الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة المرأة بين الروعة والتشويه - مسرح صلاح عبد الصبور -

أبو الحسن سلام

2014 / 7 / 23
الادب والفن


المرأة في مسرح صلاح عبد الصبور
بين الروعة والتشويه
أ.د. أبو الحسن سلام
الوطن في مسرح صلاح عبد الصبور امرأة تفكر بجسدها ، ولا تجيد سوى لغة الجسد ذات النبرات الشبقة ، والمقاطع المتأوهة والحروف المشتعلة بنيران الجنس ، على متن فراش حاكم غاصب مخادع ، انتهازي ، يجيد جدل حبل الغزل بخيوط من شعر وموسيقى ومعسول القول ؛ ليربط به الوطن الأنثى الفائرة من فخذيها وينتهكها ثم يلقي بها بين الأوحال ، لتمر حولها أو فوقها عربات الأمم التي تجد السير نحو المأمول . فيتناثر الرذاذ الموحل فيخفي وجهها فتلعقها كلاب السلطة حين يعجز المحب الحاكم عن الوفاء بحاجتها إلى التفاعل المثمر ؛ في تحويل الحلم إلى تجسيد واقعي مادي ؛ وجدل مادي مخصب :
" ليلى : لي كي أحملك على أهدابي كالحلم المفقود
إني أبغي أن أضعك في عيني كالنور
سعيد :
انظر لي : والمسني ، وتحسسني
إني وتر مشدود
يبغي أن ينحل على كفيك غناء وتقاسيم
سعيد : أوه .. الجنس
لغتنا الأبدية
وجه الحب المقلوب "
إن سعيد شخصية تصنع الواقع في ذهنها ، لكنها تعجز عن صنعه صنعاً مادياً فالثورة في ذهنه تصنع ، والحب في ذهنه يصنع ، لذلك يدور شأن كل شخصيات صلاح عبد الصبور المحورية في إطار الدياليكتيك المثالي ( ظاهراتية هيجل ) . ليلى تفكر تفكيراً عملياً قائماً على التفاعل البناء ، لأن استمرار الحياة لا يتحقق دون ذلك ، والتفاعل من جهتها يتحقق عن طريق التفاعل الجنسي بين ذكر وأنثى بينها وسعيد الذي تحبه وترى أن مظهر الحب هو ممارسة الجنس بين المحبين ، بوصفه فعلاً يؤدي إلى ثمرة تحمل خواص الحبيبين .
إن المستقبل في نظر سعيد مفتقد عند افتقاد البلد إلى القانون وافتقاد فقرائها لقمة العيش وتحول المرأة إلى سلعة بغاء ، أما المستقبل بالنسبة لليلى فهو إنجاب الأطفال وهو أمر يتحقق بالقانون ( الشرع والأعراف) وبغير القانون . إن المحرك لسعيد هو عقله ، فكره والمحرك لليلى هو جسدها ، مشاعرها الملتهبة ، الفكر يحركه والجنس يحركها ، إذن فالدافع مختلف عند كل منهما :
" ليلى : سعيد
جسمي يتمناك كما تتمنى الطينة أن تخلق
جسمي يتمناك كما تتمنى النار النار
سعيد : وإذا انطفأت
ليلى : عادت فاشتعلت
سعيد : نار دنسه
لا تنتج إلاّ دنساً "
إن الفكر والجنس فعلان لا يجتمعان . فكلاهما قابل للظهور في حالة غياب أحدهما فالفكر يظهر في مواجهة فكر آخر والجنس يظهر في مواجهة الجنس ، وليلى تدرك ذلك في نهاية هذه الحوارية :
" ليلى : وا أسفاه ..
إنك خرب ومهدم
لا تصلح إلاّ كي تتسكع في جدران خرائبك السوداء واأسفاه
أحببت الموت
أحببت الموت ( تنصرف نحو الباب ) "
جماليات البذاءة في الحوار الجنسي:
وللبذاءة أيضاً جماليات ترفعها من قاع الانحطاط والإسفاف والتهتك إلى مصاف الصور الشعرية ولوحات مانييه وسحر عرى راقصات الباليه . فمع أن سعيد يتكلم كلاماً بذيئاً ، إلاّ أنه لا يصيب أسماعنا بالبذاءة لأنها بذاءة أطلقها لسان مشاعره فانسابت في صورة تغلفها فكرة : تأول بيت شعر إليوت الذي أطلقه لسان تداعيات ذاكرته على أثر حركة نساء الحانة في مرورهن أمامه ذهاباً وإياباً فيما يمكن أن يطلق عليه ( عرض أجساد ) :
" سعيد : النسوة يتحدثن .. يرحن ، يجئن
يذكرن ما يكل أنجلو
حسان : ما هذا ؟
سعيد : بيت للشاعر إليوت
حسان : ما معناه ؟
سعيد : معناه أن العاهرة العصرية
تحشو نصف الرأس الأعلى بالحذلقة البراقة
زياد : معناه أيضاً
أنـّـا لم نصبح عصريين إلى الآن
حتى في العهر "

جماليات التعبير عن الشبق الجنسي في المسرح:
الشبق حالة لا يكون دونها كلام عن الجنس وهو فعل تمهيدي سابق للعملية الجنسية ومشعل لنار عاطفتها ، وهو لاحق لها استكمالاً لنشوة الغزو الجنسي والانتصار للشهوة بعد تحققها وهو شبق ناتج عن استرجاع صورة الفعل الجنسي الذي تحقق . وهذا ما حدث مع حسام بعد أن طبع جسد ليلى بخاتم فحولته وسعدت هي ببصمته الجسدية :
" حسان : هل عندك زوّار ؟
حسام : سيدة الزوار
امرأة أحلى من أحلامي بالمرأة
أخشى أن تجرح منكبها العاري عيناك الجائعتان
حسان : تبدو مسروراً
حسام : هذا حق
أشعر بعد تمام النشوة أني أبحرت إلى قلب الأشياء وعدت"

" حسان : قتلوك وألقوا بك جثة
فأنا إذ أقتلك الآن
لا تحمل نفسي وزراً
إذ إني أقتل مقتولاً
( جرس الباب الخارجي يرن في اللحظة التي يتأهب فيها لإطلاق الرصاصة فيندفع حسام ليطيح بالمسدس ، ولكن حساناً يطلق الرصاصة فلا تصيبه . ينطلق حسام عدوا نحو الباب ، ليطل منه وجها سعيد وزياد)
( تخرج ليلى من الغرفة الداخلية بملابس تحتية على صوت الرصاصة ، ينطلق حسان خلف حسام )
هذه الصورة الشائهة التي ظهرت بها ليلى شبه عارية تخرج من غرفة نوم حسام، إن عريها لا يثير شهوة أحد ، ذلك لأن حادثة إطلاق النار ، التي وظفها المؤلف وسيلة تخلص لخروجها في حالة عري أو كشف عن عهرها أو تحقيقاً لحاجتها إلى الجنس على المستوى البيولوجي لا إلى الشعر والشعارات على المستوى الفكري والأيديولوجي . وظهورها أمام سعيد عارية أحال مشاعر المتلقي من حالة النظر الشبق إلى جسمها شبه العاري إلى النظرة المشفقة الحزينة لما آل إليه مصيرها والمشفقة على سعيد المحب الرومنسي الذي اختار الشعارات الإشفاق على إشفاقه عليها المتزامن مع إشفاقنا عليهما معاً :

" سعيد : ليلى
ليلى : ( وهي تفتش عن بعض ملابسها ) أبغي أن أخرج
سعيد : بل ظلي بعض الوقت
فأنا أبغي أن أعرف
ليلى : ماذا تبغي أن تعرف
المشهد أثقل من أن يُثقل بالشرح
بيت ، وامرأة عارية الكتفين وشعر محلول ( تلبس جوربها )
سعيد : هل نالك يا ليلى ؟
ليلى : في صدري رائحة منه حتى الآن
سعيد : اغتصبك يا مسكينة
ليلى : بل نام على نهديّ كطفل
وتأملني في فرح فياض يطفر من زاويتي عينيه
وتحسسني بأصابع شاكرة ممتنة
فتملكني الزهو بما أملك من ورد ونبيذ وقطيفه
وتقلبت على لوحة فرشته البيضاء
متألقة كالشمس على الجدول
فتمدد جنبي ، فمنحته
أعطاني ، أعطيته
حتى غادرني متفرقة ملمومه
كالعنقود المخضّل
( تتأمل نفسها في المرأة ، وهي تبحث عن بقية ملابسها )
تتمثل جماليات الحكي عن شبق ذكريات لحظات الانتشاء الجنسي ؛ لأن في استرجاعها لها فيه نشوة لها ، وفي حكيها على مسامعنا فيه إثارة لذكرياتنا وإيقاظ لذاكرتنا الجنسية . وذلك موطن جمال التعبير في حكيها ، غير أن موطن القبح أو التشوه ماثل في سماع سعيد لوصفها للواقعة الجنسية نفسها مع حسام . موطن الجمال في أنها تحكي في شئ من الفخر والنشوة والامتنان لحسام لأنه قدر جمالها وكنوزها الجسدية والقبيح أنها تحكي ذلك كله بوصف تفصيلي وهي شبه عارية على حبيبها الأول ، ذلك الرومنسي المتعلق بحبل الشعارات والذي رفض التعلق بجديلتها ، القبيح أنها تقص عليه غزوة ذكورة حسام لأنوثتها البكر لحظة ضبطه لها متلبسة بالعري وبذكرى نشوة حمراء تفخر هي بها عارية أمامه وأمام صورتها تلك في المرآة والجمال في دفاعها عن فارسها بطل الغزوة باستماته أمام الحبيب الرومنسي الذي قدم فكره على جسده :

" سعيد : قد خدعك يا مسكينة
الجاسوس
ليلى : وشوشني في صدق يخنقه الوجد
إني اتملك أحلى ما يحلو في عينيّ إنسان
سعيد : هل أحببته ؟ "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد