الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب على طوبونيميا (Toponymie )الأمازيغ .

الطيب آيت حمودة

2014 / 7 / 22
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الطوبونيميا هي علم ، وفرع من الألسنة ، يهتم بدراسة أصل المكان وعلاقته باللغة الحالية أو اللغات الأقدم التي كانت سائدة ، وهو القاعدة الخرسانية لعلم الجغرافيا .
وهي من الأدوات الكبرى لحفظ اللغة والتاريخ والحضارة، إنها الذاكرة الجماعية في صورتها الحية والناطقة . والبحث في المجال الطوبونيمي هو نافدة جديدة تطل على التاريخ بمختلف تجلياته اللغوية والسياسية والحضارية .
والطبونيميا وإن كانت في جوهرها علما محايدا ، إلا أنها تأدلجت بدورها وأصبحت أداة للهيمنة فهي لا تخلوا من (الدفء الإديولوجي) أو (التأويل السياسي) ببعد إستراتيجي ، مثل المقاربة السياسية الرسمية عندنا ذات البعد العروبي الذي يقضي بعروبة الفضاء المغاربي وانتمائه اللامشروط للأمة العربية ..

أنا لا أريد الخوض في علم الطبونيميا وتفرعاته ودراسته لمختلف أوجه التسميات ذات العلاقة بالمكان ، وإنما أريد أن أوضح علاقة (الطوبونيميا ) بالهيمنة الوافدة على بلاد الشمال الإفريقي من القديم إلى الحديث .

فالإستخراب أو الإستدمار ليس له وجه واحد في الهيمنة وطمس الذات المحلية ، وإنما هو بأوجه متعددة وأسلحة متفرعة ، وإن كان له وجه ظاهر في الهيمنة على مقدرات المكان وقتل ساكنته بمبررات مختلفة (كما هو الشأن في ( تغردايت) أي (غرداية )، أو استعبادهم بأبشع الإستغلال الممكن والمتاح ، فهناك وجه آخر تدميري أخطر لكل ما هو أصيل للأمة الأمازيغية عبر تفاعلها مع الوافدين .

°°°صراع الطوبونيميا :

كل الأمم تسعى للحفاظ على مكونها الحضاري والثقافي واللساني بما فيه الطوبونيمي، فتلك أسس إبانة الأمة ، وروموز مجدها وأثالتها في التاريخ ، فكثيرا ما تحدث الأزمات بين الدول بشأن التسميات الطوبونيمية ، كما هو الشأن في صراع ( العرب) و(الفرس) على تسمية الخليج بينهما، أهو خليج عربي؟ أم خليج فارسي ؟ أو الحزازات الواقعة بين فرنسا و بريطانيا على تسمية البحر الفاصل بينهما أهو: البحر الأنجليزي؟ أم هو بحر المانش؟ ،

°°°الطوبونيميا الأمازيغية المُستهدفة .

تعرضت أسماء الأمكنة في بلاد ( تامزغا الكبرى ) إلى هجمات شرسة مفترسة لكل مقوم محلي ، بدأ من عهد الرومان....... وصولا للفرنسيين ، فقانون المنتصر لا يرحم المنهزم أبد ا ...... في حياته ... وبدنه ... ولقمة عيشه .... ورموزه وذاكرته ، ووجدانه . فما أن تمكن الرومان من بلادنا قديما حتى استبدلوا أسماء الأماكن بأسماء لاتينية ، ومثلهم فعل العرب والفرنسيس ( لغايات إديولوجية ) مفادها امتلاك الفضاء المكاني ، ليس العيب في تسمية (الأمكنة المستحدثة ) في عهدهم وبمجهودهم ، وإنما الخطأ في محو التسميات القديمة للمكان واستبدالها بأسماء أخرى أرادها المتمكن المهيمن كإستراتيجية إثبات ملكية المكان ، وسأحاول تبيان الأسلوب التدميري للأمكنة المغاربية الأصيلة عبر مقاربتين هما ، الفرنسة والعربنة .

°°° الإستدمار الفرنسي وتدمير الطوبونيميا الأمازيغية :

التواجد الفرنسي بشمال افريقيا كان بدافع استرجاع الممتلكات الرومانية ، وسياسته الإحيائية للتراث الروماني (أموقادي ، كويكويل ، لامبيز ، ....) يدخل في هذه الإستراتيجية التي تريد أن تقول بأن فرنسا هي وريث طبيعي وشرعي للمتلكات الروم والبزنط ، وهي قد سعت مثلا منذ نجاح غزوها للجزائر 1830 إلى جعل البلاد قطعة من فرنسا مثلها مثل (الغوادلوب ، والرونيون ، وكاليدونيا الجديدة ، المارتنيك ، غويانا ..... ) فالجزائر بمنظورهم هي [ جزائر فرنسية ] وطبيعي أن يغرسوا فيها طوبونيميا فرنسية ، فانقلبت التسميات بقرارات إدراية تعسفية إلى أسماء فرنسية ، فمدينة (الشلف) الحالية على سبيل المثال أطلقوا عليها إسم ORLEANSVILLE وعنابة .وُشحت باسم : Bône و بقايت أصبحت . . BOUGIE....... الخ[1] ، فمسخت الطوبوناميا الأصلية لبلادنا التي أصبحت أوروبية فرنسية في تسميات المكان ، وهي سياسة الإلحاق بغرس جذور الثقافة الفرنسية ، فجميع المدن والقرى الجزائرية أصبحت بأسماء فرنسية ( قادة عسكريون ، رجال سياسة ، رجال دين ، رجالات الفكر ) وكأن السكان الأصليون الذين لقبوهم ( بالأندجينا) بلا هوية ولا تاريخ ولا ثقافة ، وما إن استرجعت الجزائر سيادتها بعد كفاح طويل خلدته دماء الشهداء العظام حتى بدأ محو الذاكرة الفرنسية ، فاسترجعت الكثير من مدننا وقرانا تسمياتها لكن ليس الأصلية وإنما في صيغتها المعربة .

°°° الشوفينية العروبية [2] ومحاولات طمس ( طوبونيميا) الأمازيغ .

التواجد الفرنسي في الجزائر سبقته تواجدات سابقة مهيمنة ( تركية وقبلها عربية) ، باسم الإسلام ، وقد وظف الدين الإسلامي بامتياز في تعريب الأمكنة والإنسان ، وحتى فرنسا الإستدمارية ساهمت في ذلك عبر تأسيسها للمكاتب العربية التي أوكلت لها مهام إعداد سجلات الحالة المدنية في العشرية الأخيرة من القرن التاسع عشر ، فاستبدلوا ( ايث ) الإمازيغية التي تعني أبناء باللفظ العربي ( أولاد) ، فأصبح ايث يحي ، أولاد يحي ، و ايث مليكش ، بني مليكش ، ايث عبد الله بني عبدالله .... في محاولة لجعل الناس كلهم عروبية ؟ [3] ، وما أن استقلت البلاد حتى أطل علينا [بعبع العروبة] الذي غذته طلائع القومية العربية من أمثال عبد الرحمن عزام [4] ، و ساطع الحصري [5] و شكيب ارسلان [6] ، وجسده في دنيا الواقع جمال عبد الناصر في ستينات القرن الماضي .
وبدل أن يحس أصلاء هذا البلد بحقهم الهوياتي ، ارتفعت عصا القوة في كبح جماح الحق ، ففعل الجزائري بالجزائري ما فعلته فرنسا بهما معا ، فأغلقت أبواب الحريات ، فاستمر طمس طوبونيميا البلاد بشكل أفدح وباسم (العروبة والإسلام ) فحملت عديد المدن تسميات عربية بدل المحافظة على اسمها الأصلي ، فالقيروان مثلا كانت تسمى بالأمازيغية ( تيكروان ) ، وبويرة كانت تسمى (ثوبيرت ) و بجاية كانت باسم بجايث ( الجيم المصرية ) ، وتمنراست أسمها الحقيقي تمنغست ، وأذرار أنجرجر ، غدا جبال جرجرة ،...... فالكثير من التسميات الأصلية حورت لتصبح عربية لتوحي لعوام الناس بأن هذه البلاد عربية أصيلة وما هي في الحقيقة كذلك ، فلو فتحنا تحقيقا عن مسخ طوبونوميا المغارب من سيوا مصر شرقا ، إلى الكناري غربا لوجدنا العجب العجاب ، ولوجدنا أن العروبة فعلت فينا ما فعلت الفرنسة بالتمام والكمال أو أزيد لآنها توشحت برداء الإسلام . .


خلاصة الكلام أن الثقافة الدخيلة المهيمنة تسعى دائما إلى إغراق و طمس هويات الشعوب المهزومة ، فصراع اللغات والثقافات والهويات هو وجه من الوجوه الخفية للحرب ، وطمس التسميات الأصيلة التي دونها التاريخ في ( معاجم البلدان ) يكشف حقائق مروعة عن دناءة المحتلين في حق المكان الذي أوَاهم من حيف الزمان ، فتعريب المكان ما هو إلا استنساخ لما فعله الأوربيون في انسياحهم على العوالم الجديدة ( بالنسبة لهم) ، في افريقيا واستراليا وأمريكا ، فتصفح بسيط لأطلس العالم يوضح وكأن العالم الجديد هو موطن [ للجنس الآري ] وليس للهنود الحمر من الأزتيك والأنكا والأباش ، وأن بلاد تامزغا هي موطن أصيل[ للجنس العربي] فأسماء مُدنه وأوديته وأنهاره وجباله وترعه .... كلها أسماء عربية من قحطان وعدنان ، صدق من قال بأن اللغة هي قلب الهوية .



-----------------------------------------------------------------------------------------
[1] أنظر كتاب QUAND L HISTOIRE CHANGE LES NOMS DE LIEUX ، Michel Malherbe

[2 ] ليس المقصود بها العرب وإنما المقصود بها ه النزعة الإديولوجية القومية التي حاولت تلوين الأمم غير العربية بلون العروبة استقواء بهم لبناء وهم زائف اسمه ( البعث العربي) وأكثر الناشطين فيه للأسف أمازيغ منهم محمد عابد الجابري ، وعثمان سعدي ، أحمد بن نعمان ... الخ .

[3] شاهد الفيدو : كيف تكون عروبيا ، https://www.youtube.com/watch?v=QXnH9SRiYzk
[4] عبد الرحمن عزام أول رئيس للجامعة العربية ، له تاثير كبير في عروبة الشمال الإفريقي عبر ثلاث شخصيات مغاربية نافذة مصالي الحاج ، عبد الكريم الخطابي ، علال الفاسي .
[5] منظر القومية العربية .
[6] شكيب ارسلان كان لا يؤمن بعروبة الشمال الإفريقي ، لكنه ساير المد العروبي فيه لغاية مد جسور التقارب بين المشرق والمغرب الإسلاميين .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المسخ البعثي
الشهيد كسيلة ( 2014 / 7 / 22 - 15:17 )
سيد ناث حمودة
ازول امغناس وتحية لنضالك الدائم المستمر
الحقيقة انه لا احد فعل ما فعلة ويفعله الاعراب ومريديهم من المستعربين واود لفت الانتباه الى ان الرومان والفرنسيين لم يغيروا توبونيميا البلد فالاسماء التي تراها رومانية هي في واقع الحال اسماء امازيغية ولكن بنهايات لاتينية اقتضتها القواعد النحوية للغة اللاتينية ... هناك كتاب على النت للفرنسي غوسطاف مرسيي يعيد كل توبونيميا افريقيا الشمالية القديمة الى اصل ليبي-بربري
اما ما يفعله الاعراب اليوم فهو شيء فظيع ... في اقليم الشاوية الذي يحتفظ شفويا بتوبونيميا غنية تم تعريب كل شيء
الفرنسيون كذلك احترموا التوبونيميا المحلية أما الاسماء الفرنسية فاطلقوها فقط على المدن والقرى التي اقاموها هم أما القرية أو المدينة التي وجدوها قائمة فقد أبقوا على اسمها
يمكن أن يحدثوا بعض التغيير حسب مقتضيات اللغة الفرنسية مثل زيادة بعض الحروف في الأخير مثل ما نراه في اسم أغريب
Aghribs
أضافوا له S في الاخير
وكذلك Khroubs الخ
لكن ما يفعله البعثيون واتباعهم من الاغبياء اليوم شيء فظيع فظيع
ثينميرين


2 - لا داعي لتحميل ذلك للعرب
عقبة بن سعد ( 2014 / 11 / 2 - 20:56 )
المقال شيق و يدعوا القارئ لأن يتمعن أكثر في أسماء الأماكن, لكن اسمحلي أن أنبه إلى الطرف المتسبب في تغيير التوبونيميا إبان الحقبة العربية و الحقبة الفرنسية, الفرنسيون كانوا حاضرين بكامل نظامهم السياسي (جيش, إدارة, ..الخ) و لذلك طمسوا قسرا و ظلما التوبونيميا الامازيغية (و التوبونيميا العربية ايظا: هناك مدن ذات أسماء عربية أعطى الفرنسيون لها أسماء فرنسية) لكن الجزائر لم تعرف في كامل تاريخها أنظمة سياسية عربية, ماعدا حكم الفاتحين فهؤلاء لم يفعلوا أي شيء في ما يخص تغير التوبونيميا لان فترتم كانت وجيزة ولأنهم كانوا منهمكين في الفتوح و الدعوة لدين الله حيث لم يكن لهم الوقت حتى ليعلفوا خيولهم أو يسقوا رواحلهم, أما الأنظمة التي تلت الفاتحين كانت كلها بيد سلالات امازيغية (الرستميون, الحماديون, المرابطون, الموحدون) يتبع


3 - لا داعي لتحميل ذلك للعرب
عقبة بن سعد ( 2014 / 11 / 3 - 10:49 )
والحكام العبيديون أختلف المؤرخون في أصلهم فمنهم من قال أنهم عرب و منهم من قال أنهم يهود لكن بطانة الحكم كانت امازيغية كتامية, مما يثبت أن سبب تغير التوبونيميا من التسمية الامازيغية إلى التسمية العربية ليس انظمة الحكم لأنها أصلا انظمة امازيغية بل السبب هو انقلاب الميزان الديمغرافي للسكان فبمرور الزمن أخذت أعداد العرب في تزايد متطرد, و بما أن العرب الغالب عليهم طابع البداوة و البعد عن السياسة و عدم الاتصاف بالكفاءة تركوا السلطة للامازيغ, مما يثبت ايظا أن التحول في التوبونيميا إلى التسمية العربية لم يكن قسرا و ظلما كما يفهمه القارئ من المقال و لا داعي لتحميل ذلك للعرب بل هو تحول طبيعي سببه ديموغرافي اجتماعي صرف
تحياتي

اخر الافلام

.. ما مدى صحة وضع الثوم بالفريزر؟ ومتى يجب التخلص منه؟


.. رحيل عموتة عن تدريب منتخب الأردن.. لماذا ترك -النشامى- وهو ف




.. حرب الجبهتين.. الاغتيالات الإسرائيلية | #غرفة_الأخبار


.. ما دلالة غياب اللاعبين البرازيليين في الدوري السعودي عن -كوب




.. حزب الله يهدد إسرائيل.. من شمالها إلى جنوبها