الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استنهاض عبد الناصر من ثراه

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2014 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


"لكنها تدور"

استنهاض عبد الناصر من ثراه


في غمرة الأحداث وقسوتها استوقفني شريط مصور لعجوز بزي مميز لأهلنا في الصعيد وعصا يتكئ عليها، من أولئك الذين عاشوا حلم عبد الناصر، حلم تهشيم الفوارق بين الطبقات واقامة مجتمع المدينة الفاضلة. أخذ يبكي أمام قصر عبد الناصر مستنهضًا إياه من ثراه "اصحى يا أبو خالد، اصحى عليك رحمة الله، لمن تركتنا..."، هذا بينما يحملنا كل ليلة السوري العظيم جمال سليمان من خلال مسلسل "صديق العمر" إلى تفاصيل فكر عبد الناصر على طريق بناء وطن جديد على أسس الوحدة.
جاءت هذه التفاصيل بينما تئن فلسطين تحت أنقاض غزة الدامية في حين أن سلاطين المنطقة يلتهمون فطورهم على الموائد الرمضانية العامرة بكل أصناف الطعام الشرقية والغربية، ولم يجرؤ أحدهم على استنهاض العالم لوقف هذه المجازر في غزة. لم يكتفوا بهذا، وبدلاً من تحية بسالة المقاومة الغزاوية وصمودها أمام ألة العدو الوحشية أطلقوا أبواقهم الاعلامية للنيل منها.
مثبت أن الافتراض لا يتسق مع التاريخ، لكننا مع الانحدار والتقزيم نجد أنفسنا نفترض عودة عبد الناصر من ثراه إلى عالمنا الذي لا يتماشى في أي شيء مع ما دعا إليه وحلم به. فلا فلسطين عادت، بل زادت هوانًا وسالت دماء أبنائها أنهارًا، ولا توحد الوطن العربي، بل ازداد تشرذمًا ووصل عدد دويلاته إلى عدد ممالك الأندلس، وانفصل شرقه عن غربه جراء عاملي الوفرة في جانب والفقر في الآخر، ولم تولد بعد مدينته العربية الفاضلة، بل زاد الفقر والبؤس والتخلف، بين شعوبه، والهوة بين الطبقات.
لقد أصابت البلادة قصورالحكم العربية، ومعها قصور العالم، أمام الصور المروعة التي نقلتها التلفزيونات بالأمس، الأحد، من حي الشجاعية في غزة. للوهلة الأولى عند مشاهدة أشلاء البشر تملأ شوارع هذا الحي تصورت أن خطأ ما قد حدث، فبدلاً من أن ينقلوا إلينا صور غزة وضعوا صور مذبحة صبرا وشاتيلا التي كان بطلها المجرم المجحوم أرييل شارون عام 1982. وعلى ما يبدو فإن التاريخ يعيد نفسه في بعض الحالات. لو حدث هذا في إسرائيل لقام الغرب بدك المنطقة بأسرها، وربما كرر هيروشيما عندنا.
أما صور اخلاء أحياء غزة بالأمس فقد أعادتنا إلى صور النكبة عندما خرج الفلسطينيون من بلدهم صوب الدول العربية المجاورة على أمل العودة خلال فترة وجيزة. لكنهم خُدعوا على يد العالم كله وظلوا مشتتين جيلاً وراء جيل.
تساءلت: ألم يشاهد سلاطين العرب هذه الصور؟! هل تناولوا فطور الأمس بعد مشاهدتها؟ لا أعتقد أن وقف هذا المجازر والمطالبة بتحقيق دولي فيها أمر صعب على قصور الحكم العربية المترعة بالمال والنفوذ الاقتصادي في الغرب. أعرف أن كل واحد يتحسس سدة حكمه قبل أن يطلب شيئًا من الغرب لقضية قومية، وهو ما قاله الزعيم الخالد منذ عقود قبل أن يرحل. وهنا يحضرني تصريح للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر إذ قال ذات مرة: "المدهش أن الحكام العرب لم يطلبوا مني في لقاءاتي العديدة بهم حل القضية الفلسطينية، بل اكتفوا بعرض مشكلات بلدانهم!"
لا شك أننا في مرحلة عسيرة، في برزخ نصبه لنا الغرب بمساندة ملوك الطوائف الذين يتهافتون على موائد الغرب. ولا يساورني أدنى شك من أن البرزخ سيؤدي خلال سنوات قليلة إلى خروج من المهانة والذل. لم يبق أمامهم شيء من ورقة التوت لتغطية عوارتهم. والثورات العربية التي روتها دماء شباب الأمة النقي ستعود لتأخذ مسارها الذي ولجته في شهورها الأولى، قبل حرفها عن طريقها على أيدي "العواجيز".
ما يحدث يسير عكس المنطق والتاريخ، فنحن نمثل حالة خارج سياق العالم، وفي قلب هذا السياق قضينتا الكبرى، قضية الصراع العربي الإسرائيلي. ما تقوم به إسرائيل، أمام عيون العالم وصمته المخزي، تعد حشرجات وضع دام أكثر من مائة عام منذ اجتماع بازل السويسرية واعلان هرتزل الشهير. المهم أن يصمد الشعب الفلسطيني. السياق يتطلب من فلسطيني 48 والقطاع تحركًا على غرار ثورات الربيع العربي، فلا جدوى من صمتهم وصمود المقاومة في غزة يحتاح إلى حراكهم في الداخل. إنها لحظة قيام انتفاضة جديدة!
لهذا أقولها وأمضى: الولادة عسيرة، ورغم حالة اليأس والتجهم التي تغطي وجوه أبناء هذه الأمة في هذه الأيام القاسية على نفس كل عربي ومسلم، لكنها ستضع نهاية لقرون من الانحطاط منذ سقوط بغداد المروع على يد التتار وبعدها غرناطة، وتحول المنطقة إلى ممالك طوائف.
الأمل في أبناء هذه الأمة الذين اشعلوا ثورات ربيعها، وبنزق الشباب وثقتهم المفرطة خربها لهم العواجيز، فأفسدوا أجمل عرس عربي منذ حرب أكتوبر 1973 التي خربها أقزام التاريخ. إنهم هم أنفسهم الذين جعلوا العوام يتمنون عودة الاستبداد بعد أن صوروا لهم ثورات الربيع العربي مؤامرة، وهم أنفسهم الذين جعلوا الدهماء يصدقون أن المقاومة الفلسطينية هي المسؤولة عن شلال الدم الفلسطيني. وهم الذين حولوا الضحية إلى جلاد بينما يذرفون دموع التماسيح العاهرة على دماء الفلسطينيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أين العرب؟
قيس الشمالي ( 2014 / 7 / 22 - 07:49 )
الكاتب المحترم،
مقالك ينضح ألمًا وهو ما نحياه كلنا سكان هذه الوطن المغلوبين على أمرهم. لقد قمنا بثوراتنا من أجل القضاء على التخلف والتبعية واسترداد فلسطين من أيدي أرباب الغرب في المنطقة، إسرائيل. من بين ما هالني في هذه الأحداث هو اكتشاف فريق طبي إماراتي وصل إلى غزة بغرض التجسس. التجسس لصالح من؟
لدي بعض الأسئلة: أين مصر من كل هذا؟ هل يعقل أن مصر التي قدمت للعرب عبد الناصر تلوذ بالصمت ولا تتحرك من أجل وقف نزيف الدم الفلسطيني؟ أين الشعب المصري كله من هذه المذابح؟ لم أرى مظاهرة واحدة في القاهرة، وهذا يستحق التوقف والبحث فيه.
رحم الله عبد الناصر وما أحوجنا إليه اليوم في العالم العربي!


2 - مصر قدمت ما تستطيع في الظرف الراهن
خالد سالم ( 2014 / 7 / 22 - 08:49 )
ليس دفاعًا عن الذات، بل هي الحقيقة، فواقع مصر صعب بسبب المشكلات التي تعانيها طوال العقود الأربعة الماضية، وقد شارك كثيرون، من المنطقة ومن خارجها، في اخراجها عن سياقها، وكانت النتيجة -تقزيمها-. مشكلات الشعب المصري تحول دون قيامه بما يطمع فيه العرب. إنني على ثقة من أن مصر عندما تسترد عافيتها سيكون لها دور آخر في سياقها العربي.
كما أن مصر قدمت ما لديها، مبادرة وقف النار بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. تفاصيل المباردة لم تُنشر، وكأن تعتيمًا عليها غطاها عن قصد من قبل الغرب وإسرائيل، ربما للوقيعة بين الشعب والنظام. لا أدري.
عبد الناصر كان حلمًا وانتهى. وعودته الآن كفرد ليس لها مكان في السياق، بل بشكل جماعي لحكام الوطن. ما نحتاجه في الوطن العربي كله هو مؤسسات دولة فاعلة تعمل من أجل الحرية والديمقراطية وأنظمة حكم تؤمن بالتعددية والحرية البعد عن اللعب بالدين


3 - مصر عبد الناصر
سمر الخميسي ( 2014 / 7 / 22 - 10:59 )
عهدتك في مقالاتك محايدًا والآن لا تريد أن تحمل مصر نصيبها من المسؤولية في ما يحدث, نعرف أن مصر مشاكلها كثيرة، لكنه الدولة العربية الوحيدة التي يمكنها أن توقف هذا العدوان على غزة.
الله يرحم أيام عبد الناصر!!!


4 - المتغيرات تفرض نفسها على طريق حل القضية الفلسطينية
خالد سالم ( 2014 / 7 / 23 - 01:36 )
لا أدري إن كنت تتابعين الشأن المصري أم لا. فكما تعلمين مصر قُلمت أظافرها من بعد عبد الناصر حتى لا ترفع رأسها ثانية، ليكون كما يقال في أرض الكنانية -اللي رايح على قد الجاي- أي محلك سر، دون الاضطلاع بدور قومي يزعج عربًا وأجانب كما حدث في الخمسينات والستينات. عهد عبد الناصر انتهى، ونحن الآن بصدد ولادة وضع جديد سيأخذ بعض الوقت إلى أن يقف البلد على قدميه بعد الاقتناع بالتعددية وبدء فترة ؟
انتقالية نحو الديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة.
أعتقد أن مصر عندما تأخذ في التعافي سيكون للمنطقة شأن آخر، لصالح العرب.
على أية حال أعتقد أن ما يحدث اليوم في غزة سيكون نقطة فاصلة في الصراع العربي الإسرائيلي، بداية حل القضية الفلسطينية، وهنا يحضرني تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية سُرب إلى الصحافة الغربية في نهاية التسعينات أو مطلع عشرات القرن الحالي ومفاده أن القضية الفلسطينية ستجد حلاً نهائيًا لها مع حلول سنة 2017. هل هذا حقيقي؟ هناك مؤشرات على ذلك، فالتغير الذي تشهده المنطقة منذ الربيع العربي ودور المقاومة له دلالته في هذا الاتجاه. ك


5 - المتغيرات تفرض نفسها على طريق حل القضية الفلسطينية
خالد سالم ( 2014 / 7 / 23 - 01:40 )
لا أدري إن كنت تتابعين الشأن المصري أم لا. فكما تعلمين مصر قُلمت أظافرها من بعد عبد الناصر حتى لا ترفع رأسها ثانية، ليكون كما يقال في أرض الكنانية -اللي رايح على قد الجاي- أي محلك سر، دون الاضطلاع بدور قومي يزعج عربًا وأجانب كما حدث في الخمسينات والستينات. عهد عبد الناصر انتهى، ونحن الآن بصدد ولادة وضع جديد سيأخذ بعض الوقت إلى أن يقف البلد على قدميه بعد الاقتناع بالتعددية وبدء فترة ؟
انتقالية نحو الديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة.
أعتقد أن مصر عندما تأخذ في التعافي سيكون للمنطقة شأن آخر، لصالح العرب.
على أية حال أعتقد أن ما يحدث اليوم في غزة سيكون نقطة فاصلة في الصراع العربي الإسرائيلي، بداية حل القضية الفلسطينية، وهنا يحضرني تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية سُرب إلى الصحافة الغربية في نهاية التسعينات أو مطلع عشرات القرن الحالي ومفاده أن القضية الفلسطينية ستجد حلاً نهائيًا لها مع حلول سنة 2017. هل هذا حقيقي؟ هناك مؤشرات على ذلك، فالتغير الذي تشهده المنطقة منذ الربيع العربي ودور المقاومة له دلالته في هذا الاتجاه. ك


6 - نكتة لا يطلقها الا اراجوز مثل عبد الناصر
محمد البدري ( 2014 / 7 / 23 - 14:06 )
ازالة الفوارق بين الطبقات. انها بالفعل امر مضحك. ولان مبدا التحليل غير متاح للعقل العربي فقد مرت النكتة لتصبح حقيقة. المصريين الان بلا فوراق بين الطبقات. فالسلوك الفردي والجمعي لمن ينتمي الي طبقة عليا أو مدنيا ليس فقط متشابه بل متطابق بدءا من قيادة المرسيدس او قيادة الكارو في ارقي شوارع القاهرة الخديوية. لم تختفي الطبقات بدليل وجود المرسيدس ووجود الكارو. فاطبقة عن نظام يوليو كانت الثروة وفقط باعتبارهم من رجال روبن هود أو من بلطجية ادهم الشرقاوي. فالذي زال بين الطبقات في مصر هي المنظومة القيمية لكل طبقة فاصبح فهمهم للدولة وللحياة وللعمل وللقانون متطابق. وما بقي هو الطبقات علي قاعدة الثروة حسب مفهوم نظام يوليو. حتي اللغة زالت بينها الفاوارق فكل شئ موصوف في مصر بالنصر رغم ان كل شئ يعاني الهزيمة


7 - أمة الاكاذيب
محمد البدري ( 2014 / 7 / 23 - 14:19 )
سقوط بغداد كان حتميا مثلها مثل سقوط دمشق علي يد العباسيين ... الخ كل من سقط فيما بعد. فالقاهرة سقطت علي يد الايوبي لتقويض الفاطميين ثم المماليك لتقويض الايوبيين ثم سليم الاول لتقويض المماليك. كل هؤلاء يقولون لا اله الا الله محمد رسول الله. لان تلك هي سنة العرب والاسلام رغم ان المسلم القاتل والمقتول في النار حسب الحديث. فهل هناك من يعتقد في حكاية النار هذه؟ أم انها اكذوبة وفقط طالما هناك مهزوم سوف يتم نهب ثرواته الي حين ظهور قاتل جديد. هذا المر ليس فقط بدءا من الامويين فمن لحظة حروب ابو بكر باسم الردة تكرر هذا المسلسل مع كل خليفة من المبشرين بالجنة ولولا المساحة لسردتهم قاتلا ومقتولا بالاسم. الان داعش، فهل ما يحدث يسير عكس منطق العرب وسنة تاريخهم الذي اسسوه وادخلونا في متاهة لاكثر من 1400 عام؟ الامم القئمة علي اكاذيب سيبقي هذا حالها دوما

اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة