الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خذوها كلها.. ودعونا نعيش

حسين الرواني

2014 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


أضعاف هذا الواقع الذي تعيشه بلدان العالم العربي، لن تكون سوى نتيجة أقل من الطبيعية، لخمسة عقود أو أكثر أو أقل بحسب استقلال كل دولة عربية عن الاستعمار، هذا اذا أردنا ان نعتبر الاستقلال محددا زمنيا، نحتسب من لحظته مدة نقيم من خلالها ما حسن من حال الشعوب العربية، وما ساء.
نظرة واحدة على ما يكتبه المفكرون العرب، وكتاب الاعمدة المعروفون تكفي للتيقن من أن الاحباط والتعب اخذا من نفوس النخبة العربية المثقفة، كما أخذ من نفوس شتى شرائح المجتمعات العربية، والذي لم تعترف به الشعوب العربية، ولا نخبها المثقفة، سهوا، أو حياء، أتكفل بقوله والاعتراف به نيابة عن 300 مليون عربي: أيها العالم.. نحن خربون.
خذوا منا الاديان بأجمعها، بطوائفها ومعابدها وكهنتها وسدنتها، بسادتها وشيوخها ومراجعها وحججها وقرآينها وأناجيلها وتواريتها، بطقوسها وبخورها وتبتلاتها وتصوفها وعرفانها، ودعونا نعيش.
خذوا منا الايديولوجيات، والانماط الحضارية، ونظريات الابستمولوجيا، والتراث العربي، ونقد الفكر الديني، وحقول المعرفة، والتنظيمات الحركية السرية، أحزاب الديمقراطية المسترزعة في بيئات الملح والنبوات والديكتاتوريات، وفردانية الرب الواحد، التي اعدت الملايين وهيأتهم فيما لكل الفردانيات التي بعدها، من فردانيات شيوخ قبائل الحجاز وعدن وتدمر، وفردانيات الانبياء والائمة المفترضي الطاعة، الذين الراد عليهم كالراد على الله، والذي لا حق الا قولهم وفعلهم وإقرارهم، وفردانيات المرجع الديني الاعلى، وفردانيات الحاخامات والقسس والقديسين الوسطاء الى مغفرة الرب وطريق الخلاص على نور وصايا بطرس ويوحنا المعمدان، خذوها بأجمعها ودعونا نعيش.
خذوا منا عقودا من غسيل الادمغة بمناهج التعليم الحكومية المملوءة بذكر القائد والثورة والصحابة، وغسيل الادمغة بإعلام سلطة الزعيم الجنرال، ثم اعلامات احزاب معارضي أمس، مموسي سفارات العالم الاول، وناكحي أدبار النضال والامة العربية الواحدة، خذوا أعمدة الكهرباء التي طالما تعاقبتم على استعمالها أعوادا لمشانق انقلاباتكم باسم الحرية والوطنية، وعلى ظهور المطايا الضباط، خذوها ودعونا نعيش.
أيها العالم.. نحن خربون. استنزفتنا عقود طويلة من الليل المفروض على النهار قسرا، ومن زنزانات البعثيين وبقية احزاب الاستقلال العربي، خربون من جبهات حروب الدفاع وحروب الهجوم، خربون من عقود طويلة من العوز والعيش في موبئ الذل والهوان، خربون من عقود من الكذب، وبطولات السيوف الخشبية، وتسلط الشاذين الحاملين كل عقد التاريخ، وأمراض الشرق الاوسط العربي، خربون من عقود طويلة من محق كل أثر فينا يدل على أننا بشر، خربون من مسلسل طويل من الكوابيس التي استنزفت محاولاتنا في التعود على الصدمات، والاستيقاظ كل مرة والتظاهر بأن لا شيء يحدث، سوى كابوس آخر.
خربون من عقود طويلة استنزفت كل مفاهيم الوطنية، والوحدة، والقومية، والدين، والسياسة، والثقافة بكل مقولاتها، والارث الحضاري، والحدود الدولية المرسومة لخريطة بلدان العالم العربي، وشعارات التظاهرات والاعتصامات، والاحزاب شيوعيها ورأسماليها وقوميها ودينيها وعلمانيها، كانت احداث العقود التي مرت بنا أكثر من أن تستوعبها ذاكرتنا التي لم تعد تقوى على محو محفوظاتها من أمس، لتستقبل محفوظات اليوم.
خربون من عقود استنزفت حتى الدبلوماسية والجهد الدبلوماسي العربي في المحافل الدولية، لم يعد دبلوماسيونا نافعين الا في التباهي بأربطة العنق الزاهية الالوان، والبغبغة بما لقنوا في حضرة فخامة الرئيس، او جلالة الملك، أو دولة رئيس الوزراء، أو السيدة الاولى عقيلة الرئيس، إن لم يقم الرئيس نفسه بواجبه، كما يحدث هذه الايام مع سيدة العراق الاولى، هيرو.
هل عرفتم الان إذن كم نحن خربون؟ وهل عرفتم ما الشيء الوحيد الذي ما زال يهمنا الان، خذوا كل ما سبق، ودعونا لنا الهواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حسن الرواني
انور الموسوي ( 2014 / 7 / 22 - 07:33 )
الاخ العزيز قرأته لمرتين فقد اثارني بدقة الوصف ونوعية المضمون شكرا لك ولما طرحت


2 - شكر وتحيات
حسين الرواني ( 2014 / 7 / 22 - 11:41 )

شكرا لك اخي العزيز، أتشرف بقراءتك سطوري

اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية