمانة! يايسوع! يا محمد! يا أديان..إلام؟
أشعر بدوار وصداع قاهرين، تعود لي الحمى مجدداً، أسلك طريقاً مختصراً للرجوع الى البيت، لكن رغبة في التقيؤ تضطرني الى إيقاف سيارتي وإفراغ ما في معدتي عبر النافذة..ألمحها بالمرآة، تقف عند النافذة الخلفية طالبة مني فتح باب السيارة..تهوي على المقعد بجسد متعب وعينين وجلتين مرعوبتين..تشكرني وهي تلم تجاعيد سنين على فم متيبس..أعلم من زيها ومن صليب ترتديه بأنها راهبة..وما أن أهمّ بالحديث اليها، حتى أسمع صوتاً آمراً:
- توقف..لتنزل تلك النصرانية النجسة من السيارة.
عبثاً أشرح لهم بأنني أحصل على رزقي من راكبين أي كانت ديانتهم، وأنها إمرأة طاعنة في السن وعاجزة..غير أنهم سرعان ما يمدّون أيديهم نحوها ويسحبونها من شعرها الأبيض خارج السيارة.
تنتابني حمى لاسعة كلما يتراءى لي السيف الذي يهوي على رقبة الراهبة العجوز، وصورة المسيح وهو يُصلب من جديد اليوم ليقف السلام باكياً على حدودك ياوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟